سياسة

السنيورة : عهد عون شبيه بعهد لحود في تعطيل القضاء

الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان السبت الماضي، قبيل جلسة المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، أفصح عن مضمونها البيان الصادر عن المجلس، لاسيما ما يتعلق بالتحقيق القضائي القائم في انفجار مرفأ بيروت. لكن ما قاله رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة لـ”النهار” عشية زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبيان المجلس الشرعي، يذهب الى مدى أبعد، حيال مسار عمل المحقق العدلي القاضي طارق بيطار.

بداية، لا بد من التوقف عند ما ورد في بيان المجلس الشرعي، وهذه ليست المرة الأولى يسأل فيها المجلس، “لماذا هناك إصرار على محاكمة الرؤساء والوزراء في قضية انفجار مرفأ بيروت من خلال المجلس العدلي، على الرغم من أن الدستور واضح للعيان، أن محاكمتهم تكون من خلال المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، كما هي الحال في محاكمة القضاة الذين يحاكمون وفق أصول خاصة؟”. ودعا المجلس “الجهات القضائية المختصة إلى التبصر في مآلات الأمور”.

وفي معلومات “النهار” ان توجيه الدعوة الى “الجهات القضائية المختصة الى التبصر”، لا تعني القاضي بيطار فحسب، وإنما تعني أيضا مجلس القضاء الأعلى ورئيسه القاضي سهيل عبود.

ووفق هذه المعلومات، فإن ميقاتي هو بأمسّ الحاجة لكي يعاود مجلس الوزراء جلساته، لكنه لن يستطيع توجيه الدعوة الى أي جلسة جديدة للحكومة قبل ان يُحسم الجدل الناشب عن ملف التحقيق القضائي في انفجار المرفأ، وتحديدا إمتثال القاضي بيطار للدستور الذي يحصر “محاكمة الرؤساء والوزراء بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”، وفق ما ورد في بيان المجلس الشرعي. وعلى الرغم من أن التطور البارز الذي حققه البيان المشترك السعودي ـ الفرنسي لمصلحة علاقات لبنان بالمملكة العربية السعودية، فإنه يكاد يضيع بسبب تعطيل عمل الحكومة التي عليها ان تتخذ القرارات اللازمة من اجل ملاقاة هذا البيان. وبات واضحا انه لم تعد هناك عقدة الثنائي الشيعي حيال ربط معاودة الحكومة جلساتها فقط، بل صارت هناك مطالبة سنيّة واسعة بأن يصار الى إعادة التحقيق القضائي في انفجار المرفأ الى مساره الدستوري والقانوني كي يتم نزع الذرائع من الذين يربطون عمل الحكومة بهذا التحقيق.

ووفق أصحاب المعلومات المشار اليها، فإن ما صدر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري من مواقف في “النهار”، الجمعة الماضي، أتى في السياق نفسه لما أراده ميقاتي أن يصدر عن المجلس الشرعي، على رغم أن بري كان حادا في توجيه الانتقادات الى المحقق العدلي الذي وصفه بـ”المتآمر”. كما وجّه بري “رسالة الى الناشطين في الغرف السوداء التي تحرّك بيطار، بأن مثل هذا الأسلوب لم يعد ينفع، ولا يصب في مصلحة أهالي الضحايا ولا البلد”.

ماذا يقول السنيورة فوق ما قيل حتى الآن في هذه القضية التي تحوّلت الى العقدة الكبرى في مسار إعادة “تطبيع” الأوضاع في البلاد؟

يقول السنيورة لـ”النهار” ان عهد الرئيس ميشال عون، يبدو متطابقا مع عهد سلفه الرئيس اميل لحود لجهة تعطيل عمل القضاء. ويروي في هذا السياق ما حصل معه عندما كان رئيسا لمجلس الوزراء في آخر عهد الرئيس لحود، عندما قام هو، أي السنيورة، بتوقيع التشكيلات القضائية التي وردت اليه من مجلس القضاء الأعلى في ذلك الوقت، في حين رفض الرئيس لحود توقيعها. ويضيف، “أزعم أنني لم أخالف مبادئ الدستور عندما وقّعت التشكيلات القضائية من دون ان أراها. فبحسب القانون، تصبح صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل مقيّدة بعد إصدار مجلس القضاء الأعلى التشكيلات، ما يعني ان عليهم فقط توقيعها”. وتابع ان عون كرر ما فعله لحود سابقا. ويستعيد السنيورة واقعة الزيارة الأولى التي قام بها أعضاء مجلس القضاء الأعلى للسرايا عندما كان رئيسا للحكومة. وقال ان هؤلاء القضاة وعلى رأسهم القاضي أنطوان خير لا يزالوا شهودا. وأضاف: “لقد قلت للقضاة: لتكن هذه الزيارة هي أول زيارة وآخر زيارة تقومون بها الى السرايا لكونكم تمثلون سلطة مستقلة”.

ويصل الحديث الى قضية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت والاستعصاء الذي تواجهه. وهنا يشير السنيورة الى أمرين يميّزان موقفه وأيضا مواقف زملائه رؤساء الحكومات الحالي والسابقين، وهما: “الالتزام الثابت والكامل من جميع المعنيين باستقلالية القضاء وبعدم التدخل في شؤونه، والالتزام الكامل، وبعيدا عن أية تفسيرات أو اجتهادات لا جدوى منها، بحرفية واحترام النص الدستوري”. وهذا ورد في بيان الرؤساء الحكومات السابقين في 15 تشرين الأول الماضي. ويمضي السنيورة في حديثه الى “النهار” قائلا، “أمَا آن للقاضي بيطار أن يعلم ان هناك محكمة خاصة للرؤساء والوزراء، مثلما هناك محكمة خاصة للقضاة وأخرى للعسكريين، واللتين يقرّ القاضي بيطار بهما؟”.

لماذا هذا السلوك الذي يثابر عليه القاضي بيطار وهو لا يزال مثار جدل؟ يجيب السنيورة، “سواء أكان يعلم أم لا يعلم، فإن القاضي بيطار، وبهذه الطريقة يحرف عملية التحقيق عن مسارها. إنه يخدم مصالح أخرى، ليست بعيدة عمن كان يملك نيترات الامونيوم، والذي استطاع أن يحميها في المرفأ ويقوم بالسحب منها من دون أية عراقيل”.

من عادات الرئيس السنيورة، اللجوء الى الامثال كي يوضح أفكاره. ومن بين هذه الامثال أن “من يسلك مفترقا خاطئا فلن يصل الى المكان الذي يقصده”. فهل ينطبق هذا المثل على حال التحقيق القضائي في انفجار المرفأ؟ واقع الأمور يؤكد فعلاً ان الدخول الخاطئ في البداية ذهب بالتحقيق الى العنوان الخطأ الذي وصلت اليه قضية المرفأ التي هي من بين اهم القضايا في تاريخ لبنان وربما العالم. ويخلص السنيورة إلى القول، “كنا منذ البداية ندرك ما ستؤول اليه الأمور عندما يُترك للقضاء الداخلي مثل هذه المهمة. وكنا قد طالبنا كرؤساء حكومات سابقين، بالاستعانة بهيئة دولية مستقلة أو عن طريق الجامعة العربية للتحقيق في الانفجار”.

هل لا يزال الوقت متاحاً أمام إخراج التحقيق في انفجار المرفأ من رمال لبنان المتحركة، ووضعه على أرض صلبة؟ إنه السؤال الكبير اليوم.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى