مقالات

لبنان : عُقدةٌ على الطّاولة السّعوديّة – الإيرانيّة

إبراهيم ريحان

على الرّغم من الحذَر في التّصريحات السّعوديّة والإيرانيّة المُغلّفة بالإيجابيّة عن سيْرِ المُحادثات بين المملكة العربيّة السّعوديّة والجمهوريّة الإسلاميّة، إلّا أنّ مصادر “أساس” أفادت أنّ المُحادثات بين المملكة وإيران قطعت شوطاً مُهمّاً في ما يتعلّق بالملفّ اليمنيّ ومساعي الحلّ السّياسيّ، وكذلك بالنّسبة إلى أمن الخليج العربيّ وأمن الملاحة البحريّة.

مَن تابعَ مُجريات الأحداث السّياسيّة والأمنيّة والعسكريّة في الشّرق الأوسط منذ سنة 2011 إلى اليوم، من لبنان إلى اليمن، مروراً بسوريا والعراق والبحريْن، قد يجد صعوبةً في تفسير تصريح وزير الخارجيّة السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان عن المُحادثات القائمة بين المملكة العربيّة السّعوديّة والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران: “المُحادثات بين الجانبيْن ودّيّة وطابعها استكشافيّ”.

تصريح وزير الخارجيّة السّعوديّ تُلاقيه تصريحات إيرانيّة عديدة، كان آخرها ما قاله المدير العامّ لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الخارجية الإيرانية، مير مسعود حسينيان، في مقابلة مع وكالة “إيسنا” الإيرانية الطلّابية يوم السبت: “إيران والسعوديّة بلدان كبيران في المنطقة، وفي حال تحسّنت العلاقات بينهما، فذلك سيترك تأثيراً على علاقات إيران مع عدد كبير من دول المنطقة في الخليج وشمال إفريقيا”.

“لم تتطرّق المباحثات السّعوديّة – الإيرانيّة إلى الملفّ اللبنانيّ، ولهذا السّبب المُباحثات بين الطّرفين ودّيّة وإيجابيّة”. هكذا وصفَ مصدرٌ دبلوماسيّ خليجيّ المُباحثات الجارية بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران في العاصمة العراقيّة بغداد.

وعلى الرغم من مُغادرة السّعوديّة للملفّ اللبنانيّ في السّنوات الأخيرة، إلّا أنّ أحداث الطّيّونة الأخيرة، وطابعها الاستراتيجيّ بعدما تلقّى حزب الله، الذّراع الإيرانيّة الأبرز في الشّرق الأوسط، ضربةً قاسيةً للمرّة الأولى، فرَضت بروز قوّة جديدة غير مُعلنة وغير واضحة، إلّا أنّها قوّة سيُحسَب لها حساب من الآن فصاعداً.

وأيضاً على الرّغم من أنّ المملكة حتّى السّاعة لا تُريد التطرّق إلى الملفّ اللبنانيّ في مُحادثاتها مع إيران، إلّا أنّ “القوّة الجديدة” تُحسَبُ بوجهٍ أو بآخر على الرّياض، وإن لم تنضج بعد فكرة طرح ملفّ لبنان على طاولة المُحادثات.

أمّا طهران فلها من الملفّ اللبنانيّ موقفٌ مُعاكس. فهي مُتحمّسة لبحث الملفّ اللبنانيّ مع الرّياض منذ جولة المُباحثات الأولى. وترى أنّ “خفض الخلافات مع الرياض سيكون له تأثيره الإيجابي على العلاقات الإيرانية اللبنانية”. وذلك بحسب مُقابلة حسينيان مع وكالة “إيسنا”.

وعلى الرّغم من أنّ المُحادثات الجارية بين البلدين الجاريْن القُطبيْن اللدوديْن اللذيْن يختلفان في كلّ ملفّات المنطقة من دون استثناء، تستمر على قدمٍ وساقٍ، إلّا أنّ السّعوديّة تتوخّى الحذر في محادثاتها مع إيران. وتبرّر المملكة حذرها بتجاربها السّابقة غير المُشجّعة مع النّظام الإيراني.

ليست المرّة الأولى التي يُحاول البلدان حلّ خلافاتهما بالتّفاوض المُباشر، وقد لا تكون الأخيرة. منذ ما قبل وصول نظام الخُميْني إلى السّلطة في إيران، تتعارض مصالح البلديْن. فلم يكن نظام الشّاه أفضلَ حالاً من نظامِ الخميْني. ولم يكن الأخير ونهج تصدير ثورته إلى دول الجوار أفضل حالٍ من النّظام الملكيّ الفارسيّ.

تختلف أكثر مُعطيات وأسباب الحوار في كلّ مرّةٍ. إلّا أنّ السّلوك الإيرانيّ التّوسّعيّ، منذ حكم الشّاه إلى اليوم، هو الحاضر الدّائم على طاولات الحوار.

صُدِمَ كثيرٌ من المتابعين يومَ الإعلان عن الجلسة الأولى، التي عُقِدَت في العاصمة العراقيّة أواخر شهر نيسان الماضي. فما هي الأسباب التي دفعت المملكة وإيران إلى الجلوس إلى طاولةٍ واحدةٍ، وإعلان مصادر دبلوماسيّة “عن قرب الاتفاق بينهما على إعادة فتح القنصليّات” على الرّغم من كلّ الأزمات والخلافات الاستراتيجيّة وحروب الوكالة بين الرّياض وطهران؟

الأسباب السّعوديّة

أوّلاً: تريد المملكة حلّاً للأزمة النّاشبة في اليمن من سنة 2015، والتي اندلعت إثرَ انقلاب ميليشيات الحوْثي المدعومة من إيران على الشّرعيّة. إذ تُشكّل هذه الأزمة أبرز تهديدٍ للأمن القوميّ السّعوديّ، خصوصاً الصّواريخ الباليستيّة والطائرات المُسيَّرة التي يُزوِّدُ نظام طهران الميليشيات الحوثيّة بها منذ ما قبل الأزمة.

وترى المملكة أنّ الدّعم الإيرانيّ للميليشيات الحوثيّة هو السّبب الرّئيس في إطالة عمر الأزمة في اليمن.

ثانياً: تسعى المملكة عبر التّفاوض مع إيران إلى ضمان أمن إنتاج النّفط. إذ اُستُهدفت سنة 2019 منشآت البقيق النّفطيّة في السّعوديّة بطائرات مُسيَّرة إيرانيّة الصّنع.

ثالثاً: تتّجه المملكة عبر رؤية 2030 إلى تنويع مصادرها الاقتصاديّة بعيداً عن الاعتماد التّام على النّفط. ويُشكّل استقرار اليمن ووقف إطلاق النّار على حدودها الجنوبيّة اثنين من أهمّ الأسباب لجذب المُستثمرين والسّيّاح نحو المشاريع العملاقة التي تُشيّدها على أرضها.

رابعاً: وصول إدارة جو بايدن إلى سدّة الحكم في الولايات المُتّحدة، وتشكُّك المملكة في التزام هذه الإدارة الجديدة بالدّفاع عن أمنها ومصالحها، خصوصاً بعد الخطوات، التي اتّخذها سيّد البيت الأبيض الجديد بُعَيْد دخوله المكتب البيضاويّ، والمتمثّلة في تجميد صفقات أسلحة لمصلحة المملكة، ورفعه ميليشيات الحوثي عن لوائح الإرهاب، وسعيه إلى عودةٍ سريعةٍ إلى الاتفاق النّوويّ مع إيران.

الأسباب الإيرانيّة

أوّلاً: تطمح إيران عبر محادثاتها مع المملكة إلى التّخفيف من عزلتها الإقليميّة والدّوليّة. فقد زادت تدخّلاتها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا من عزلتها، ومن ضائقتها الاقتصاديّة التي صارت تنعكس احتجاجاتٍ واسعةً في الدّاخل الإيرانيّ تُهدِّد أمن نظام الملالي. لذا تحتاج طهران إلى خطوةٍ تُرسّخ شرعيّتها، وتُظهر لشعبها أنّ الضّائقة الاقتصاديّة ليست ناجمة عن دعمها للميليشيات وخوضها الحروب المُكلفة على امتداد جغرافيا الشّرق الأوسط.

ثانياً: بينما تسعى الولايات المُتّحدة للعودة إلى الاتفاق النّوويّ مع إيران، تريد طهران من الرّياض الابتعاد عن ضغط العقوبات المفروضة عليها. إذ يعلم الإيرانيّون جيّداً أنّ أيّ انفراجٍ في العلاقة مع السّعوديّة سيصبّ في مصلحتهم في المُحادثات مع أميركا والمجموعة الدّوليّة.

ثالثاً والأهمّ بالنّسبة إلى إيران: بعد توقيع دولة الإمارات ومملكة البحرين اتفاقات تطبيع مع إسرائيل، يخشى الإيرانيّون أن تصل قافلة التّطبيع إلى المملكة العربيّة السّعوديّة، على الرّغم من أنّ المملكة مُلتزمة بمبدأ السّلام العادل وحماية حقوق الشّعب الفلسطيني، كما صرّح المسؤولون السّعوديّون غير مرّة. إلّا أنّ الإيرانيين يعتقدون أنّ تحسين علاقاتهم مع المملكة قد يُعطِّل أيّ محاولةٍ إسرائيليّةٍ لتطبيع العلاقات مع السّعوديّة.

وجدَت المُفاوضات الإيرانيّة – السّعوديّة ترحيباً واسعاً منذ لحظة الإعلان عنها. ووصلَ هذا الترحيب إلى الولايات المُتّحدة التي بادرت غير مرّة إلى إعلان تأييدها لهذه المحادثات. وآخر فصول هذا “الترحيب” كان ما سمعه وزير الخارجيّة السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان من نظيره الأميركيّ أنتوني بلينكن أثناء لقائهما يوم الخميس الماضي في واشنطن.

بين الرّياض وطهران شوطٌ طويلٌ من المحادثات، وحذرٌ يُخيّم فوقَ طاولة الحوار.

وبينما يتحسّسُ الطّرفان “حُسن النيّة” في حديثهما عن حلّ الأزمة اليمنيّة التي يسعيان جدّيّاً إلى حلّها، قد تُؤثّر ملفّاتٍ أُخرى، في مُقدّمها لبنان، على مجرى الحوار بينهما، إن وصلَ إلى هذه المرحلة.وعلى الرّغم من بُعد لبنان جغرافياً عن المملكة، إلّا أنّه صارَ غرفة عمليّات لزعزعة استقرار المملكة على جميع الصّعد الأمنيّة والعسكريّة والسّياسيّة وحتّى الاجتماعيّة عبر تصدير المُخدِّرات. وإنّ الأيّام لكفيلةٌ بالإجابة عن “طول عمر المحادثات”.

وللبحث صلة…

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى