سمير جعجع واغتيال رشيد كرامي
ميرفت سيوفي
ذاكرة الناس قصيرة جدّاً، “موّال” اتهام الدكتور سمير جعجع باغتيال الرئيس رشيد كرامي لن ينتهي، سيتجدّد كلّ عام، بسبب التحالف المستمر بين من يدّعون أنّهم “ورثة الرشيد” وبين قتلته لضرورات استمرارهم سياسيّاً، من دون هذا التحالف لا لهم سياسيّاً، وهذه الحقيقة الجارحة التي لا يقرّون بها!
عندما اغتيل الرئيس رشيد كرامي كان فيصل ـ ابن شقيقه عمر ـ في السادسة عشر من عمره، ربّما، ولا يستطيع اليوم أن يلغي ذاكرتنا أو أن يشكّلها كما تقتضي مصلحته، علينا أن نذكرّه بتفجير الاحتلال السوري لمكتب الرئيس كرامي عام 1981 وتأكيد “ابراهيم قليلات” رأس تنظيم المرابطون يومها “أن هذا التفجير تم بواسطة المنحرفين في المناطق الوطنية”. أحداث ثمانينات القرن الماضي وبُعيد الاجتياح الإسرائيلي شهدت تصفية الاحتلال السوري لرجالات الطائفة السُنيّة التي ظلّت تُعاقب على تصالحها مع الشيخ بشير الجميّل والتزامها المصالحة الوطنيّة والحوار المسيحي الإسلامي الممنوع، لا بُدّ من إعادة تظهير تسلسل الأحداث إذ لم يعد كافياً التوقّف عند تاريخ اغتيال الرئيس رشيد كرامي فقط، الأحداث بدأت عمليّاً مع ترتيب الاحتلال السوري انشقاقاً في منظمة فتح عبر أبو موسى فتح الانتفاضة، وتدمير طرابلس واحتلالها عام 1985، والقضاء على تنظيم المرابطون في بيروت وحصار وتهديم المخيمات الفلسطينيّة على يد حركة أمل، لا أحد يستطيع أن يُخرج اغتيال رشيد كرامي من سياق الأحداث آنذاك، فهذا استخفافٌ بعقول الناس وذاكرتهم!
كان السياق كلّه سياقاً ممنهجاً لهدّ الطائفة السُنيّة، سلسلة اغتيالات طويلة توالت في تلك المرحلة في الثمانينات ولا يستطيع أحد أن يغضّ النظّر عن كلّ القيادات التي تعرّضت للنفي من قبل الاحتلال السوري من صائب سلام إلى الرئيس تقي الدين الصلح، أو أن يغضّ النظر عن اغتيال سلسلة أسماء توالت من اغتيال الشيخ أحمد عساف قرب منزله في عائشة بكار في نيسان العام 1982، وفي 2 آب 1987 قتل الاحتلال السوري مستشار الرئيس امين الجميّل الدكتور محمد شقير داخل منزله في بيروت الغربية، وفي 7 تشرين الأوّل 1986 اغتيل الدكتور العلامة الشيخ صبحي الصالح في ساحة ساقية الجنزير قرب مسجدها الذي كان متوجّهاً إليه، وبُعيد اغتيال الرئيس رشيد كرامي في 1 حزيران العام 1987 اغتال الاحتلال السوري النائب ناظم القادري في 21 أيلول العام 1989 وكان قد اغتال قبله مفتي لبنان الشهيد الدكتور حسن خالد في 16 أيار العام 1989 بسبب إبلاغه سفير الكويت ان المدفعية السورية مسؤولة عن قصف المنطقتين الشرقية والغربية معاً والتسبب بمجزرة الأونيسكو من مرابضها في تلال عرمون…
لا يخرج اغتيال الرئيس رشيد كرامي عن هذا السياق من الاغتيالات السُنيّة تحديداً، تذكروا الموقّعين الثلاثة على الاتفاق الثلاثي الذي قيّض الله للبنان “الحكيم” لمنع الاحتلال من ابتلاعه، أين الطائفة السُنيّة بين الموقعين الثلاثة بري ـ جنبلاط ـ وحبيقة، وبعد دخول الجيش السوري إلى بيروت آخر شباط العام 1987 بعدما تمّ إحراقها على يد حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي والتنكيل بأهلها وإذلالهم، كانت إزاحة الرئيس رشيد كرامي باتت ضرورة لوضع اليد السوريّة قبل انتخابات العام 1988، الفراغ كان أفضل وضع سياسي يفرض عبره الاحتلال رئيساً تابعاً له أو “خيال صحرا” بمعنى آخر، بدخول الجيش السوري إلى بيروت ردّاً على إسقاط الاتفاق الثلاثي، لم يعد هناك معنىً لبقاء رشيد كرامي المستقيل والذي لم تقبل إستقالته، بعد ثلاثة أشهر فقط اغتال النظام السوري رشيد كرامي عن سابق تصوّر وتصميم مستفيداً من “الحالة السلبيّة” كما وصفها الرئيس كميل شمعون التي فرضها كرامي عبر شلّ وتعطيل الحكومة، وسط حال انهيار اقتصادي وماليّ يعيشها لبنان!