مقالات خاصة

المئوية الثانية … أي لبنان نريد ؟

أمين بشير

على أبواب المئوية الثانية للبنان انتفض الشعب اللبناني في السابع عشر من تشرين الاول بوجه الطبقة السياسية التي شغلت المئوية الأولى واحتكرت النظام السياسي الذي طوّع مؤسسات الدولة لخدمة مصالحه بما سُمي نظام المحاصصة الطائفي . هذا النظام الذي لم يرقى لمستوى طموح الشعب اللبناني والتي كانت نتيجته هجرة أربعة أضعاف الشعب اللبناني المقيم .
هذا النظام الذي لم يرقى يوماً أن يصبح دولة مؤسسات وقانون ، فلم يفرز احزاب بالمعنى الجيوسياسي بل فرز مافيات سلطوية سمت نفسها احزاب ، فأحزاب الشخص الواحد والرأي الواحد هي مرادف لنظام المافيا التي تقوم عصبيته على العائلة في الباب الاول والمنافع للأفراد التابعين لها فقامت مافيات السلطة في لبنان بتطوير هذا العصب ورفعته الى مستوى العصب المذهبي والمنتفعين منها في ظل غياب فلسفة القانون والمساواة أمامه بمفهومه العلمي ليصبح قانون غب الطلب ، وطوعت المؤسسات التي كانت يجب ان تكون في خدمة هذا المواطن كالقضاء والأمن ووضعتهم في خدمة مصالحها الذاتية فأصبح هناك لكل مافيا طائفية قضاءها ومؤسساتها الأمنية ومصرفها وشركاتها وحصتها في الوظائف العامة .
فتقاسمت هذه المافيات مقدرات البلاد وإنتاج الشعب وصادرت موارده وشحذت على اسمه وبأسمه وحاربت به واستعملته في كثير من الأحيان وقوداً لحروبها وصراعاتها على البقاء والتوسع . وفي لحظة تاريخية شحت فيها تجارتها السياسية الخارجية فتوقف ضخ الأموال من الخارج بفعل التغيرات الإقليمية فأصبح اعتمادها على الداخل فقط لإطعام المنتفعين منها لا غير فلم تعد تكفي هذه الموارد لإسكات معظم مناصريها وانفضح امرها وقامت الصرخة ولم تسكت فكان ١٧ تشرين .
أتت ثورة ١٧ تشرين بجيل جديد لم يكن ليسكت على ممارسات هذه السلطات المافيوزية وسياساتها في إسكات الشعب وتدجينه بالفتات ، جيل الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الذي يستطيع ان يتواصل مع ابن الصين واميركا بدون حواجز ويستطيع ان يرى كيف تعيش هذه الشعوب وتتطور وتبني مؤسسات وطرقات وجسور وتعيش بكرامة وبحبوحة فأيقن هذا الجيل بأن ما عاشوه اهاليهم كان استعباد وحكم بالحديد والنار … فثاروا .
استفاق هذا الجيل على ما فعلته هذه الجماعات الدموية من تشتيت لعائلاته في كل أنحاء المعمورة فلم تبقى عائلة إلا ولديها احد أعضائها او اكثر في المهجر . فتفككت هذه العائلات وتقطعت أوصالها وأصبحت ابناءها غريبة عنها وعن ثقافة شعبها فاندثرت الهوية اللبنانية واضمحلت في غياهب ثقافات البلاد التي هاجروا اليها . استفاقوا انهم لم يخسروا فقط كراماتهم وطموحاتهم ، بل اكثر ، خسروا العائلة الكيان الاول الذي ينشأ طبيعياً وإنسانياً .
هذا الجيل الذي يعلم ان سلاحه هو العلم وبارودته هي تلفونه الذكي وشبكات التواصل فلن يقدر عليه سلاح البلطجة والقمع .
انتفض حتى يعيش حياة كريمة يحقق طموحه وآماله بغد افضل .
انتفض حتى يبني دولة تصلح لان يعيش فيها ابنائه ايضاً .
هذا هو مشروع المئوية الثانية فهل يقوى هذا الجيل على هذا الحلم .
فلنمض نتمنى ونشتهي وطن سيد حر مستقل ودولة مدنية حرة عادلة تعيد لم الشمل والشتات من الخارج .

المحامي أمين بشير

كاتب ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى