مقالات

دلالات زيارة أردوغان لقطر.. أهداف معلنة وغير معلنة  تشكل حجر الزاوية للتحالفات المستقبلية

بقلم طه عودة أوغلو

على الرغم من أن تبادل الزيارات واللقاءات حتى عقد الاتفاقيات بين تركيا وقطر بات أمرا في غاية الطبيعية والروتينية بحكم العلاقات القوية التي اشتدت أوصراها في السنوات الأخيرة بين البلدين إلا أن الزيارة الني قتم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع هذا الأسبوع كانت محلا لأحاديث متشبعة كثيرة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من حيث أهدافها ودلالاتها وما بين حديث  عن رمزية الأهداف والرسائل المراد إرسالها إلى جهات بعينها.
بالمنطقة التي بدأت بفعل الأمر الواقع لمتطلبات الأوضاع الجيوسياسية المتغيرة في العالم تدخل منذ مطلع العام الحالي في مصالحات ومساعي حثيثة لإعادة ترتيب العلاقات من جهة وإغلاق ملفات عالقة بين أطراف مختلفة من جهة  أخرى وضعت زيارة أردوغان لقطر تحت المجهر بما حملته من أسرار وعلامات استفهام حول توقيتها في ظل صراعات متشابكة تعصف بالمنطقة.
ولعل أولى وأهم علامات الاستفهام التي ارتسمت حول هذه الزيارة وجذبت أنظار الإعلام والمحليين السياسيين هي تلك التي تحدثت عن ما ورائيات استعجال أردوغان لزيارة الدوحة بعد أقل من أسبوعين من زيارة قام بها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا وانعكاساتها على العلاقات التركية- الخليجية  ومن ورائها المصالحات بداخل البيت الخليجي نفسه.
فكما هو معروف أن العلاقات القطرية بعد الأزمة الخليجية بدأت تعود بخطوات خجولة إلى سابق عهدها والجهود ما زالت مستمرة لترميم البيت الخليجي وإعادة الثقة المتبادلة ويمكن وضع زيارة ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان إلى الدوحة مساء الأربعاء والتي تعد الأولى له منذ المصالحة الخليجية التي تمت خلال القمة الخليجية ال 41 بمدينة “العلا” السعودية في يناير الماضي أنها تندرج في سياق استكمال الدور بإنجاز المصالحة الخليجية الشاملة وتعزيز وتيرة العمل الخليجي المشترك.
ومن هنا بحسب المراقبين جاء الحراك الدبلوماسي التركي العاجل من خلال زيارة أردوغان إلى قطر على رأس وفد عسكري وأمني واستخباراتي ضخم بهدف قطع الطريق أمام أي محاولات محتملة يمكن أن تهدد التقارب أو تضرب العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وقطر فتركيا مدركة بواقعية أن المصالحة الخليجية لم تكتمل أركانها بعد وما زالت بحاجة لمزيد من التنسيق والخطوات المتبادلة لإعادة الثقة والاتفاق على رؤية مشتركة حول العديد من الملفات في المنطقة خاصة بين قطر والسعودية و الإمارات وعليه يبدو واضحا أن الرئيس أردوغان حاول من خلال زيارته لقطر ضمان ألا يأتي التقارب المحتمل في الخليج على حساب العلاقات التركية القطرية لذا فالتركيز جاء بشكل كبير على زيارة القاعدة العسكرية في قطر تحت تعمد تذكير القطريين بمواقف تركيا القوية والثابتة وتضحياتها في سبيل الوقوف إلى جانبهم في أكبر أزمة دبلوماسية وأمنية  واجهتهم في تاريخهم وكعرفان للجميل القطري أيضا بوقوفهم إلى جانب تركيا إبان المحاولة الانقلابية والأزمة الاقتصادية الأخيرة.

وبالتالي يمكن وصف زيارة أردوغان لقطر بأنها كانت ذات أهمية بالغة وما زاد تلك الأهمية مجيئها بين زيارتين مثيرتين للغاية أولاهما الزيارة الأخيرة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد للعاصمة التركية أنقرة وثانيتهما زيارة أردوغان المرتقبة في فبراير المقبل للعاصمة الإماراتية أبو ظبي فضلا عن أنها جاءت قبل يوم من زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للدوحة بمعنى أن تركيا أرادت توجيه رسالة باتجاه السعودية أيضا أنها ما زالت منفتحة  تماما على تطبيع العلاقات مع الرياض بل وتفتح الباب على مصراعيه لأي لقاء ثنائي محتمل بين الجانبين لا سيما أن قطر تلعب دورا مهما في هذا الإطار لترتيب لقاءات ثنائية من خلف الأبواب لحل الخلافات لكن يغلب القول  في الوقت الحالي إن قطار المصالحة التركي مع السعودية  سوف يمر من باب الإمارات  لدى زيارة أردوغان لها وقد تكون الزيارة المرتقبة لأردوغان إلى الإمارات وما سيخرج عنها من اتفاقيات هي فاتحة لعلاقات وبداية التطبيع الحقيقي بين تركيا والسعودية.
في المقلب الآخر تقول المعلومات والتسريبات أن أهداف زيارة أردوغان لقطر ركزت على الآتي:
بالنسبة للاعتبارات السياسية والاستراتيجية فقد تناولت المحادثات التركية ـ القطرية القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، إضافة إلى استعراض التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط.
اللافت في زيارة الرئيس أردوغان من البداية حتى النهاية مشاركة رئيس الاستخبارات التركية هكان فيدان في المباحثات المغلقة هذا ما يشير إلى أن جانبا من الزيارة كان ذات طابع ( أمني) من الدرجة الأولي كما أن فيدان الشخصية المقربة من أردوغان ومن المتوقع أن تقوم تركيا بدوري حيوي في حماية أمن مباريات وكافة أنشطة مونديال قطر 2022.  بمقتضى اتفاق بين البلدين.
طبعا الجانب الاقتصادي الذي لا يقل أهمية عن العلاقات السياسية المتميزة كان حاضرا في الزيارة فقد وقعت تركيا وقطر على 15 اتفاقية تعاون في عدد من المجالات والقطاعات وجرى توقيع الاتفاقيات في الدوحة بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
خلاصة الحديث…
زيارة أردوغان لقطر هذه المرة -التي جاءت في سياق إقليمي معقد- بأهدافها ورسائلها والمصالح المرجوة منها مختلفة تماما جدا عن سابقاتها إذا على الرغم من أنها كانت تحمل الطابع الاقتصادي لكن الصبغة السياسية طغت عليها أكثر من حيث التجلي على وجود هدف واحد  بحماية العلاقات التركية القطرية من أي اهتزازات خارجية محتملة  وبنفس الوقت وعود مشتركة بالتعاون في لعب أدوار مهمة في منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة وبالتالي هي ستشكل على كل الأحوال مقياسا للتطورات المتسارعة على الساحة الخليجية (سياسيا وأمنيا) وانعكاساتها على علاقات تركيا مع تلك الدول في المنظور القريب.

طه عودة أوغلو

باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية حاصل على درجة البكالوريوس بامتياز من جامعة يلدز في إسطنبول كلية الهندسة الكيمائية. -أكملت دراساتي في مجال الإعلام من خلال الدورات المكثفة في وكالة الإسوشيتدبرس الأمريكية في لندن خلال أعوام 1999 و2002 و2006. أعمل في المجال الصحفي منذ عام 1998 وشاركت في إصدار وتحرير نشرة إخبارية باللغة العربية في وكالة إخلاص للأنباء التركية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى