مقالات

عهد يحاول ضخّ الحياة في بلادٍ تراقص الإنهيار

كتبت “المركزية”: 

لن ينتظر اللبنانيون المؤسسات الاعلامية العالمية العريقة ليختاروا شخصية العام 2021، تماما كما أنهم لن ينتظروا حتى يحل عليهم 31 كانون الأول. فالمجريات السياسية والقضائية الأخيرة أعطت هذا اللقب بجدارة إلى المحقق العدلي في كارثة 4 آب القاضي طارق البيطار.

ذلك أن الرجل تجرأ حيث تخاذل كثيرون وخنعوا: ضرب السلطة السياسية في الصميم، في لكمة قاضية لم يكن أركان المنظومة يتوقعونها يوما… تماما كما لم يتوقع الناس منهم فاجعة كتلك التي هزت لبنان بأسره عصر ذاك الثلاثاء الصيفي الأسود، بفعل الاهمال والتقصير وتقاذف المسؤوليات على نحو مخجل ومهين ومعيب.

 في شباط الماضي، تسلّم القاضي البيطار الملف الناري بعدما دفع الساسة المستهدفون القاضي السابق فادي صوان إلى الخروج من “حلبة التحقيق” بضربة “الإرتياب المشروع”، المفهوم القضائي المستحدث بعد الفاجعة في محاولة لتأخير كشف الحقيقة التي تشق الطريق إليها الاجابة عن سؤال بديهي واحد: من هو صاحب شحنة نيترات الأمونيوم التي مكثت في المرفأ لسنوات قبل أن تنفجر لأسباب يجهد البيطار لكشف النقاب عنها.

على أن الأهم يكمن في أن القاضي الجديد حضّر للمنظومة وأركانها والمحور الذي تدور حوله مفاجأة من العيار الثقيل تمثلت في طلب رفع الحصانات عن… الوزراء أنفسهم الذين كانوا في دائرة رصد واهتمام القاضي السلف، إضافة إلى رئيس الحكومة السابق حسان دياب… الرجل الذي حُرم طويلا الشرعية الشعبية، قبل أن ينال حظوة الالتفاف حوله من مكونه الطائفي ومن ألد خصومه السياسيين لا لشيء إلا لمنع التحقيق العدلي من الوصول إلى إجابة أخرى عن سؤال بسيط آخر: من اتصل بالرئيس دياب وطلب منه عدم الذهاب إلى المرفأ قبل أيام من الجريمة؟ وهو التساؤل المشروع الذي طرح بعد انتشار هذه الرواية التي لم ينفها يوما … مفضلا التزام الصمت والعمل على “قبع” القاضي بيطار بالسبل والمفاهيم القضائية المستولدة مثل “مخاصمة الدولة” بسبب أعمال قاضي التحقيق، وهي المعركة التي يخوضها رئيس الحكومة السابق في مواجهة البيطار.

يجري كل هذا في وقت يمضي الثنائي الشيعي في ممارسة الضغط السياسي لـ “قبع” القاضي البيطار، كيف لا، وهو الذي هدد القاضي بلا مواربة بقبعه من مكانه، وذلك في خلال زيارة مريبة من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا إلى قصر العدل في بيروت…

ولأن الشيء بالشيء يذكر ، فإن التهديد الكلامي لم يقتصر على صفا، بل انتقل إلى وزير الثقافة محمد مرتضى الذي هدد بإطاحة الحكومة الميقاتية الحديثة الولادة بالضربة الميثاقية القاضية، فرسم معادلة خطرة، لا يجد أحد حتى اللحظة حلا لفك طلاسمها: الحكومة مقابل رأس البيطار. وفي دلالة من الثنائي الشيعي إلى مدى جديته وتصميمه على المضي في المعركة حتى النهاية، لم يجد حزب الله وحركة أمل ضيرا من لعب ورقة الشارع في مواجهة البيطار، ومؤيدي تحقيقه، ولا في العودة إلى العزف على وتر 7 أيار الطائفي المقيت، في الطيونة. لكن يوم 14 تشرين الأول انتهى من غير وقوع الفتنة الطائفية لجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه وتشتيت الانتباه عن المطلب المركزي: فضح ومحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ.  

وما بين كل هذه المحطات، حكومة معلقة على حبال تعطيل يتلذذ في ممارسته من يفترض أنهم رعاة الحكومة، وعهد يمضي النصف الأول من شهوره الأخيرة في محاولة ضخ الحياة في الفضاء السياسي والاقتصادي في بلاد تراقص الانهيار، وغضب شعبي عارم، وآخر سياسي ضد قاض… استحق ما فقده الضاغطون عليه منذ زمن: ثقة .الناس… ذلك وحده يساوي كل جوائز العام.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى