مقالات خاصة

المشهد الأخير : صراع العرف بين الوطنية والميثاقية

كتب المحامي ناصر إبراهيم الصالح لقلم سياسي :


شهدت نقابة المحامين في طرابلس مؤخراً معركة انتخابية حمى فيها الوطيس بين التحالفات السياسية الهشة والأحزاب السياسية والمستقلين ومن يعرف بالمستقلين، بعد تعطيل الانتخاب فيها لدورة كاملة نتيجة لقانون تعليق المهل المتعلق بمكافحة جائحة كورونا في العام الماضي، فأنتجت مجلساً نقابياً يعبر عن آراء المحامين وتوجهاتهم.
ولعل هذه الانتخابات تشكل نموذجاً مصغراً للخريطة السياسية للبنان بعد ما شهده من أحداث سياسية داخلية وتأثيرات خارجية منذ أواخر ٢٠١٩، والتي قد تنبؤ بما سيكون عليه الحال في الانتخابات النيابية إن حصلت فعلاً.
قد يظهر هذا الخبر للوهلة الأولى وكأنه خبر عادي وتقليدي، إلا أن ما يكسر نمطيته، ناهيك عن وصول أول سيدة لمركز النقيب في نقابة المحامين في طرابلس، هو أن الانتخابات أثمرت عن انتخاب ثلاثة أعضاء مسيحيين وعضو مسلم واحد “حتى الآن”، هم نقيبة المحامين الأستاذة ماري تريز القوال بـ ٦٧٥ صوتاً، يليها الأستاذ مروان ضاهر بـ ٤٦٩ صوتاً، يليه الأستاذ محمود هرموش بـ ٣٥٨ صوتاً، ويليه الأستاذ بطرس فضول بـ ٣٧٢ صوتاً، ومن ثم الأستاذ منير الحسيني بـ ٣٥٥ صوتاً، حيث يفترض العرف أن يستقيل الأستاذ فضول ويخذل كل من وثق به ومنحه صوته كي يصبح الأستاذ منير الحسيني العضو الرابع والمسلم الثاني، فيستقيم التقسيم الطائفي وتطبق نظرية الميثاقية تأكيداً على العرف السائد في لبنان، وفي النقابة منذ نشأتها وخاصة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، والذي لم يخرق إلا اختراقاً يتيماً في عهد النقيب جان حرب.
وهنا يعود هذا الاستحقاق كإسقاط عملي على المشهد اللبناني الذي ظل أسيراً للأعراف منذ عهد المتصرفية، ومن ثم أبان الانتداب الفرنسي، مروراً باستقلاله عام ١٩٤٣ وباتفاق الطائف عام ١٩٩١ وصولاً إلى يومنا هذا. حيث حدد العرف بداية طوائف الرؤساء ولم يكسره إلا ترشح الشيخ محمد الجسر عام ١٩٣٢ للانتخابات الرئاسية – الذي أعقبه تعليق المفوض السامي أوغست هنري بونصو العمل بالدستور وحل مجلس النواب لأعوام – واستمر بالمناصفة التي نادى بها دولة الرئيس رياض الصلح والتي أصبحت نصاً دستورياً مؤقتاً في الطائف – ولا يزال لعامه الثلاثين مؤقتاً – إلى أن أصبح هو المنهاج الذي يسير عليه البلد منذ أحداث بيروت في ٢٠٠٨ – ما يعرف بأحداث ٧ أيار – من انتخاب للرئيس وإدارة للفراغ الرئاسي والحكومي وحتى النيابي، ناهيك عن المنادات بصلاحيات رئيس الجمهورية والتي تحولت – بمسعى البعض – إلى أعراف دستورية بعد كل بدعة من بدع “العهد القوي” منذ استقالة دولة الرئيس سعد الحريري في السعودية عام ٢٠١٧ وحتى اقتراب انتهاء الولاية الرئاسية.
من جهة أخرى تشكل الانتخابات الأخيرة في أم النقابات فرصة ذهبية في هذه الظروف المواتية لكسر العرف وإهمال أكذوبة الميثاقية التي قادت البلاد عاماً بعد عام منذ عام ١٩٥٨ وحتى يومنا إلى الهاوية أو ما وصفه رئيس البلاد بـ “جهنم”، ولا يوجد من هو أحق باقتناص هذه الفرصة من نقابة المحامين مهد الحريات ومخرّجة المشرعين وخزان النواب والوزراء، وبأخذ المبادرة في إعادة تشكيل ما سيصير عليه لبنان بعد تشكيله مجدداً، والذي لفظ كل محاولات “الرتي” والترقيع العقيمة. ولعل هذه المبادرة الوطنية اللا ميثاقية ستشكل انطلاقة جديدة بغض النظر عن طوائف أعضاء المجلس والمرشحين أو انتماءاتهم السياسة، وبغض النظر عن أشخاصهم والذين نجلهم ونكن لهم كامل الإحترام والتقدير، وبغض النظر عما إذا كان لدى المنادين بخرق العرف مصالح آنية، إذ أن هذه المبادرة تتخطى حدود المجلس والنقابة بذاتها بل وحتى شمال لبنان، وتمتد لتشمل كامل مساحة الوطن.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى