من وسط جهنم…
الإفتتاحية بقلم ج. م
” عندي .. بس عم بيعه سوق سودا….” هذا كان ردّ أحد الصيادلة لدى سؤالي له عن دواء لوالدتي المريضة بعد أن أمضيت ساعاتٍ باحثةً عنه في معظم الصيدليات الموجودة في المدينة وجوارها .. لم يكن رد الصيدلي مفاجئاً “في شبه الوطن هذا“، بقدر ما شكّل السعر الموجود على علبة الدواء و عبارة ” مدعوم” ضربةً صاعقةً على الرأس… فبئس الوطن وبئس الأطباء وبئس الحياة…
لقد إنتقلت لعنة السوق السوداء الى الصيادلة ، فبمجرد أن تسأل عن الدواء يكون الرد: غير موجود، لتجد بعدها من يدلك على رقمٍ يُمكن أن تجده لديه، وتبدأ بعدها رحلة المضاربة في الأسعار، في حينٍ يعرض بعض الصيادلة على الزبائن تأمين الدواء ” من زميل ” بسعر أعلى بأربعة أضعاف، ليُخفوا بذلك تجارتهم الوسخة وتلاعبهم بحياة المواطن.
والحقيقة بأن السوق السوداء للدواء لا ترتبط بصيدلية معينة، فلا زال هنالك بعض الصيادلة الشرفاء الذين يعملون بضمير، في حين اعتمد عدد من الصيدليات على الـ waiting list ، لتنظيم عملية تسليم الدواء للمريض في حال توافره مجدداً، كما أنّ للمواطنين الميسورين دوراً في تفاقم هذه الأزمة من خلال شراء كميات كبيرة من الأدوية وتخزينها مقابل حرمان الفقراء ومحدودي الدخل من ذلك، أوجهٌ كثيرة في هذا المجال نلاحظ من خلالها بأن السوق السوداء تشعبّت إلى كثير من الأفرع التى ترتبط بحالات فردية من الصيادلة والمستشفيات والمختبرات والعيادات…
وفي إطارٍ متصل، تطلب إحدى المستشفيات الحكومية الخيرية تسديد قيمة الفرق بعد ” شبه الوزارة ” بالدولار الأميركي وعلى سعرٍ يفوق سعر السوق السوداء ولدى سؤالي عن السبب كان الرد ” بدنا نحمي حالنا” فإذا كان هذا حال قطاع الصحة والطب والأطباء والممرضين المعروفين بملائكة الرحمة فكيف تتوقعون أن يكون حال بقية القطاعات؟؟
لقد إعتمد هذا القطاع للأسف تجارةً محرمة بالمغالاة في التحاليل والأشعة والأدوية المزمنة وحتى أدوية الأطفال، منتهكاً مبادئ الإنسانية ومتعمداً الإتجار بأوجاع الناس وآهاتهم، ليشدّ الحبل أكثر وأكثر على رقبة المواطن الذي بات دون حولٍ ولا قوة، والمُضحك المبكي غياب الرقابة الذي يُعزز آفة تهريب الأدوية المدعومة الى الخارج، وغياب الحكومة ووزارة الصحة والمسؤولين عن وجع المواطن، فكيف تتوقعون أن يكون حال هذا المواطن؟
كيف تتوقعون أن يكون حال المواطن اللبناني الذي يُعاني الأمرين لتأمين الطعام والشراب وخدمات النقل والصحة والإستشفاء والتعليم وفاتورة الكهرباء والماء والهاتف والمدارس والكتب والملابس؟ ماذا تتوقعون من مواطنٍ بات راتبه لا يكفيه حتى لتسديد فاتورة إشتراك الكهرباء ؟؟ كيف تتوقعون أن تكون حال المواطن اللبناني الذي إستغنى عن معظم الكماليات في نظره والتي تُعتبر حاجات أساسية في بلادٍ تحترم نفسها، ماذا تنتظرون من هذا المواطن الذي لم يعدْ بإستطاعته شراء ” لوح شوكولا” لإبنه متذرعاً له بأعذارٍ يُخفي من خلالها قهره ودمعته ووجعه…
لقد بات هذا المواطن اللبناني مرادفاً للوجع والجوع والعوز وطوابير الذل والسوق السوداء، بات إنعكاساً للأزمات والحرمان في زمنٍ قيل فيه بأننا ذاهبون الى “جهنم” …
ختاماً كان معكم مواطنة لبنانية من وسط جهنم..