سياسة

جريمة 2011 تتكرّر اليوم

جاء في “نداء الوطن”: 

اخطر ما تنتهجه الطبقة السياسية في لبنان هو “توهين القدرات اللبنانية” بدل الاستفادة القصوى منها والاستثمار عليها في تحسين صورة لبنان الخارجية وتحصينها.

فبعد بروز قضية ترسيم الحدود البحرية، صار بامكان لبنان للمرة الاولى في تاريخه إنتاج خرائطه البحرية بنفسه، وذلك بفضل مصلحة الهيدروغرافيا التابعة للقوات البحرية في الجيش اللبناني. وقد تأسّست هذه المصلحة في شباط 2014 لتؤدّي دوراً وطنياً في إعداد الخرائط البحرية اللبنانية ونشرها، ولتُعدّ الدراسات اللازمة من أجل ترسيم الحدود البحرية مع دول الجوار، وانضمّت في 7 كانون الاول 2020 إلى منظمة الهيدروغرافيا العالمية International Hydrographic Organisation، التي تحثّ أعضاءها على أن يكونوا مسؤولين عن المسوحات الهيدروغرافية وخرائطهم البحرية في مياههم الإقليمية لتأمين سلامة الملاحة، وحازت على تنويه وتقدير دولي غير مسبوق.

على مدى 6 سنوات، وبعمل دؤوب شمل تدريب ضباط وخبراء من مصلحة الهيدروغرافيا، ومن ثم شراء برنامج متطور لترسيم الحدود البحرية لا تمتلكه الكثير من دول المنطقة، اصبح لدى الجيش قدرات تخوّله ترسيم حدوده البحرية، لا بل تقديم خبرات في هذا المجال للدول الشقيقة والصديقة، ولكن، يا للأسف الحكومات المتعاقبة ورؤساء هذه الحكومات لم يكلّفوا انفسهم الاطلاع على هذه القدرات، بل كانت المفاجأة بذهاب رئيس الحكومة الحالية نجيب ميقاتي الى تكليف شركة اجنبية للتدقيق بعمل مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني، بدل الأخذ بتقريرها المحكم والمفصّل، مما يطرح السؤال هل وراء الأكمة ما وراءها؟ لأن الأمر يتعلق بالسيادة الوطنية.

ففي مسألة الحدود، تطلب كل دولة الحد الاقصى للوصول الى خط وسط يحفظ الحقوق، وكل دولة تحصّن نفسها بقرار داخلي، الا لبنان يُراد له من قبل الطبقة السياسية الذهاب الى التفاوض على خط ضعيف يسقط بعد ساعات من التفاوض، عبر الذهاب الى شركة لديها تقرير غبّ الطلب، لأن الشركة تجيب على السؤال كما يطرح، فاذا طرح عليها الخط 23 تجيب عن هذا الخط.

امام هذا التطور الخطير، اعدّت مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش تقريراً علمياً تقنياً استراتيجياً مفصلاً، وسلمه وفد التفاوض الى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي بدوره ارسل نسخة منه الى رئاسة الحكومة، وبدل وضع التقرير على طاولة مجلس الوزراء لنقاشه واتخاذ القرار الاجماعي الموحد بشأنه، حُوِّل الى المستشارين المرتبطين سلفاً بأجندات خاصة، وهنا يطرح السؤال: من هو الشخص الذي يحق له حرمان مجلس الوزراء من الاطلاع على التقرير ومناقشته؟

فما يجري هو نسخة طبق الاصل لما جرى مع التقرير البريطاني الذي حدد الخط 29 حدوداً بحريةً جنوبية للبنان، ولكن المستشارين انفسهم اخفوه ولم يوضع على طاولة مجلس الوزراء في حينه ليصدر المرسوم 6433 الذي حرم لبنان مساحات شاسعة ومليارات الدولارات من الثروة الغازية والنفطية. ولو وضع التقرير البريطاني عام 2011 على طاولة مجلس الوزراء لكان صدر المرسوم بالخط 29 وليس 23 ولما كان هناك حقل كاريش، ولكن مليارات الدولارات هدرت بسبب مصالح شخصية لضابط ولمستشار، واليوم ذات الاشخاص يحرمون مجلس الوزراء من دراسة تقرير عالي التقنية يحفظ المصلحة السيادية اللبنانية.

نفس الجريمة تتكرر اليوم

ويسأل مصدر سياسي رفيع عبر “نداء الوطن”: “من يحق له حجب معلومات تتعلق بالسيادة الوطنية عن مجلس الوزراء؟ وبدل محاسبة من اخفوا التقرير البريطاني عام 2011 على جريمتهم، يكررون نفس الجريمة اليوم بإهمال تقرير لبناني في غاية المهنية والاحتراف، والاستعانة بشركة اجنبية هو تنازل وانهزام مسبق لانه عودة الى خط هوف، واي شركة تكلف اعداد تقرير عليها ان تجلس مع الجانب اللبناني وتحديداً مع مصلحة الهيدروغرافيا حتى لا تعدّ تقريراً كما يريد الاسرائيلي”.

ويعتبر المصدر ان “ما يحصل اليوم هو اجرام بحق الوطن، وتشكيك بالقدرات الوطنية واجرام بحق السيادة، لان السلوك السياسي اللبناني المتّبع يعني الخضوع للمشيئة الاسرائيلية التي عبّرت عنها كارين الحرار وزيرة الطاقة الإسرائيلية وتأكيدها ان بلادها مستعدة لإحياء جهود حل نزاعها مع لبنان حول ترسيم مياههما الإقليمية في البحر المتوسط، لكنها لن تقبل أن تملي بيروت شروط التفاوض، وكذلك قولها “نحتاج إلى البحث عن حلّ يؤدي إلى تقدم كبير وألا نحاول التفكير بالطرق القديمة المتمثلة في رسم خطوط”، معلنة أنها ستتحدث إلى آموس هوكشتاين (المبعوث الأميركي الخاص) قريباً. وقالت الحرار “بدأنا (المفاوضات) بخط واحد ثم دفعوا (اللبنانيون) الخط. يدفعون ويدفعون الخطوط حرفياً”. ومضت تقول “ليست هذه هي الطريقة التي تجرى بها مفاوضات، لا يمكنهم إملاء الخطوط”. اي ان ما لاسرائيل هو لاسرائيل وما للبنان هو لاسرائيل وللبنان”.

ويعتبر المصدر ان “الهدف هو تخسير لبنان حقل قانا من خلال الاستثمار المشترك بينما هو حق خالص للبنان، فالغالبية الساحقة من الشعب اللبناني مع الخط 29 بعدما فهم حقيقة الامر، الآن يريدون قسمة الشعب اللبناني من خلال طروحات جديدة تحت عنوان بدء حل الازمة الاقتصادية، اي تحويل الاشتباك داخلياً، بين من يستعجل الحلول الاقتصادية حتى لو كان الثمن التنازل عن حق سيادي، وبين من يتمسّك بهذا الحق، وبالتالي كسب الاسرائيلي المزيد من الوقت لانجاز التنقيب في حقل كاريش وتحويله امراً واقعاً”.

وإذ يحذّر المصدر اخيراً من “ان الموفد الاميركي القديم الجديد اموس هوكشتاين يحمل ذات المقترح الذي قدّمه منذ نحو عقد من الزمن، وهو تثبيت مناطق متنازع عليها وعدم الاعتراف بالخطوط، وابداء الاستعداد لجلب شركات عملاقة تنقّب في هذه المناطق وِفق مبدأ تقاسم العائدات بين لبنان واسرائيل والشركات العملاقة”، يسأل: “هل سيتم التحجّج لبنانياً بضغط الازمة الاقتصادية للقبول بما لا يقبل به عاقل”؟

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى