مقالات

الإستعراض الإيراني والممانعة اللبنانية

كتب وليد شقير في نداء الوطن:

تحذير البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من أن “يكون بعض المساعدات العينية غطاء للهيمنة على لبنان والنيل من هويته ودوره المسالم”، ليس سوى ردّ على المواقف التي أعلنها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته إلى بيروت.

عبد اللهيان استرسل في الحديث عن استعداداته لتقديم المساعدات للبنان منطلقاً من استجرار بواخر المحروقات إليه والتي يتولى “حزب الله” توزيعها وبيعها محققاً بدخوله سوق النفط اللبناني أرباحاً طائلة، بالنسبة إلى حزب تموله طهران بالكامل في وقت تعوزها العملة الصعبة التي ندرت في إيران، بسبب العقوبات الأميركية التي أنهكت الاقتصاد الإيراني في شكل لم يسبق له مثيل.

يستذكر السياسيون الذين رافقوا مراحل تطور نفوذ الوصاية السورية منذ تسعينات القرن الماضي، كيف أن سطوة ضباط المخابرات السورية والأوليغارشية السورية، عملت على مد دورها الأمني إلى المجال السياسي إلى أن أطبقت على القرار السياسي بالكامل، ثم انتقلت إلى محاولة فرض دورها في الاقتصاد اللبناني مع مطلع القرن فأخذت تصطدم بالرئيس الشهيد رفيق الحريري ومشروعه الإعماري والإنمائي للاقتصاد وللمؤسسات اللبنانية، فسعت باستخدام منطق القوة والابتزاز إلى منافسة ومزاحمة القطاع الخاص اللبناني لاقتطاع جزء من أرباحه من أجل تمويل الفريق الحاكم في دمشق… فانتهى الأمر باغتيال الحريري الأب بعد فترة من الإنهاك للاقتصاد ولإدارته.

مثلما تزامن الاندفاع السوري آنذاك مع اشتداد الصراع الإقليمي والدولي الذي اتسمت به أحداث المنطقة وكانت سوريا في قلب هذا الصراع ويسعى نظام الأسد إلى متنفس لها عبر لبنان، يتزامن السعي الإيراني إلى موطئ قدم اقتصادي في لبنان بعد سنوات من وضع اليد على القرار السياسي، مع تعرض طهران لضغوط متنوعة ومتداخلة في شأن دورها الإقليمي ومشروعها النووي، فيعمل حكامها من أجل متنفس اقتصادي عن طريق لبنان، يعزز قدراتها على السيطرة على القرار فيه أيضاً.

والسؤال الذي يطرح في هذه المقارنة هو متى وكيف ستنفجر المحاولة الإيرانية للإطباق على لبنان باستكمال الهيمنة السياسية والأمنية عبر الاستحواذ على دور اقتصادي في البلد؟ فإذا كان من المؤكد أن التركيبة اللبنانية، على رغم تناقضاتها الطائفية والمناطقية، انتفضت منذ بداية الألفية على الجار الأقرب (انتخابات العام ألفين ونداء المطارنة الموارنة…) والذي تتمتع بعلاقة تاريخية وطبيعية معه لم تحتمل سطوة وصلف العقل السياسي في دمشق، فإنه من المؤكد أيضاً، أن هذه التركيبة لن تحتمل سطوة وهيمنة حكام طهران البعيدين، مهما كانت العوامل الجيو سياسية والعقائدية والدينية التي يتوسلونها قادرة على التغلغل في إحدى الشرائح اللبنانية. حتى العراق الذي يتمتع ببعض صفات العلاقة السورية اللبنانية في صلاته مع إيران لم يحتمل الهيمنة الإيرانية فانتفضت عروبة الشيعة عليها منذ 2019، فيكف بلبنان؟

وإذا كان صحيحاً أن لبنان مثل العراق يشهد تعايشاً بين الأميركيين والإيرانيين تحت سقف الصراع بين الدولتين في بلاد الرافدين، فإن الصحيح أيضاً أن الدور الدولي الغربي في لبنان متجذر تاريخياً أكثر منه في العراق الذي يسعى إلى إرخاء قبضة إيران عنه تدريجياً لتعود العلاقة إلى طبيعتها، فإن الممانعة اللبنانية حيال ما تخطط له طهران لمستقبل دورها اللبناني يواجه عقبات موضوعية لا تحصى.

في كل من العراق ولبنان تشكل الانتخابات اختباراً لسائر الفرقاء في سياق معركة النفوذ.

في انتظار نتائج محطة انتخابات العراق، شكلت زيارة عبد اللهيان للبنان استعراضاً هو أقرب إلى الدعاية الانتخابية للتحالف الذي يرعاه بين “حزب الله” والفريق الرئاسي الحاكم بدعم منه وسائر القوى التي تدور في فلكه في البلد، معتمداً على نجاحه في تأمين التمويل اللازم لهذا التحالف عبر بواخر المحروقات، كي يخوض المعركة الانتخابية المقبلة.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى