مقالات

العونيون: مشروعنا فشِل… الانتخابات المبكرة هي الحل

كتبت رلى إبراهيم في الأخبار:

طويت آخر صفحة من محاولات رأب الصدع بين رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر جبران باسيل من جهة، ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري من جهة أخرى. في أروقة القصر الجمهوري وميرنا الشالوحي، من يتحدث اليوم عن فشل مشروع بناء الدولة الذي كان عنوان معركة عون طوال 5 سنوات، وأن معركة العهد المتبقية ستتركز على الانتخابات النيابية. يسير عون وباسيل وفق إجراءات متدرّجة تمرّ عبر طاولة الحوار وتنتهي بحلّ المجلس النيابي، معوّلين على المزيد من السقطات الحريرية، لتبقى العقدة الأساسية في رفض حركة أمل وحزب الله تقريب موعد الاستحقاق النيابي.

عملياً، مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري لتعبيد الطريق بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري انتهت الى حائط مسدود. وبالتالي سقطت آخر المحاولات لإيجاد مخرج للأزمة القائمة منذ 4 أشهر بالطريقة التي بدأت بها: لا يريد عون تكرار التجربة السابقة مع الحريري، ويرفض الحريري التشكيل مع عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. معادلة أدركها الطرفان منذ اللحظات الأولى، لينطلقا بعدها الى التنافس على تسجيل الأهداف محلياً وخارجياً. المعضلة نفسها يعرفها حزب الله، لكنه أصرّ على السعي إلى فرض الوئام بين عون وباسيل من جهة، والحريري من جهة أخرى، بقوة الأمر الواقع ووساطة رئيس المجلس النيابي أخيراً. كل الطرقات لم تؤدّ الى تشكيل حكومة؛ استنُفدت المبادرات الفرنسية والداخلية، لتدخل الدولة في حالة جمود تامّ الى حين انتهاء ولاية الرئيس عون أو إجراء انتخابات نيابية مُبكّرة، أو حتى كما يتحدث البعض عن تقصير لولاية المجلس النيابي. في المحصّلة، حال عون والتيار الوطني الحرّ ليس أقل إحراجاً من حال الحريري. إنما التعويل اليوم على لعبة عضّ الأصابع.

بنظر العونيين، تقوم خطة الرئيس المكلّف على إضاعة الوقت حتى نهاية العام الجاري، قبل أن يبادر نوابه الى تقديم استقالاتهم من المجلس النيابي، من دون أن يدفع ذلك الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة مع اقتراب موعد الانتخابات العادية، وبذلك يضمن الحريري عدم إغضاب بري. أما عنوان معركته المقبلة، فعدم تقديم التنازلات التي سبق لوالده أن قدّمها عندما وُضع في الخانة نفسها. آنذاك، أخضع رئيس الجمهورية السابق إميل لحود رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري لقراراته، فيما هو، أي الحريري الابن، لن يخضع لعون مجدداً بل يسعى ليكون إنهاء أسطورة ميشال عون على يديه. وإلى اليوم، تمكّن الحريري نسبياً من تعطيل العهد الرئاسي وتكبيله ومنع أي تقدّم إن كان في ما خصّ الخطة الاقتصادية أو المالية (بالشراكة مع جزء من العونيين) أو التشريعات في مجلس النواب؛ والأهمّ، تعطيل حكومة حسان دياب (بالشراكة مع قوى مشاركة فيها) ثم الحؤول دون تصريفها للأعمال الروتينية بعد استقالتها. وبحسب العونيين، فإن الحريري يعوّل أيضاً على حلّ إقليمي شامل يساعده في كسر الجدار السعودي ويعيده الى السرايا قوياً ومنتصراً.

انطلاقاً من هذه السردية، ينطلق التيار الوطني الحر في الإعداد لسيناريو يسبق الحريري الى مبتغاه ويعيد ترميم صورته المهشمة منذ عامين. وهناك إجراءات متدرجة تستند الى سلسلة فرضيات وتنتهي جميعها بالاستقالة من مجلس النواب:

1- بما أن الحريري لن يُقدم على الاستقالة، يستغل التيار مماطلة الرئيس المكلّف لقلب الطاولة. بدأ الأمر مع رسائل عون الى كل من الفاتيكان والرئيس الفرنسي، تلاها اجتماع مع البطريرك بشارة الراعي وانتهت برسالة عون الى مجلس النواب. في تلك المحطات، وجد العونيون أن إحراج الحريري بهدوء ورفع السقف السياسي تدريجياً يكبد الرئيس المكلف خسائر بالجملة، إن كان فرنسياً أو في ميزان القوى السياسية المحلية التي وقفت الى جانب عون وباسيل بعدما كانت تدعم حجج الحريري. على الأثر، اكتشف التيار، بحسب مصادره، أن الوقت يميل لمصلحته. وبالتالي يتأنى في خطواته معوّلاً على المزيد من السقطات الحريرية كلما آثر رئيس الجمهورية وفريقه رفع السقف والتلويح بالصلاحيات. وكلما تأخر الحريري في تشكيل الحكومة، زادت النقمة الشعبية وانعدمت الثقة الخارجية والداخلية به. خطاب البطريرك بشارة الراعي أول من أمس من القصر الجمهوري ليس تفصيلاً، كذلك نعيه لحكومة الاختصاصيين التي يتمسك بها الحريري وطرحه حكومة أقطاب هي الأنسب لعون وباسيل.

2- يدرك رئيس الجمهورية أن الآفاق الحكومية مسدودة، وبالتالي انتقل اليوم الى النقطة «ب» في خطته التي بدأت بالرسالة، وهي الدعوة الى طاولة حوار رفضها الحريري مسبقاً، على اعتبار أنها تعدٍّ على صلاحياته. وعلمت «الأخبار» أن الرئيس عون بدأ يستكشف مواقف القوى السياسية من دعوة مماثلة للنقاش بالوضع الحكومي والاقتصادي، معوّلاً على حضور أغلبية الأحزاب السياسية ما عدا تيار المستقبل، ما سيضاعف النقمة عليه ويكبده المزيد من الخسائر باعتباره مُعطّل الحلول. وتتحدث المصادر عن أن إسقاط اقتراح الطاولة سيقابل بخطاب عالي النبرة يتوجّه به عون الى اللبنانيين، شارحاً بالتفصيل ما حدث منذ عامين الى اليوم، وملقياً المسؤوليات على عدة قوى سياسية، بدءاً بالحلفاء وصولاً الى الخصوم.

3- في أروقة القصر الجمهوري وميرنا الشالوحي، من يتحدث عن أن العهد بالمعنى الإصلاحي للكلمة انتهى: لا تدقيق جنائياً، ولا كابيتال كونترول، ولا إعادة هيكلة للمصارف، ولا خطة اقتصادية مع صندوق النقد إلا في حال حصول معجزة ما. في هذا السياق، نجحت القوة المناوئة لعون في إسقاط «مشروعه لبناء الدولة». ليس ذلك فحسب، بل باتت صورته ملازمة للمنظومة السياسية التي حاربها من منفاه ثم من الرابية، فهزمته وهو في القصر، وبات الرئيس والتيار، لا المنظومة، هما «مفسدا الدولة وهادرا أموالها». بناءً عليه، المنفذ الوحيد لإعادة النهوض بالتيار سياسياً هو الانتخابات النيابية. يريدها العونيون مُبكرة لمعرفتهم المسبقة أن كل الآفاق مسدودة، وأن حلّ المجلس النيابي باكراً يربحهم في الشارع، وأن التوقيت لن يكون في مصلحة خصومهم من قوى مدنية وأحزاب تحاول استغلال ضعف التيار لبناء حيثية في جبل لبنان. ويجري العمل اليوم على «تعويض خسارات وأخطاء الماضي، والمضيّ في تحقيق رغبة غالبية اللبنانيين بإعادة تكوين السلطة».

هنا أيضاً، يستفيد التيار من الحسابات التي منعت وتمنع القوات اللبنانية من الاستقالة من البرلمان، وأن رئيس الحزب سمير جعجع سيلعب دور الملحق بهم. فالأخير يطالب بانتخابات مبكرة، لكنه لا يجرؤ على الاستقالة، وسيخضع لأمر التيار متى أراد الاستقالة: نستقيل من البرلمان فيلحق بنا، وبذلك، لن يكون صاحب المبادرة في هذا الموضوع، بل إن الناخبين وحزبييه سيرونه في موقع «المتسلق» مهما حاول إيجاد التبريرات لموقفه. وبحسب الدراسات الأخيرة، وجد العونيون أن القوات لم تسجل ربحاً في الشارع المسيحي، بخلاف ما يسوّقه فريقها ونواب الجمهورية القوية. وإلى حين إجراء الانتخابات، ستكون قد خسرت جزءاً إضافياً من رصيدها. في حين أن المجتمع المدني المشرذم لم يسجل ربحاً ملموساً هو الآخر بسبب الخيبة التي عمّمها في من وثقوا به خياراً بديلاً، وبالتالي أقصى ما يمكن حصوله هو المزيد من المقاطعة الانتخابية التي لن تضرّ بالتيار. لذلك، ثمة حماسة عونية للاستقالة من البرلمان بالتزامن مع ربح إقليمي لمصلحة فريقه السياسي. ويرى التيار أن الاستقالات حاصلة فعلاً لأنها الحلّ الوحيد لسحب التكليف من الحريري، لكنها تأتي ضمن خطوات متدرجة تكون هي (الاستقالة) آخرها. وهي لن تحصل قبل ضمان نتائج ملموسة بمعنى إسقاط المجلس برمّته.

يعوّل الفريق العوني على تنسيق مع القوات وحزب الله وحركة أمل لحلّ المجلس، رغم ورود ردّ أولي إليه من حلفائه بعدم سيرهما بالانتخابات المبكّرة. وتؤكد المصادر أن العمل الرئيسي اليوم يتركّز على «التنسيق» من زاوية المقايضة ليأخذ كل طرف ما يرتضيه، وأهمها التعديلات التي يريدها رئيس المجلس على قانون الانتخابات الحالي. الأهم هنا، استباق خطوات الحريري عبر سحب ورقة الاستقالات وورقة إبقاء الانتخابات في موعدها منه. فالانتخابات هي عنوان معركة عون المقبلة في ما تبقى من عهده لضمان استمرارية التيار الوطني الحر وتقليص خسائره. بدا ذلك واضحاً من خلال دعوته اللبنانيين، ضمن مقابلة نشرتها مجلة «الأمن العام»، للسعي الى «ولادة طبقة سياسية جديدة تحقق الدولة المدنية الحديثة التي من شأنها وحدها كسر دوامة الترهل السياسي والإداري، والتجاذبات الحادة المرتكزة على أسس طائفية». وفي ما سبق اعتراف ضمني بالفشل في تحقيق مشروع بناء الدولة الذي تبنّاه منذ عودته الى لبنان.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى