مقالات خاصة

إيران تحرّض السعودية على تركيا وتتجاهل عدوانها على العرب

كتب أحمد الأيوبي لموقع ” قلم سياسي”

التكامل العربي التركي ضرورة لمواجهة التطرفين الإيراني والإسرائيلي

مع ارتفاع حدّة التوتر الناجم عن إصرار إيران على اختراق السيادة لدولة أذربيجان واستمرار الشاحنات الإيرانية في عبور أراضيها، بشكل غير قانوني، وصولاً إلى انكشاف اعتراض طهران على إتمام الوحدة الجغرافية للدولة الجارة ذات الأغلبية الشيعية الساحقة، والسعي لمنع تواصلها مع تركيا، ولمنع أنقرة من الوصول إلى العالم التركي في بلاد القوقاز، فإذا بطهران تخرج منظومة أسلحتها الإعلامية في العالم العربي، وبدأت ضخّ الدعايات الصفراء عن الدور التركي مقابل السياسة السعودية، في محاولة لاستمالة الرياض مع تواصل المفاوضات الاستكشافية بين الطرفين، الأمر الذي يعيد النقاش إلى المربع الاستراتيجي الأول حول الهوية والانتماء والمصالح الجامعة للعرب والمسلمين.

الدعاية الإيرانية:
استحضار ثارات العرب والترك وتجاهل عدوانها المذهبي على العرب
اللافت للانتباه أنّ الدعاية الإيرانية تقوم بشكل كامل على إثارة الانقسامات والتحريض الدائم على الصراعات بين الدول العربية والإسلامية ومنع التعاون فيما بينها، وعلى استحضار القراءات التاريخية الخاطئة للأحداث، لرفع منسوب الكراهية بين العرب والأتراك، بينما تتجاهل طهران أنّ نظامها يقتات بالأحقاد، وينمو بنبش الفتن، ودعايتها أنتجت استعداء أهل السنة تحت شعار أنّ الصراع اليوم هو بين أحفاد يزيد وأحفاد الحسين.

خطورة التوقيت للدسّ الإيراني
تأتي أهمية النقاش حول هذا الموضوع، لأنّه يأتي في توقيت خطِرٍ ودقيق، فهو يتزامن مع حدثين:
ــ الأول: تصاعد التوتر الإيراني الأذربيجاني التركي على خلفية التوجهات الاستراتيجية لأذربيجان وتركيا في استكمال خطوات الوحدة الجغرافية بالوصول إلى إقليم نخشفان وصله مع البرّ الرئيسي للدولة، ثمّ إلقاء طهران لسيلٍ من الاتهامات حول الدور الإسرائيلي في أذربيجان.
ــ الحدث الثاني: تفاعل الحديث عن المحادثات الاستكشافية بين الرياض وطهران، ويظهر الاستقتال الإيراني للوصول إلى نتيجة سريعة تؤدّي إلى انفراجات في علاقات إيران الخارجية، واستمرار سيطرتها على مناطق احتلالها في اليمن وسوريا ولبنان والعراق.

الفتنة: أداة إيران المفضّلة
في هذا الخضم، لم تجد إيران أفضل من اللجوء إلى سياساتها المفضلة، وهي إثارة النعرات بين خصومها، ومحاولة الظهور بصفة الحريص على السعودية، بينما تستحضر ما تسميه مخاطر المشروع التركي على العالم العربي، والنتائج المدمرة للسياسات التركية في دنيا العرب، وأنّ للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطامع استعمارية في الخليج وبلاد الشام والعراق، بينما تمارس طهران دور “المنظمات الإنسانية العابرة للحدود”.
بدأت هذه المقاربة تحضر من خلال الأبواق الإعلامية لإيران في العالم العربي، سواء في المقالات أو في المقابلات التلفزيونية، وهي على الأرجح ستتوسع في المرحلة المقبلة، مستفيدة من فترة الصراع السياسي التي سبقت هدوء العاصفة والبدء في عودة التواصل بين أنقرة والرياض، وما تلاها من مصالحات خليجية مع تركيا.

هكذا تخرِّب إيران دنيا العرب
تريد إيران تشجيع السعودية على ابتلاع تخريبها للعالم العربي في مفاوضات استكشافية يعلم الجميع أنّها لن تنتهي بتراجع إيران عن مشروعها التوسعي في المنطقة، وهي تعتمد أساساً على أسلوب استهلاك الوقت لتغيير المعادلات، فبينما تمضي المفاوضات بين الطرفين، تستمر طهران في إفلات أدواتها في اليمن لتستهدف الأراضي السعودية وتحاول إيقاع المزيد من الخسائر والأضرار، والأمر نفسه تعمتده في سوريا، حيث تستعد ميليشياتها لشنّ المزيد من الهجمات، وخاصة نحو إدلب.
تواصل إيران فرض الوقائع أيضاً في لبنان، من خلال إعلان حزبها الاستعلاء على الدولة بأجهزتها الدستورية (الرئاسية والحكومية والوزارية)، والقضائية والأمنية، من خلال سلسلة اعتداءات طالت سيادة الدولة:
فالمازوت الإيراني اخترق الحدود بشكل غير شرعي رغم أنف الدولة إلى درجة أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ادّعى أنّه لم يكن يعلم بوجود المعابر غير الشرعية قبل عبو شاحنات المازوت الإيرانية، والجيش اللبناني ممنوع من دوره السيادي على الحدود وأُخرج من الضاحية لتصبح تحت السيطرة الأمنية الآحادية لـ”حزب الله”، و”المندوب السامي” للحزب وفيق صفا يغزو القضاء اللبناني في عقر داره، مهدِّداً متوعداً، من دون أن يردّ عليه أحد.
سيكمل “حزب الله” خطواته الاحتلالية، وسيأتي بالشركات الإيرانية لاستخراج النفط والغاز في الجنوب، وسيُنشئ مصانع الكهرباء في مناطق نفوذه الشعبية، وسيضع يده على الدولة بكاملها بالقوة العسكرية والسياسية التي يفرضها على لبنان.

قاعدة التفاوض الإيرانية: موِّلوا إرهابنا
يريد الإيرانيون إقناع العرب والمسلمين، وعلى رأسهم السعودية، أنّ كلّ ما يفعلونه في عالمهم من تخريب وإرهاب، هو حقٌ مشروع لهم، وأنّ تركيا هي الخطر الفعلي على مستقبل العرب، وهم يراهنون على رفع مستوى العصبيات بين العرب والأتراك، وإقصاء حقيقة أنهم هم الأمة (أهل السنة والجماعة)، بعربها وعجمها، والإفادة من التيارات “الليبرالية” التي يمكن أن تتساهل مع الإجرام الإيراني، وتتطرّف في مقاربة العلاقات مع تركيا، وهؤلاء أصبحت لهم مواقع نفوذ وقرار ومنصات إعلام عمياء، ليس لها شأن سوى أن تخرِّب النسيج الاجتماعي، تماماً كما يفعل الإيرانيون، ولكن بوسائل مختلفة.
تفتعل إيران الأزمات في الدول التي تحتلها، ثمّ تبدأ أدواتها العويل، طالبة التمويل. فإذا بواقع حالها يقول: موِّلوا إرهابنا!

وقاحة إيران: تقصف مكة وتتحدث عن حسن الجوار!
تمتلك إيران الوقاحة الكافية لتتحدث عن مخاطر النفوذ التركي في المنطقة، بينما هي تقصف مكة المكرمة بالصواريخ الباليستية، وتستهدف مطارات المملكة بالطائرات المسيرة، وتجلس إلى طاولة التفاوض تشترط استمرار احتلالها للعواصم الأربعة، واستكمال تغييرات الديمغرافية والسياسية القسرية فيها، مستندة إلى ارتياحها واستبعادها لعدم إمكانية التعاون السعودي التركي، الذي إن حصل من شأنه أن يغيِّر المعادلات في المنطقة، خاصة بعد المرحلة الجديدة التي افتتحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الدول العربية، والتي تحتاج إلى المزيد من العمل والجهد لتؤتي ثمارها.

كراهية إيران لتركيا وللسعودية
إضافة إلى العوامل التاريخية المعروفة التي تغذّي حقد إيران على السعودية وتركيا، وهي عوامل لا يمكن شطبها من الحسابات الاستراتيجية، فإنّ ما يُغضِب ملالي طهران من السياسة التركية الحالية أنّها عصيّة على الاتهامات المذهبية وعلى الاختراق الداخلي بعد سقوط الكثير من محاولاتها الاستثمار في النخب التركية، وهي في موقع العاجز عن وقف التقدم التقني والاقتصادي لتركيا، مع ما يحمله من قدرة على تأمين المصالح الاستراتيجية للدولة، والتي بدأت تتقدم في مواقع مزاحمة لتفرّد طهران بالمنطقة.
وما يغيظ إيران من السعودية أنّها أصبحت دولة صلبة تحمل رؤية تطويرية على المستويات الداخلية والخارجية، وأصبحت محصّنة بمنظومة سياسية قادرة على محاربة الفساد وفرض الشفافية، وقادرة على تظهير الوزن السياسي للسعودية بطرق جديدة أكثر فعالية وأقلّ كلفة، وهي تعمل وفق سياسة تراكمية بمستوى عضويتها في مجموعة دول العشرين وبمستوى إدارتها للقضايا العربية في الصراعات المندلعة حولنا.
ما يدفعنا إلى التنبيه إلى مخاطر الفتن الإيرانية هو بالتحديد أهمية التفاهم العربي التركي، ليس لإشعال الصراع مع إيران، بل لفرض وقائع تمنع استخدام الأقليات والمنظمات الإرهابية لإحداث التصدعات داخل دول ومجتمعات المنطقة، ولإطفاء نيران ثورة لن يرتاح عالمنا طالما هي مشتعلة.

المصالح والمصائب جامعة
لقد أثبتت الأحداث أنّه لا يمكن تجاهل حقيقة المصالح المشتركة بين تركيا والعرب، وأنّه لا يمكن الركون إلى إيران مهما استخدمت من مصطلحات التقارب، وفي ضوء المغيّرات الدولية، لا يمكن إدارة المنطقة إلاّ بالتكامل بين العرب وتركيا، للحدّ من العامل الإيراني الجامح ومن التطرّف الإسرائيلي الرافض لأيّ حلٍّ فيه الحدّ الأدنى من العدالة للشعب الفلسطيني.
ثمة نقطة إضافية تجمع الرياض وأنقرة والقاهرة والدوحة وأبو ظبي ومسقط وعمّان، وهي التحولات التي تشهدها السياسة الأميركية وما ستفرضه على الجميع من مخاطر وأعباء، نتيجة تغليبها للعامل الإيراني والإسرائيلي على الجميع، وهذا يفرض وضع سياسات جريئة تضع في الحسبان أنّ على العالم تمرير ما تبقى من فترة ولاية جو بايدن على صفيح ساخن من الأزمات.

الدور الإيراني التخريبي “تاريخي”
عند كلّ منعطف تاريخي لنهضة المسلمين ينبري الدور الفارسي الصفوي ليشقّ الصفوف، لصالح الغرب المسيطر، وليُلهي الأمّة بالصراعات الجانبية، وهو دور لا ينمو إلاّ على الفتن وإذكاء الصراعات.
المصالحة والتعاون بين السعودية وتركيا، وتالياً بين العرب وتركيا مصلحة قومية وإسلامية، تحمل في ثناياها الأبعاد الاقتصادية والتنموية والدفاعية والثقافية المشتركة، ومهما أبدت إيران من اللسان حلاوة، فإنّها ستبقى تروغ كما يروغ الثعلب.

أحمد الأيوبي

إعلامي لبناني وكاتب سياسي في عدة مواقع مختص بشؤون الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى