مقالات خاصة

العنق المكسور: إشكالية صلاحيات الرئيس بين الطائف والعهد القوي

كتب المحامي ناصر إبراهيم الصالح ل”قلم سياسي”

ينظم عمل السلطات في لبنان كما في غالبية دول العالم دستور يسمو على غالبية القوانين والنظم، يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وينص على مدى فصل السلطات من تشريعية وتنفيذية وقضائية، ويحدد آلية عمل كل سلطة منها، ويبقى هذا النص الراقي على غيره من النصوص والمتربع على قمة الهرم القانوني هو الفيصل في كل دقيقة من دقائق عمل السلطات.

إتفاق الطائف
وقد مر الدستور اللبناني في عدة مراحل أساسية كان أولها عند وضعه عام ١٩٢٦، ومن ثم قبيل الاستقلال عام ١٩٤٣ عندما ألغى أعضاء المجلس النيابي كافة النصوص المتعلقة بالانتداب الفرنسي وعدلوا تلك المتعلقة بصلاحيات المفوض السامي ونقلوها إلى السلطات اللبنانية، وصولاً إلى اتفاق الطائف، حيث فرضت تغيير المعادلات ونتائج الحرب الأهلية إخراجه بما هو عليه اليوم، فأخرجت السياسة اللبنانية من كنف المارونية السياسية إلى ما يعرف بالسنية السياسية برعاية سورية سعودية وموافقة غربية.

وقد تركز جوهر التعديل الدستوري الأخير في صلاحيات رئيس الجمهورية – الملك غير المتوج قبل الطائف- فنقل صلاحياته إلى مجلس الوزراء، الذي بات يمثل السلطة التنفيذية في البلاد ويشكل الذراع الرئيسي للسياسة اللبنانية، تحت قيادة رئيسه الذي يمسك الدفة ويدير لعبة التوازنات، وهو ما جعل السياسيين السنة يتمسكون بهذا التعديل ويظهرون بمظهر حامي دستور الطائف، تمسكاً منهم بمكتسبات الحرب.

وما بين سلخٍ للصلاحيات من رئيس الجمهورية -الماروني- وإعطائها لمجلس الوزراء، وتحويل رئيس الوزراء-السني – من باش كاتب إلى لاعب أساسي، ظهر رويداً رويداً أن الطائفة الشيعية لم تستطع أن تخرج بمكتسبات تعادل تمددها وقوتها، فلا هي من جهة حصلت على مركز نائب رئيس الجمهورية المنشود ليوقع مع الرئيس على القوانين والمراسيم لتعارض ذلك من النظام البرلماني، ولا استطاعت أن تأخذ حصرية وزارة المالية وفق ما يُسَر بأنها كانت من مكتسبات الطائفة، فوجدت نفسها مغبونة في ميزان الربح والخسارة، ولم تحصل سوى على تكريس للعرف الذي حسم مسألة طائفة الرؤساء الثلاث، الأمر الذي سمح لاحقاً لنباهة رئيس مجلس النواب منذ الطائف أن يعيد التوازن المفقود، بالترويكا في أوائل التسعينيات، خاصة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام ٢٠٠٥ وما أعقبه من سلسلة اغتيالات لشخصيات مقربة مما عرف بثورة الأرز.

إتفاق الدوحة
ولكن هذا التوازن لم يصمد طويلاً، حيث ساد لبنان فترة عصيبة اتسمت بالشلل المؤسساتي انقسمت فيها الدولة ما بين ١٤ آذار بقيادة الرئيس سعد الحريري التي استطاعت أن تهيمن سياسياً على لبنان، و ٨ آذار بقيادة حزب الله الذي وجد نفسه محاصراً بين الاتفاقات الداخلية والمحكمة الدولية، انتهت بأحداث ٢٠٠٨ الدامية – أو ما يعرف بأحداث ٧ أيار – والتي عادت وأخرجت السياسة اللبنانية في اتفاق الدوحة من كنف السنية السياسية إلى كنف الشيعية السياسية بفضل قوة حزب الله من جهة، والحلف الفلاذي القائم بين أعداء الأمس حزب الله وحركة أمل – ما يعرف بالثنائي الشيعي – من جهة ثانية، والحلف الاستراتيجي بين حزب الله والتيار الوطني الحر – التسونامي المسيحي – من جهة ثالثة لاحقاً.

لقد شكل التمدد الشيعي في لبنان انقلاباً على اتفاق الطائف، ولكنه لم ينسفه بفضل براعة وحذاقة رئيس مجلس النواب الذي قاد المعركة السياسية للثنائي، وقاد المفاوضات في الدوحة – او ما يعرف بالطائف ٢ – حيث استطاع أن يقلب موازين السياسة اللبنانية دون أن يمس بالدستور، الذي شارك هو شخصياً في وضعه في الأمس القريب، وذلك تماشياً مع مقولة نابليون “ينبغي أن يكون الدستور قصيراً ومبهماً” إذ أن القوي يستطيع لاحقاً إكمال النقص وتفسير الغموض. وهو الذي شكل أزمة لحماة الطائف الذين لم يعودوا يمسكون بزمام المبادرة من جهة، ولكنهم من جهة اخرى لا زالوا شركاء في الحكم وفقاً للدستور، ووفقاً للاتفاق الجديد الذي أنتج مشهداً سياسياً جديداً قائم على الشراكة في الحكم تحت مظلة الشيعية السياسة، وأثمر عن اختيار الرئيس الحريري ليلعب هذا الدور الجديد. ولكن الإتفاق العتيد لم يصمد طويلاً لظهور بوادر عودة مركز “الباش كاتب”. وانتهى المشهد بمغادرة الحريري لبنان واعتزاله العمل السياسي.

على الرغم من القوة الفعلية، ظلت الشيعية السياسية عاجزة عن إدارة لبنان بالحالة الطبيعية لفقدان الضلع الثالث وهو الطرف السني الذي يستطيع أن يدخل في المعادلة السياسية الجديدة، فاتسمت هذه الفترة كالتي سبقتها بالتعطيل والشلل المؤسساتي، فأصبح لبنان للمرة الأولى عاجزاً في آن واحد عن إنتخاب رئيس للجمهورية وإنتاج مجلس نيابي جديد وحكومة جديدة تدير الأزمة في البلاد.

حلف الحريري – عون – حزب الله
لقد مهدت حالة الشلل المؤسساتي لعودة الرئيس المغيب سعد الحريري من منفاه الاختياري بعد سنوات ودخوله غمار المعادلة الجديدة كضلع ثالث رئيسي، فطرح كرته المحروق بتسمية رئيس حزب القوات اللبنانية لرئاسة الجمهورية، ومن ثم أعاد وخلط الأوراق من جديد، فقضى ببراعة على متاريس ٨ و ١٤ آذار من خلال طرح اسم الوزير سليمان فرنجية للرئاسة فانهار معسكر ٨ آذار باعتراض زعيم التيار الوطني الحر، ومن ثم طرح اسم الأخير لينهار معه معسكر ١٤ آذار باعتراض جعجع حليف الحريري، ليجد حزب الله نفسه محرجاً للوفاء بتعهداته للحليف الاستراتيجي، وليدخل لبنان في معادلة سياسية جديدة قائمة على مثلث حزب الله – حريري – عون.

وبالفعل استطاع الحريري كسر الجمود السياسي في لبنان وإعادة تسيير المياه الراكدة، واتفق الثلاثي الجديد على قيادة المرحلة القادمة على أساس عون رئيس للجمهورية والحريري رئيساً للوزراء تحت رعاية حزب الله ممثلاً برئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ما مهد لانتخابات ٢٠١٨ والتي خرج فيها التيار الوطني بأكبر كتلة مسيحية، والحريري بأكبر كتلة سنية رغم تراجعه، وحافظ فيها الثنائي الشيعي على كامل مقاعده.

وقد مهد خروج التيار الوطني الحر بأكبر كتلة برلمانية مسيحية وبالتالي حصة وزارية وازنة إلى توسيع نفوذ التيار على السلطتين التشريعية والتنفيذية، بالاضافة إلى نفوذه في السلطة القضائية وخاصة المجلس الدستوري، إلى سعي التيار إلى التمدد أكبر على غرار حليفه في أعقاب أحداث ٧ أيار، فأخذ يسوق لفكرة الرئيس القوي الذي يمسك بالسلطات الثلاث، والعهد القوي القادر على إعادة لبنان إلى مراحل ما قبل الحرب الأهلية، ولكن طموح “العهد القوي” تعثر أمام صخرة صلاحيات رئيس الجمهورية المسلوخة في الطائف الأمر الذي شكل معضلة للتيار الذي أعطى في الأمس الشرعية لطموح الطائفة الشيعية، ودخل في المعادلة السياسية الجديدة بقوة، فبات ينظر لأول مرة منذ اتفاق الطائف إلى حجم الخسارة التي لحقت بالطائفة المارونية.

تحديات العهد القوي
لقد عمل العهد القوي على تشريح مواد الدستور واقتناص مواضع النقص والغموض فيه، فعمل رجال العهد على إختلاق صلاحيات لرئيس الجمهورية، والترويج لها في كل استحقاق أو حدث سياسي، بل وفي كل دقيقة من دقائق عمل السلطات في لبنان، بالإضافة إلى استخدام الميثاقية لابتداع أعراف جديدة تتوافق وطموح العهد القوي ليبسط سلطانه على السطات الثلاث.

إن ما يميز تمدد الطائفة الشيعية عن تمدد العهد القوي أنه وإن كان كلاهما وصل إلى مرحلة أحس فيها أن دستور الطائف لا يوافق قوته ولا طموحه السياسي، إلا أن قوة حزب الله العسكرية وصلابة الثنائي الشيعي وتعداد أبناء الطائفة بالإضافة إلى المعادلات الإقليمية أتاحت له التمدد بشكل تلقائي بما يتوافق مع نقاط القوة التي يملكها، في حين لا يشكل التيار قوة عسكرية، إذ أن خصمه اللدود هو الذي يحوز على أكبر قوة عسكرية مسيحية من جهة، ومن جهة ثانية، لقد عجز التيار عن ضم كامل أبناء الطائفة المارونية تحت ظلاله وعجز عن توحيد الأحزاب المسيحية المتنافسة على قصر بعبدا، وظل عاجزاً عن الاستفادة من أي معادلة إقليمية أو غربية تغطي هذا التمدد. وفي المقلب الثاني، إذا كان التمدد الشيعي استطاع أن يبصر النور دونما أي مساس بالدستور، إلا أن تمدد التيار لا يمكن أن يخرج لحيز الوجود دون نسف لاتفاق الطائف، ما يجعله في حالة مواجهة فعلية و”وجودية” مع حماة الطائف من جهة، ومع المكون الشيعي الذي أمسك بزمام المبادرة السياسية في اتفاق الدوحة.

وهذا ما أدى إلى اصطدام العهد القوي بباقي المكونات دون أن يؤسس جبهة مسيحية قوية تعطيه الغطاء المسيحي على أساس ٦ و ٦ مكرر، ومع بداية بروز التنافر مع حزب الله الذي لا يشاركه بالمبادئ ولا بالعقيدة ولا حتى مسألة العداء لإسرائيل، إذ مثلت هذه المسألة خصيصاً، ناهيك عن باقي المسائل، نقطة إختلاف جذري بين الحليفين بداية من تسوية ملفات المبعدين وعائلاتهم في الأراضي المحتلة – جيش لحد – مروراً بقضية آمر معتقل الخيام عامر الفاخوري وصولاً إلى كارلوس غصن.

معركة الصلاحيات الرئاسية
ولكن على الرغم من عدم معقولية الطرح، خاض تكتل لبنان القوي غمار تمدده مستغلاً قوة حليفه الاستراتيجي، فدشن أول صلاحياته باطلاق عرف جديد يقضي بعقد جلسات مجلس الوزراء في قصر بعبدا حصراً بدلاً من السراي الحكومي، وهو الذي لا يتنافى مع نص الدستور ولكنه لا يتوافق مع روح اتفاق الطائف. وكانت ثاني محاولات التمدد بالرفض المقنع لاستقالة الرئيس الحريري في السعودية عام ٢٠١٧ تحت غطاء التريث في الاستقالة، والتي عاد عنها الأخير فعلاً فور عودته إلى لبنان عشية عيد الاستقلال. وأخذ لبنان القوي يوسع الصلاحيات الرئاسية رويداً رويداً حتى اصطدم بتشكيل حكومة العهد، حين بدأت هذه الصلاحيات تمس بمصالح الحلفاء قبل الخصوم ودخلت معادلات جديدة على السياسة اللبنانية كمعادلة وزير لكل أربعة نواب، وتسمية ثلاثة وزراء كحصة رئاسية وهو الطرح الذي كان يحاربه التيار في عهد الرئيس مشال سليمان، وصار العهد يدخل في معركة دستورية فور انتهاء كل واحدة، ما أرهق باقي الفرقاء وجعله يزداد انعزالاً حتى استحال على حزب الله تغطيته حفاظاً على مكتسبات الدوحة، حفاظاً على مكتسبات حلفائه من اتفاق الطائف.

لم يكتف العهد القوي بتمتين كرسي بعبدا من خلال اختلاق الصلاحيات، إنما سعى كسباً للمكون المسيحي الى تسويق نفسه على أنه حامي حقوق المسيحيين الأوحد، في محاولة لإلغاء باقي الفرقاء المسيحيين، فأدخل المناصفة – في الفئتين الأولى والثانية – إلى كافة الفئات والوظائف، بل وكل فاصلة من مفاصل الدولة، حتى وصلت إلى حراس الاحراج، فعطل مباريات مجلس الخدمة المدنية وأوقف المراسيم، في محاولة منه للضغط على باقي المكونات وتخفيف حدة مقاومتهم في سبيل تسيير عجلات تمدده، وقد برع رجالات العهد بالقراءة العكسية للنصوص، فانتقلوا من مرحلة اختلاق الصلاحيات إلى مرحلة الامتناع عن ممارستها، كالامتناع عن عقد الجلسات أو توقيع المراسيم – كان أهمها مرسوم التشكيلات القضائية – أو التلكؤ في تنفيذ المهام، بالإضافة إلى استغلال قصور مواد الدستور في أكثر من معرض عن إيراد مهل محددة، حتى باتت الصلاحية الأوسع لرئيس الجمهورية هي التعطيل والتي تتعارض مع منطق الدول وفكرة المؤسسات.

وقد أدى هذا التمدد العامودي الذي لم يجد أرضية أفقية له إلى الدفع تجاه حرب سياسية ساخنة – وحرب أهلية باردة – ما زاد من حدة الأزمة الداخلية وضاعف الاحتقان وأدخل لبنان وطناً وشعباً في قارورة مكسورة العنق، لا هو قادر على البقاء داخلها مخافة الانفجار في أي لحظة ومع أي استحقاق، ولا هو قادر على الخروج منها لأن أي محاولة للخروج ستؤدي إلى تشظيه بعنفها المكسور، وهي المرحلة التي اعتبرها غالبية الساسة في لبنان بلا أفق، ولعلها تبدو أكثر تعقيداً من تلك التي سبقت الحرب الأهلية.

ثورة تشرين
في ظل هذا التعطيل وانتشار الصفقات العلنية “الميثاقية” بالإضافة إلى بوادر انهيار للعملة الوطنية وحالة الاحتقان في الشارع الذي لم يبرد جمره طيلة عقد من التحركات بداية من “اسقاط النظام الطائفي” وصولاً إلى حملات “طلعت ريحتكن”، وجدت الميادين نفسها مستعدة لاستقبال الجماهير الغاضبة و المختنقة من المحاصصات والصفقات السافرة، فيما عرف بثورة ١٧ تشرين التي جاءت كهدية إلهية لخصوم وحلفاء العهد على حد سواء لتقليم أظافر العهد وإجهاض طموح رأس الحربة فيه، وهو صهر الرئيس اللبناني ورئيس التيار والوطني وعراب الحلف الاستراتيجي مع حزب الله وتفاهم معراب والوزير الدائم جبران باسيل، فصبت جميع الأحزاب جام عضبها عليه ووجهت الحراك تجاهه وتجاه تياره وكأنه سبب الحرب الأهلية ومسبب كافة أزمات لبنان منذ الطائف.

لم يجد الجمهور الغاضب أي غضاضة من توجيه سهامه تجاه رجل العهد باسيل بسبب استيائها منه ومن أسلوبه المكشوف في المحاصصات ونبش القبور واثارة النعرات بحجة حماية حقوق المسيحيين، فغردت الحناجر بالشتائم وتوجهت أصابع الإتهام نحوه، والتي ازدادت حدتها بعد استقالة الرئيس الحريري والذي استطاع الظهور بمظهر رجل الدولة الجريء القادر على تفهم حماسة الشباب والتفاهم معه، الأمر الذي اعتبره باسيل لعبة جماهرية من قبل تيار المستقبل لتدميره واظهار الحريري كبطل خاصة بعد ظهور مجموعات داعمة له وداعية لعودته، فقرر باسيل قلب الطاولة هذه المرة على شريك العهد على أساس معادلة نحكم سوياً أو نعتزل سوياً، فوضع له “العصي بالدواليب” وحكم على حكومته أن تولد ميتة حتى وجد الرئيس المكلف نفسه مضطراً للاعتذار عن التكليف، وهنا ابتدع رجل العهد معادلة حكومية جديدة تعد أكبر صلاحية للرئيس وأكثرها تعارضاً مع الدستور نصاً وروحاً وهي التأليف قبل التكليف.

وعلى الرغم من تعارض قاعدة التأليف قبل التكليف مع الدستور، إلا أنها شكلت القاعدة التي سارت عليها كل التجارب الحكومية في مرحلة ما بعد الثورة، من حكومة الرئيس حسان دياب إلى تسمية الحريري ثانية إلى تسمية السفير مصطفى أديب وصولاً إلى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ولعل أفضل تجربة كانت تجربة السفير أديب الذي تعامل مع العهد بحزم وصلابة، فاسترد بعض الهيبة لمقام رئيس الحكومة ومكن خلفه من الحصول على ظروف أفضل في التشكيل بعد أن خفت حدة القاعدة التعطيلية.

الخاتمة
يبدو أن الثورة اللبنانية ساهمت في تفاقم الأزمة اللبنانية، وسرعت عملية إنهيار الدولة التي كانت ستنهار عاجلاً أم آجلاً، كما يبدو أننا وصلنا حقاً إلى آخر النفق – أو ما وصفه الرئيس بجهنم – إلى درجة أن السلطات اللبنانية الثلاث لا تزال عاجزة عن التعامل مع انفجار مرفأ بيروت في ٤ آب من العام الماضي، ولكننا حتماً لسنا أمام بوادر انفراج قريب خاصة بوجود جائحة كورونا التي عصفت باقتصادات الدول القوية، فما بالك بحال لبنان العاجز عن تأمين قوت يومه والذي لامس الدين العام فيه ١٠٠ مليار دولار أمريكي، وسط إحجام كافة الجهات المانحة التقليدية عن مد يد العون له بسبب تنامي قوة حزب الله داخلياً وإقليمياً. إن تعقيد المشهد اللبناني واختلال الخارطة السياسية فيه تنبئ بسيناريو مشابه للحرب الأهلية إذا ما بقي داخل القارورة لأنه سيتجه نحو الانفجار، خاصة بعد أحداث باص عين الرمانة المنقحة في الطيونة، والتي زادت من ضبابية المشهد بعد أن ضرب خيط العنكبوت جلسات مجلس الوزراء الذي لم ينعقد مذ ذاك بقرار من رئيسه، بغية تجنيب البلاد المزيد من التشنجات ما استدعى تدخل رئيس الجمهورية وتمنيه على رئيس المجلس استئناف الجلسات بوجه حليفه الاستراتيجي، في مواجهة بين تصلب ملك التعطيل و حنكة أمير الإعتكاف.

لذلك يبدو أننا بحاجة إلى الخروج بلبنان بشكل قسري من عنق الزجاجة المكسور، بغض النظر عن الخسائر والتضحيات، واللجوء إلى الطاولة مجدداً إما جبراً كما حصل في اتفاق الطائف، او رضاءً كما حصل في الدوحة، ولكن هذه المرة يجب أن تقود هذه الطاولة إلى مجلس تأسيسي وليس اتفاق مؤقت، إذ أن محاولات الترقيع التي نجحت بشكل جزئي مع شبه الدولة لم تعد قادرة على تسيير عجلاتها بعد أن انهارت بشكل كامل، حيث لا يمكن أن يصلح العطار ما افسد الدهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى