مقالات

قلق، أزمات معيشية، وباء… زمَّر الأوتوكار

كتبت ريما بجاني في “المسيرة”

قلق أزمات معيشية وباء… زمَّر الأوتوكار
التكيّف والإيجابية قبل الشنطة
السادسة صباحًا حركة مكوكية داخل المنزل، الأهل الأولاد… كل في مهامه. الزوادة… مطرة الماء… الشنطة… الكتب… نسيتم شيئاً؟ إنه اليوم الأول من العودة… زمَّر الأوتوكار!! يا الله شو اشتقنا الى تلك العجقة الصباحية، الى تلك الصور التي تحفر في الذاكرة عن يوم العودة… صحيح أن كابوس المنبّه الصباحي لا يرحم، لكن من قال إننا لم نعد نشتاق إليه؟ لكن حتى هذا الشوق صار من الماضي، وتحديدًا منذ العام الماضي مع اجتياح وباء كورونا العالم ولبنان كانت له حصة الأسد، فكانت العودة عبر «الأونلاين». هذه السنة لا يزال الوباء ضيفاً لكن ليس ثقيلاً كما في العام الماضي ونهاية الفصل الأخير من قبله… ضيفنا جبل من الأزمات التي تهدد عودة التلاميذ والطلاب الى مدارسهم وجامعاتهم. البعض فتح أبوابه لكن زمّور الأوتوكار لم يصدح مع صياح الديك بسبب أزمة المحروقات وارتفاع سعرها، وكذلك سعر الكتب والقرطاسية والأقساط ومطالب المعلمين و… زمّر الأوتوكار؟ ليس بعد!! الى الأونلاين… كهرباء أم موتور؟؟! انقطع الإرسال!
تكاد العودة الحضورية إلى المدرسة بكل إشكالياتها وضرورياتها، أن تتحوّل الى موضوع جدل وصراع بين أحلام زهرية وواقع صعب ومتغيّر بطريقة جذرية ومؤذية إن كان على نطاق العقل أو النفس.

فبعد غياب عامين عن مقاعد الدراسة، يعود الأولاد اليوم مع واقع جديد وصعب يضع الأولاد والأهل أمام ضغط نفسي كبير. فالأزمة الاقتصادية والتضخم الهائل الذي حصل بسبب تراكم الأزمات على كل المستويات، وخصوصًا على القدرة الإستيعابية للتغيير على مستوى الأرقام، مما تسبب بصدمة، وأيضا على قدرة تأمين المبالغ المطلوبة، مما زاد منسوب القلق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الأولاد. هذا من دون أن ننسى الأزمات الأخرى التي يمر بها اللبناني التي تنعكس على حياته اليومية، وبطبيعة الحال على العودة إلى المدرسة، مثل أزمة البنزين والمازوت، وأزمة المستشفيات والأدوية، إلخ.

كل شيء تغيّر… فالإنقطاع أولا عن الدرس والتعلم عن بعد والحضور الجزئي، والتغييرات الحاصلة في هذه الفترة، ساهم في خلق حال من القلق لدى الأولاد والأهل وتغيير نمط حياتهم بشكل مختلف تمامًا عن نمط الحياة المتعارف عليه، خصوصًا مع ظروفه الإستثنائية على كل المستويات. والمطلوب؟ التأقلم مع المرحلة الجديدة والعودة بظروف أيضًا إستثنائية.
من هذا المنطلق، علينا التوقف سريعًا لشرح ما تسببه العودة إلى المدرسة، في الظروف الطبيعية، من قلق عند الأولاد، وحتى عند الأهل، إذ يعيشون مجددًا قلقهم عندما كانوا تلاميذ على مقاعد الدراسة. من هنا يُفترض أن يعملوا على إخراج هذا الشعور لمساعدة أولادهم لتخطي مرحلة القلق.
هذا في الظروف العادية، فكيف الحال في الإستثنائية، لا بل أكثر من إستثنائية؟ كمية القلق كبيرة، والأسوأ أنها تؤثر على الأولاد بطريقة مباشرة، إذ عليهم أن يتعاملوا مع الخوف الطبيعي كما اوردنا سابقاً، والتكيّف الجديد بعد الإنقطاع عامين، والتفاعل مع المتغيّرات من ناحيتهم، أي التلاميذ، وتأثيرها على نمط حياتهم إن كان من خلال المصروف، الحاجيات، إلخ. أضف الى ذلك التعامل مع قلق الأهل المتزايد من خلال الخوف الدائم من متغيّرات سلبية يومية وعدم توفُّر التوازن والإستقرار.

هنا، لا بد من الإضاءة على موضوع مهم وهو Maslow’s hierarchy of Needs  التي تشير بطريقة هرمية إلى تسلسل الحاجات الإنسانية من القاعدة إلى أعلى الهرم، فتكون في أول القاعدة Physiological Needs ، اي تكوين القدرة وتأمين الحاجات الأساسية كالمأكل والمشرب، المنزل، النوم، اللباس، الطبابة، إلخ. ثانيًا،Safety Needs ، أي الشعور بالأمان وانعدام القلق والأزمات. وأخيرًا، Belonging and Love Needs، الحب والإهتمام من الآخرين. سنكتفي في سرد أول ثلاثة حجارة أساسية في تركيبة الهرم التي تساعدنا على العيش بطريقة هانئة وآمنة، علمًا أن الأسس البدهية غير موجودة، فالأهل مضطربون ومنهكون، خائفون من عدم القدرة على تأمين الحاجات الأساسية لهم ولأولادهم، ويعيشون قلقاً دائمًا من التغيّرات نحو الأسوأ.

من منطلق الحفاظ على قدرة ذهنية مؤهلة لإيجاد الحلول، علينا أولاً أن نستفيد من قلقنا وتحويله إلى طاقة إيجابية وليس العكس. بما معناه، من الطبيعي أن نقلق، فهذا يحثنا على العمل لإيجاد الحلول وليس أن نرزح تحت عبئه. بمعنى آخر، وانطلاقاً من Maslow، على الأهل أن يعملوا أولاً على تحديد الأولويات التي عليهم تأمينها، بالموارد المتوافرة، بعد أن يكونوا قد عملوا على أنفسهم لاستيعاب التغيّرات الرهيبة والعشوائية ووضعها في إطارها المنطقي المقبول، وبذلك يحددون نسبة القلق ونوعيته، فينطلقون نحو إيجاد الحلول ومساعدة أولادهم على رؤية مثال للعيش بطريقة أفضل والتعاطي بإيجابية مع الأزمة، وبذلك يكوّنون أساسًا لإعادة هذه التجربة في المستقبل في حال مواجهتهم لأية مشكلة، أن يكونوا بمنأى عن تحمّل تبعات قلق الأهل، بطريقة غير مباشرة، مما يرفع نسبة القلق لديهم بطريقة مباشرة.
إذا عدنا إلى موضوعنا الأساسي، وهو العودة إلى المدرسة والأزمة الاقتصادية، ومن خلال ما أوردنا سابقاً، نقول، على الأهل أن يجدوا الأنسب لهم ولأولادهم من دون أن يشعروا بالذنب أو التقصير. فالولد سريع التأقلم إذا علمناه أن يتخطى المشاكل، وإذا لم يكن التغيير بالأساس سبب عبء على الأهل، وإذا أدركنا كيفية مناقشة ووضع خطة عمل مع أولادنا، بحسب أعمارهم وقدرتهم الإستيعابية.
فالأهم أن نؤمّن فرص التعلم، بأكثر الأماكن أماناً وإنتاجاً. وفي نفس الوقت من دون إستنفاد كل الطاقات. في المقابل، أن نعلم أنها فترة إنتقالية ولا شيء يدوم إلى ما لا نهاية.
راحة الأولاد أولوية عند الأهل، وهذا موضوع طبيعي وأساسي، ولكن على الأهل أن يهتموا بأنفسهم ليكونوا على قدر المستوى ويكون حضورهم ذات نفع.

أما بالنسبة للخطة، ومن خلال تواصل إيجابي مع الأولاد، كل حسب عمره، نقوم بتفسير الوضع ضمن حدود معينة وأحقية التغيير الحاصل، خصوصًا من ناحية الحاجيات والمشتريات غير الأساسية والمصروف في المدرسة.
من جهة ثانية، تستطيع المدارس أيضًا إيجاد نمط جديد للتعامل مع الوضع الجديد، إن من خلال السماح بحمل مصروف الجيب اليومي أو عدمه، وجود الكافيتريا، مما يساعد الأهل في هذه المرحلة الإنتقالية. ويستطيع الأهل من جهتهم إيجاد حل وسط من خلال تنظيم المصروف والمبلغ المتفق عليه مع الأخذ في الإعتبار القدرة الشرائية.

صحيح أن العودة إلى المدرسة ستسبب إلى حد ما إشكالية معينة، ولكن الثابت أن هذه العودة ضرورية إن كان من ناحية الصحة النفسية للأولاد، الحياة الإجتماعية، النظام، إلخ.

فلنكن، كل حسب ظروفه، مثالاً لجيل جديد لتعلم المرونة والفكر الإيجابي، وليس التقوقع والغرق في المشاكل.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى