مقالات

قضية المرفأ بين إصرار القاضي بيطار ومهزلة طلبات الرد

جاء في “المركزية”:

“لو بدّا تشتيّ غيمت”. والمقصود بذلك ليس طبعا شتاء لبنان وغيوم كانون المشحونة بالأمطار،  إنما إحالة ملف التحقيق مع رئيس الوزراء السابق حسان دياب والوزراء الثلاثة السابقين المدعى عليهم من قبل قاضي التحقيق في ملف جريمة تفجير المرفأ طارق البيطار إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وإذا كانت ثمة ترجيحات بأن تخطئ الأرصاد الجوية إلا أن الكلام المتعلق بالمسار القانوني يرتكز على الدستور إلا إذا أصر المدعى عليهم استكمال مسرحية تقديم طلبات رد واستردادها وتقديمها من جديد لمرات ومرات على قاعدة “عنزة ولو طارت”.

على هذه الوتيرة تسير التحقيقات في جريمة 4 آب الموصوفة بكل المقاييس، بعدما بدأ التحقيق فيها يأخذ منحى فضائحياً نتيجة مجموعة من العوامل والوقائع والمواقف والتصريحات، وقد تكون المسمار الأخير في مدماك العدالة في لبنان.

نبدأ بالمسار الذي يفترض اتباعه  فيما لو أحيل ملف التحقيق مع الوزراء السابقين الى المجلس الاعلى نقلا عن أوساط قضائية. بحيث يتم بداية ابلاغ امانة مجلس النواب بالاتهام، فيشكل المجلس لجنة برلمانية للتحقيق مع المتهمين ويصدر قرارا اتهاميا. وعلى ضوء التقرير الذي يُرفع إلى رئيس المجلس يصدر القرار اما بالإحالة الى المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وعرض الموضوع على الهيئة العامة او الاكتفاء بقرار اللجنة البرلمانية وابلاغه الى القضاء. وتشير الأوساط القضائية إلى انتفاء أية علاقة للمجلس الاعلى للقضاء او الهيئة العامة التمييزية او الهيئة الاتهامية العليا في موضوع الاحالة.

هذا في المسار الإفتراضي. أما على أرض الواقع فيؤكد مصدر قضائي مطلع لـ”المركزية” “أن مسألة إحالة ملف التحقيق مع الوزراء السابقين ورئيس الحكومة السابق الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء غير واردة بحسب الدستور”. ويعود المصدر إلى البدايات عندما كان يتولى القاضي فادي صوان التحقيق في جريمة المرفأ حيث ادعى في حينه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين غازي زعيتر وعلي حسن خليل ويوسف فنيانوس بعد الإستماع إليهم. وأرسل طلبه إلى المجلس النيابي الذي ضمنه خبر الإدعاء طالبا منه الرد. إلا أن الجواب لم يصل. وتكرر السيناريو مع قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار بعد تعيينه بدلا من القاضي صوان. إلا أن كتاب البيطار كان بالمباشر حيث أعلن فيه أن المدعى عليهم متورطون بالجريمة وسيتم استجوابهم. عندها تحرك المجلس النيابي وضمّن جوابه ما ورد في المادة 91 من النظام الداخلي للمجلس النيابي لجهة تزويده بالإثباتات والإفادات والأدلة مما يعني فضح المستور.

وفيما يؤكد المصدر القضائي أن الإرتكاز على المادة 91 مخالف للدستور أوضح أن ما يحصل أشبه “بالهرطقة واحتقار لعقول اللبنانيين وكراماتهم”. وسأل: “لماذا تحرك المجلس النيابي بناء على طلب القاضي البيطار في حين التزم الصمت عندما أرسل له القاضي صوان طلب استجواب الوزراء السابقين؟”، مضيفا أن “فيما لو حاول المجلس النيابي ان يسلك مسار إحالة ملف التحقيق مع الرؤساء والوزراء السابقين الى المجلس الأعلى عليه أن يصدر مشروع قانون لتعديل الدستور الذي ينص على أن محاكمة الرؤساء والوزراء تتم أمام المجلس الأعلى حال الخيانة العظمى والإهمال الوظيفي من دون أن يأتي على ذكر الجرم الجزائي الذي ادعى به البيطار عليهم”.

ماذا لو قرر مجلس النواب إحالة الملف بتهمة الإهمال الوظيفي؟ سؤال يُطرح ويجوز في دولة “عنزة ولو طارت”. وعليه يجيب المصدر القضائي: “هذا الأمر غير وارد إلا في ما يتعلق بمحاكمة رؤساء الجمهورية بحيث نص الدستور على وجوب محاكمة رئيس الجمهورية أمام المجلس الأعلى في حال الخيانة العظمى والإهمال الوظيفي”، وذيلها بمادة ثانية مفادها “حتى لو ارتكب الرئيس جرما جزائياً عادياً، فهو لا يحاكم إلا أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ولو أراد المشرع مقاربة هذه المادة مع تلك المتعلقة بمحاكمة الرؤساء والوزراء لكان فعلها وقالها بالمباشر”.

في سجلات محاكمة وزراء ورؤساء حكومات سابقين أسماء لشخصيات سياسية شغلت مناصب عديدة من بينها الرئيس فؤاد السنيورة والوزير شاهي برصوميان، وهؤلاء حوكموا وانتهت مفاعيل المحاكمة عند هذه النقطة. إذا لماذا تحرك مجلس النواب طالما أن نص الدستور واضح؟ “لأن ثمة تسوية ما ولأن هناك نية في التمادي بالإستهزاء بعقول اللبنانيين وبأحكام الدستور وسائر القوانين المرعية الإجراء”. وينفي المصدر القضائي المطلع “إحالة ملف التحقيق الى المجلس الأعلى على أساس إهمال وظيفي لأن القاضي البيطار ادعى عليهم بالجرم الجزائي”.

من طلبات رد متتالية ومتسارعة إلى تسوية على دماء الضحايا وقهر أهاليهم وعلى كرامة اللبنانيين، يخلص المصدر القضائي إلى نتيجة مفادها  حتى اللحظة “بأن التحقيق في ملف جريمة المرفأ أثبت أن لا يزال هناك قضاة شرفاء وأبطال بكل ما في الكلمة من معنى، وقضاء مستقل. وهذا ما يجب أن يدركه الرأي العام ويتحرك على أساسه في الشارع في حال تغلّب منطق التسوية على العدالة والحقيقة”.

ويكشف المصدر القضائي “أن مهزلة طلبات الرد ستستمر لكن الأكيد أيضا أن القاضي البيطار سيصدر القرار الظني مرتكزاً على الوقائع التي توصل إليها وسيدّعي على الوزراء ورئيس الحكومة السابقين وسواهم ويحيله إلى المجلس العدلي… وهنا المصيبة الأكبر. فالأخير يستند على استنابات الأجهزة الأمنية وما أدراكم بـ ما الأجهزة وتبعياتها السياسية. فهي وإن امتلكت المعلومات لن تسلمها إلى المجلس الأعلى للقضاء، ويبقى الملف مفتوحا تماما كما حال ملفات عديدة ومنها ملف اغتيال الرئيس رينيه معوض ومفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى