مقالات خاصة

من التعثّر عن دفع الديون إلى اليوم : مصرف لبنان يتحمل مسؤولية ما نحن عليه

كتب د. محمد فحيلي لموقع ” قلم سياسي ”

إنطلق الحديث الجديّ عن حتمية عجز الدولة عن تسديد إلتزاماتها الخارجية (يورو بوند) في أواخر العام ٢٠١٧؛ وكذلك عن ضرورة اللجوء إلى طباعة العملة لجهة تمويل العجز في الموازنة وإدارة الدين المكون بالليرة اللبنانية.

جاء التعثر غير المنظم واللامسؤول في آذار ٢٠٢٠ ليفاجأ الجميع بشكله ومضمونه. بيان وزارة المالية آنذاك أكد توقف الحكومة اللبنانية عن دفع خدمة الدين المكون بالعملة الأجنبية بكل إصداراته وإستحقاقاته، ومتابعة خدمة الدين المحلي المكون بالليرة اللبنانية. الحكومة، الطفل اللقيط لهذه السلطة السياسية الفاسدة والفاشلة، تنصلت من مسؤوليتها بإدارة شؤون البلاد ورمت بالمؤسسات المصرفية والودائع المكونة بالعملة الأجنبية بين أيادٍ شريرة.

وبهذا تحولت ودائع الناس من نعمة إلى نقمة على صاحبها (أي المودع) وعلى راعيها (أي المصرف)! لعبت السلطة النقدية من شهر تشرين الأول ٢٠١٩، دوراً سلبياً يناقض مقدمة كل التعاميم الذي أنعم علينا بها مصرف لبنان (تحديداً الحاكم رياض سلامة لأنّه اللاعب الأوحد في المجلس المركزي في حينه) وهي “الحفاظ على المصلحة العامة في الظروف الإستثنائية الراهنة”، فتجسّدت سياسة سلامة النقدية في تعاميم مصرف لبنان على الشكل التالي:

١. أحدثت شرخاً عامودياً في معالجة الودائع بالعملة الأجنبية، وشرعت الإستخفاف والإستهتار بأموال المودعين الموجودة في الحسابات المكونة قبل التاسع من نيسان ٢٠٢٠. جاء التعميم الأساسي رقم ١٥٠ متحصناً بالمواد ٧٠، ٧٦، و ١٧٤ من قانون النقد والتسليف، وبنى على الصلاحيات التي تعود للحاكم بغية تأمين عمل مصرف لبنان طالباً من المصارف المحلية فتح حساب خاص متفرع تحت باب محاسبي جديد لمعالجة الأموال المحمولة من الخارج و/أو الأموال التي تتلقاها نقداً بالعملات الأجنبية بعد تاريخ ٢٠٢٠/٤/٩.

وفي المقابل بادر إلى أعفاء المصارف من التوظيف الإلزامي لدى مصرف لبنان مقابل هذه الأموال، شرط أن يكون لصاحب الحساب حرية التصرف التام برصيده. باتت هذه الحسابات تعرف بحسابات “الفريش” (Fresh Money)، ثم لاقت المصارف مصرف لبنان في منتصف الطريق، وتوقفت نهائياً عن تلبية طلبات المودعين للسحب أو التحويل إلى الخارج من كل الحسابات المقيمة القديمة (أي المكونة ما قبل تاريخ التعميم ١٥٠).

٢. تعقدت الأمور وإرتفع منسوب المواجهات بين المصارف وأصحاب الودائع المكونة بالعملة الأجنبية، وفي بعض الأحيان كانت تتحول دموية. وهنا أنعم علينا الحاكم بالتعميم الأساسي رقم ١٥١ بتاريخ ٢٠٢٠/٤/٢١، أي بعد ١٢ يوم من الآلام جاء هذا التعميم برداً وسلاماً على أصحاب هذه الودائع! ولكن ما غاب عن عيون المحللين والخبراء الماليين آنذاك هو أن هذا التعميم القبيح أكد قبح السياسات النقدية بتكريس واقع “الدولار الظريف” (الفريش) وفق التعميم ١٥٠، و “الدولار السخيف” (اللولار) وفق التعميم ١٥١.

وكانت جائحة كورونا بعون السلطة السياسية الفاسدة والسلطة النقدية القبيحة، قد أقفلت البلد وإستوطن الخوف في قلوب الناس! وبين الموجة والأخرى من هذا تفجّر فشل السلطة السياسية الحاكمة في إنفجار المرفأ في الرابع من آب ٢٠٢٠. الإهتمام بأداء السلطة وأداء الحاكم أخذ يتراجع لصالح الصحة والعافية الشخصية. المساعدات السخية التي تدفقت على لبنان بعد هذا الإنفجار خففت من حدة الأزمة الإقتصادية، لكنّها لم تبددها أو تخفي آثارها.

٣. أطل مصرف لبنان علينا في ٢٠٢٠/٨/٢٦ من نافذة التعميم الوسيط ٥٦٨ ليطلب من المصارف قبول تسديد العملاء الأقساط أو الدفعات المستحقة بالعملات الأجنبية الناتجة عن قروض التجزئة كافة، وذلك بالليرة اللبنانية على أساس سعر المحدد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف (أي متوسط ١٥٠٧ ليرة للدولار الواحد). بقدر ما كان هذا الإجراء مساعداً للمواطن المستهلك كان مجحفاً بحق المواطن صاحب المؤسسة التجارية. وفي قراءة بين السطور، يتوجب الإشارة إلى أنّه هذا التعميم جاء لينافس الإغراءات التي منحها “قانون تعليق المهل” للمقترضين.

وربطاً أيضاً، شكل التعميم الأساسي ١٥١ الممر الشرعي الأساسي لتخفيض حجم الودائع المكونة بالعملة الأجنبية، إضافة إلى إسراع الكثير من أصحاب القروض التجارية، إلى إستعمال ما توفر لديهم او ما يستطيعون تأمينه، من سيولة في حسابات مصرفية بالعملة الأجنبية لإطفاء ديونهم بالكامل، وأيضاً “تجارة الشيكات المحسومة” والتي مثلت الممر الغير شرعي للإستئصال من هذه الودائع.

٤. أحكم لبنان السيطرة على وباء كورونا، ولكن وباء تلوث السياسي بقي يخيم فوق رؤوسنا، وخوفاً من إيقاظ غضب الشارع بسبب الضيقة الإقتصادية، أبهر مصرف لبنان الشعب اللبناني بالهندسة التعميمية، عوضاً عن الهندسة المالية، ونطق بأحكام التعميم الأساسي رقم ١٥٨ بتاريخ ٢٠٢١/٦/٨ والذي أعلن فيه بفائض من الوقاحة تاريخ ٢٠١٩/١٠/٣١ تكريس التمييز والعنصرية المالية والنقدية، وسياسة الإستبعاد المالي لدى المصارف العاملة في لبنان.

من خلال ما ذُكر أعلاه فإنّ مصرف لبنان يكون قد قاد بنجاح، مسيرة تمويل الفاسد، وكذلك إنقاذ الفاشل من بين أفراد السلطة السياسية الحاكمة!

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى