عربي ودولي

جملة اتفاقيات لأردوغان بعد جولته في أفريقيا

جملةُ اتفاقياتٍ عاد بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد جولةٍ استمرّت 4 أيامٍ لثلاث دول إفريقية هي توغو وأنغولا وختمها بنيجيريا، وذلك بين 17 و20 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

الزيارة كسابقاتها تؤكد اهتمام تركيا بالدول الإفريقية وتطوير العلاقات معها، حيث يعدّ أردوغان الرئيس الأكثر تردّداً على القارة الإفريقية، إذ لا يمرّ عامٌ إلا ويتوجّه فيه لزيارة إحدى دولها على الأقل.

خلال الجولة الأخيرة أجرى أردوغان والوفد المرافق له العديد من اللقاءات في إطار بحث سبل تطوير العلاقات بين تركيا وكلٍّ من الدول المذكورة في مجالاتٍ عدة.

المقاربة التركية في التقرّب من إفريقيا تنطلق من واقع أن تركيا تأتي إلى هذه القارة المظلومة من مبدأ المنافع المتبادلة، في مقابل ما عانته وما زالت تعانيه دولها من الإستنزاف التامّ لمواردها لصالح دول الغرب ذات الخلفية الإستعمارية.

بكلماتٍ أخرى، تقدّم أنقرة نفسها كشريكٍ وداعمٍ للدول الإفريقية، عبر الترويج لخطابٍ عالميّ ثالثٍ بعيد عن روحية الاستعمار الأوروبي من جهة، والإمبريالية الأمريكية من جهةٍ ثانية.

وفي هذا الإطار، كان أردوغان قد عبّر عن الرؤيا التركية بالقول “لسنا ممّن يتّبعون سياساتٍ إستعمارية قديمة بوسائل وطرق حديثة، نحن نسعى لتحقيق النجاح والمسير جنباً إلى جنب مع إخوتنا الأفارقة”.

وبلغة الأعمال يمكن القول إن تركيا تعرض على الدول الإفريقية صيغةً جديدة لم تعتدها وهي (رابح – رابح)، بدل سياسة (رابح – خاسر) التي تستمرّ فرنسا وبريطانيا في اتّباعها دون إلقاء أي بالٍ لحاجات وحقوق الإفريقيين.

تميّزت زيارة أردوغان من حيث اختيار البلدان الثلاثة بأن هذه البلدان تتباين بشكلٍ حادّ يجعل منها اختصاراً للهوية الإفريقية ككل.

ذلك أن اللغة الرسمية في توغو هي الفرنسية نتيجة سنوات طويلة من الاستعمار الفرنسي المباشر، الذي تحوّل إلى استعمارٍ اقتصاديّ مبطّن.

في حين تعتمد أنغولا اللغة البرتغالية لغةً رسميةً لها، نظراً لخضوعها السابق للاستعمار البرتغاليّ.

مع الإشارة إلى أن أهمية زيارة هاتين الدولتين تأتي من كونها الزيارة الأولى رسمياً لهما على مستوى رئاسة الجمهورية التركية.

أما نيجيريا فتعتمد اللغة الإنكليزية لغةً رسميةً لها، امتداداً للاستعمار البريطاني.

وبهذه الزيارة يكون أردوغان قد مدّ يده إلى ثلاثة أوجه لإفريقيا تعبّر عن القارّة ككل بشكلٍ أو بآخر، هذا في الشكل.

أما في المضمون، فيمكن القول إن تحركات الرئيس التركي كانت مكثّفة وانبثقت عن العديد من الاتفاقيات في مجالاتٍ عدّة، عسكرية، دفاعية، صناعية، تجارية، زراعية، ثقافية، وفي مجال الطاقة.

ولعلّ مكافحة الإرهاب كانت أبرز ما تناولته المباحثات والاتفاقيات التي انبثقت عن هذه الزيارة، حيث أكد أردوغان في خطاباته من هذه البلدان استعداد بلاده لتقديم كل الدعم المطلوب لمكافحة تسلل الإرهابيين إلى إفريقيا، ما يعني أنه يحمل بلاده على لعب دورٍ بارزٍ في هذه البلدان، من شأنه أن يجعلها تحلّ محل الدول الأوروبية ذات الصلة.

في مقدمة هذه الدول تقف فرنسا، التي تقود نادي الدول التي تحاول الحدَّ من توسّع النفوذ التركي بكلّ أوجهه، ذلك أنها تدرك أن تركيا باتت دولةً قويةً ونِدًّا لا يستهين به إلا قصيرُ نظرٍ في السياسات الدولية وتحوّلاتها.

قضية التعاون التركيّ-الإفريقي لا بدّ أنها ستؤرّق الغرب، المعتاد على السيطرة على مقدّرات القارّة الإفريقية على حساب “إذلال” وإفقار شعوبها، رغم الثروات الطبيعية التي تمتلكها.

فقد اعتاد اللاعبون الدوليّون على إفريقيا “مطيعة”، وعلى مسرحٍ دوليّ مقسّم حسب امتداد تقسيمات الاستعمار، بحيث لم يتغيّر شيءٌ مِن ذلكَ طوال عقود.

أما الآن، وقد دخل اللاعب التركيّ إلى الساحة الإفريقية من أوسع أبوابها، فالأنظار مشدودةٌ إلى ما يمكن أن يحققه من “توسّع” للنفوذ التركيّ غير الاستعماريّ، على حساب تقليص أدوار ذيول الدول الاستعمارية.

بختام هذه الجولة، يكون عدد الزيارات التي قام بها أردوغان إلى دول إفريقيةٍ قد بلغ 38 زيارة إلى 28 دولة، منذ وصوله إلى السلطة بمنصب رئيسٍ للوزراء.

هذا الأمر يعكس بالضرورة الاهتمام الفائق الذي يخصص به هذه القارة، وعلى حنكته ونظرته الواسعة والاستشرافية لمكاسب الانفتاح التركي على هذه المنطقة الجغرافية.

وإلى جانب الزيارات الديبلوماسية السنوية إلى القارة السمراء، يتزايد الوجود التركي فيها عبر الأعمال الخيرية التي تقوم بها مؤسسات تركية مثل آفاد.

تتجلّى بعض هذه المشاريع ببناء وترميم المدارس والمساجد وحفر آبار المياه، وغير ذلك من المشاريع التي تصبّ في صالح تحسين حياة المواطن الإفريقي المحروم من أبسط حقوقه.

لكنّ كلّ هذا كان غائباً عن الإعلام الدوليّ الذي كان منهمكاً بالأطماع الروسية والصينية المستجدة في إفريقيا، بحيث يكاد يغفل إلى أيّ درجة باتت تركيا فاعلاً مؤثراً في السياسات الإفريقية ينبغي أخذه بعين الاعتبار، تزامناُ مع ما يشهده العالم من إعادة تشكيل للتوازنات الدولية.

ويحتلّ تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين مكانةً بارزة في مقدّمة الاهتمامات الدبلوماسية التركية، ويشكّل أحد أبرز ثمرات الجهود المبذولة في العقدين الأخيرين.

فمنذ عام 2003، أي منذ استلام أردوغان منصب رئيس الوزراء، تضاعف حجم التبادل التجاري بين دول القارة وتركيا خمسة أضعاف، من خمسة مليارات إلى 25 مليار دولار، بحسب ما أكد أردوغان نفسه في مؤتمرٍ صحفي في إسطنبول قبيل الجولة.

يتضمّن ذلك التبادلَ في المجال الزراعي والصناعي والتجاري والثقافي وفي الطاقة، وتدعمه شبكة متطورة من “الخطوط الجوية التركية” الحكومية التي تربط إسطنبول بعددٍ كبير من العواصم الإفريقية.

وفي المجال الأمنيّ، تدخل تركيا برصيد كبير من الصناعات الدفاعية، عارضةً خدماتها وتعاونها مع الدول الإفريقية في إطار محاربة الإرهاب، خاصةً أن أنقرة طوّرت العديد من الأسلحة التي من شأنها أن تغيّر قواعد اللعبة.

أما أبرز مقوّمات هذا الدعم العسكري فهو المسيّرات تركية الصنع مثل أكنجي التي أثبتت قدراتها في ساحات المعارك، إضافةً إلى ما تنتجه تركيا من المعدّات العسكرية، من فرقاطات ومدرّعات وصواريخ.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن أكبر قاعدة عسكرية لتركيا خارج أراضيها تقع في الصومال، كما أن أنقرة وقّعت عام 2020 اتفاقيةً أمنية سرّية مع النيجر، تشمل إرسال جنود أتراك إلى نيامي لتدريب ودعم قوّاتها في حربها ضد تنظيم بوكو حرام الإرهابيّ.

ومن أهم ثمار سياسات أنقرة الدبلوماسية في إفريقيا، إغلاق مدارس الإرهابي فتح الله غولن، المسؤول عن محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان في 15 تموز/يوليو 2016.

وارتباطاً بهذا الملف، تتحضّر أنقرة لملء الفراغ الذي نتج عن إقفال هذه المدارس عبر مؤسسة دينية حكومية تسمّى معارف، والتي تتوزّع فروعها على 31 دولة إفريقية.

ومن أبرز ما صرّح به أردوغان خلال جولته حديثه عن وجود “أطراف تشعر بالامتعاض إزاء مكتسبات الشعوب الإفريقية في الاستقلال والحرية والمساواة”، وأن “تجاهل الدعوات للتغيير يعدّ ظلمًا لإفريقيا”.

وأكد أن بلاده “لا تحمل أيّ وصمةٍ” من الإمبريالية أو الاستعمار، بل تسعى لتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية “على أساس شراكةٍ متكافئة ورابحة للطرفين في إطار الاحترام المتبادل”.

وخلال زيارته توغو، التقى الرئيس التركي رئيس بوركينا فاسو، روش مارك كريستيان كابوري، ورئيس ليبيريا جورج ويا، على مأدبة عملٍ برعاية رئيس جمهورية توغو، ثم أجرى لقاءات ثنائية مع كل منهما.

وتألّف الوفد المرافق لأردوغان في زيارته من شخصياتٍ تركية رفيعة تدلّ على أهمية الزيارة والتعويل التركيّ عليها، فقد ضمّ وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو، ووزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، ووزير الدفاع خلوصي أكار، ووزير التجارة محمد موش، إضافة إلى المتحدث باسم “حزب العدالة والتنمية” عمر جيليك، ونائب رئيس الحزب إفكان آلا، ورئيس دائرة الاتصال بالرئاسة فخر الدين آلتون، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن.

وتستضيف مدينة إسطنبول في 21 و22 تشرين الأول/أكتوبر الجاري منتدى الأعمال التركي الإفريقي الثالث، فيما من المقرر أن تستضيف في 17 و18 كانون الأول/ديسمبر المقبل القمّة المشتركة التركية الإفريقية.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى