علم النفس الإيجابيّ
د. سهير الحريري
في السنوات القليلة الماضية أي في أواخر القرن العشرين والسنوات الأولى من الألفية الثّالثة، بدأ علماء النفس الإيجابيّون ومنهم (M. Seligman) يطرحون بقوّة موضوع السعادة والإزدهار على بساط البحث، وكأنّ السعادة هي غاية علم النفس الإيجابيّ. وهنا لا بدّ لنا من التمييز بين السعادة والرفاه الذاتي، عندما نريد أن نبحث في الأشياء التي تجعل حياة الإنسان طيّبة أو ممتعة، من المستحسن أن نستعمل مصطلح الرفاه الذاتي بدل السعادة. فالكلمة اليونانية (Edaimonia) تعني السعادة أو الحياة الطيّبة وتقابلها بالإنكليزية (Happiness) وBonheur)) بالفرنسية.
وهنا يتجاوز مفهوم السعادة مصطلح الرفاه الذاتي الذي ينطبق أيضًا على الحيوان والنبات، بينما السعادة هي خاصيّة بشريّة فحسب. قد تجلس مع صديق لك وتتحدث معه حول بعض المسائل وتشعر بالإنشراح وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشخص الذي يشتري سيارة جديدة فيشعر بالإنشراح والسرور ولكن هذا السرور يتوقّف لاحقًا. وإذا كان هدف الانسان هو السّعي إلى تحقيق المتعة وإشباع الحاجات والرغبات الشخصيّة فحسب، فإنّ الأنانيّة المنصبّة على الذات تسوّغ ما يفعله المرء من أجل مصلحته الخاصّة. وهذه الأنانيّة تتعارض مع مبدأ الأخلاق والقيم الإنسانيّة ومنها الفضيلة والضمير الحيّ وفعل الخير ومحبة الآخرين ومساندتهم. ففي هذه القيم والفضائل قد يجد الإنسان سعادته، لأنّ ما يفعله من أعماق قلبه وضميره يزيد من درجة شعوره بالرضا عن الذات والحياة ويمنحه الشعور بالامتلاء والفرح الدائم والسعادة. وهكذا يحقّق المرء إنسانيّته ويتحرّر من كابوس الأنانيّة والجشع والحقد والحسد وعبادة المال والأوثان.
إنّ استغراق المرء في المشاعر السلبيّة (الخوف، التشاؤم، اليأس الحقد الخ…) يزيد في تدهور حالته الصحيّة وآلامه النفسيّة والجسديّة على عكس المشاعر الإيجابيّة (التفاؤل، الثقة، الإيمان، المحبّة…)، فالتفاؤل أقوى في مفعوله من الدواء وكذلك قوّة الروح والإيمان. فالأشخاص الراضون عن حياتهم يهتمّون بنوعيّة طعامهم ولا يتعاطون السجاير والكحول والمواد المخدّرة وهم يقومون بالتمارين الرياضيّة بشكل منتظم. إنّ مرضى القلب والمصابين بالأمراض المستعصية يتقدمون في طريق الشفاء بفضل ما لديهم من تفاؤل وثقة وإيمان. وهذا كلّه يترافق مع تبديل جذريّ في اسلوب عيشهم. وعندما نعود دائمًا إلى الماضي ونتذكر التجارب المؤلمة، فإنّنا ندمّر سعادتنا ونصاب بالكآبة والندم والحقد والغضب. وهذه المشاعر السلبيّة تؤدّي إلى تدهور صحتنا الجسديّة والنفسيّة. من لا يتحرّر من الماضي الأسود، يبقى مريضًا وتعيسًا طوال حياته. إذًا من المفيد والضروري أن نعيش في الحاضر ونعمل بكل قوّة وثبات لبناء مستقبل أفضل، لأنّ النجاح في العمل (دراسة، مهنة) يمنحنا الشعور بالفخر والإنشراح والسعادة ويزيدنا ثقة بأنفسنا وقدراتنا.