صحة

الأزمة تدفع خدمات الصحة العقلية إلى تدهور غير مسبوق

جاء في “العرب” اللندنية:

أدى تفاقم الأزمة اللبنانية إلى وصول خدمات الصحة العقلية إلى شفير الهاوية، حيث باتت هذه الخدمات تواجه صعوبات متزايدة.

وبدأ عالم النفس اللبناني برنار صوص تقديم جلسات علاج عبر الإنترنت عندما قال المرضى إن ارتفاع أسعار الوقود يعيقهم عن التنقل إلى عيادته. ثم بدأ انقطاع التيار الكهربائي.

وبعد خمس دقائق من إحدى الجلسات الافتراضية الأخيرة انقطع المولد الاحتياطي في مبناه، وغرق في الظلام وقطع الاتصال مع مريضه في منتصف الحصة.

وتسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان وفايروس كورونا المستجد والانفجار الهائل في مرفأ بيروت العام الماضي في خسائر فادحة في الصحة العقلية مما زاد الضغط على خدمات الدعم التي تكافح للعمل بشكل طبيعي بسبب مشاكل البلاد المتعددة.

وقال الطبيب النفسي “عليك أن تنتظر عودة الكهرباء، وفي هذه الأثناء تعوضها ببعض رسائل واتساب لإنهاء الفكرة. إن هذا مزعج للغاية ويجعل الجلسات أقل فعالية في وقت الحاجة الماسة إليها”.

وأكد أن العديد من اللبنانيين يعانون من الاكتئاب والإرهاق، لكن العلاج بعيد المنال بالنسبة إلى كثير من الناس مع تقلص مداخيلهم.

وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار، وأدى التضخم إلى ارتفاع الأسعار في جميع المجالات حيث أصبحت جلسة العلاج الآن أغلى بثلاث مرات بالعملة المحلية.

وإلى جانب النقص الحاد في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي المنتظم، فإن معظم الأدوية النفسية (من مضادات الاكتئاب إلى علاجات الاضطراب ثنائي القطب) لم تعد متوفرة في الصيدليات منذ شهر مارس.

وتكيف مقدّمو خدمات الصحة النفسية قدر المستطاع، متجهين إلى التكنولوجيا أو مصادر الطاقة المتجددة.

وقال ربيع الشماعي، رئيس البرنامج الوطني للصحة العقلية الذي ترعاه الدولة، إنه عندما أجبر نقص الديزل خط المساعدة في مواجهة الأفكار الانتحارية الوحيد في لبنان على الحد من ساعات عمله، عمل المشغلون على تأمين أموال لألواح الطاقة الشمسية للتأكد من أن انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ لن يقطع المتصلين الذين يحتاجون إلى مساعدة مستعجلة.

وتابع “نحن أيضا نطلق تطبيقا يسمى ‘ستيب باي ستيب’ (خطوة بخطوة) وهو برنامج مساعدة ذاتية موجه لمساعدة الأشخاص المصابين بالاكتئاب”.

وتعمل صفحات إنستغرام بما في ذلك “ميدوناشنز” و”ميدز فور ليبانون” على تنسيق الجهود لإحضار أدوية غير متوفرة إلى لبنان، وتعرض بانتظام طلبات الحصول على مضادات الاكتئاب والأدوية المستخدمة لعلاج القلق.

وظهرت مبادرات جديدة تقدم جلسات علاج مجانية أو غير مكلفة عبر الإنترنت حيث تكافح المنظمات غير الحكومية لتلبية الزيادة في الطلب.

وتقدم “بي بريف بيروت” (كوني شجاعة يا بيروت)، وهي منظمة شعبية تأسست بعد انفجار آب 2020، علاجا مجانيا مع علماء نفس معتمدين، بالإضافة إلى جلسات غير رسمية أكثر مع شبكة متنامية من متطوعي الدعم العاطفي حول العالم.

ويمكن الوصول إليها على لينكد إن أو إنستغرام، وتعقد الجلسات على واتساب وأحيانا عن طريق الرسائل النصية. ويعقد المدربون ندوات عبر الإنترنت لتدريب المتطوعين على الإسعافات الأولية النفسية وغيرها من الأساليب.

وقالت المؤسسة المشاركة بانا عيتاني إن الهيكل غير الرسمي يعني أن المتطوعين والمستفيدين يمكنهم التكيف مع انقطاع التيار الكهربائي “ولكننا بالطبع سنواجه مشكلة خطيرة إذا كان هناك انقطاع في الإنترنت”.

وقالت شركة أوجيرو المزودة لخدمات الإنترنت في البلاد إن بعض أجزاء لبنان تعاملت مع انقطاع متقطع للإنترنت لأن أبراج النقل تفتقر إلى الوقود اللازم للتشغيل.

وقالت مبادرة مجتمعية أخرى “ليبانون فور يو” (لبنان من أجلك)، إنها غمرت بطلبات للحصول على جلسات علاجية مجانية.

وقالت المؤسسة المشاركة غيدا علام “اعتاد الناس الاتصال بنا من خلال الرسائل المباشرة فقط. الآن يتصل بي الكثير من الأشخاص عبر واتساب حتى الساعة الحادية عشرة مساءً ويحتاجون إلى جلسات علاجية. ويتصلون ويستخدمون لينكد إن وفيسبوك. لم نر هذا النوع من التواصل من قبل”.

ولكن مع تزايد الاحتياجات تتقلص القدرات حيث هاجر ما لا يقل عن 13 من علماء النفس البالغ عددهم 40 في الشبكة، وأخذ آخرون إجازة للتعامل مع الإرهاق الذي يعانون منه.

وقال الشماعي إن مثل هذه المبادرات لن تكون سوى سد فجوة طالما استمرت الأسباب الكامنة وراء أزمة الصحة النفسية في لبنان.

وقال “إذا كان لديك رصيف مكسور وكان الناس يكسرون أرجلهم طوال الوقت بالمشي عليه، فهل تسأل عما إذا كان يجب عليك علاج الناس أو إصلاح الرصيف؟ عليك القيام بالأمرين”.

وقالت بيا زينون، نائبة رئيس مركز إمبرايس للصحة النفسية التي تدير خط مساعدة ذوي الأفكار الانتحارية ومركز الصحة العقلية، إنه بالنسبة إلى مقدمي الرعاية الصحية العقلية المنهكين في البلاد، فإن التركيز هو البقاء على قيد الحياة يوميا.

وأضافت “لقد عملنا لسنوات على إزالة الحواجز التي تحول دون العلاج: حاجز وصمة العار من خلال زيادة الوعي، حاجز المال من خلال تقديم خدمات مجانية، وحاجز المسافة من خلال الاتصال بالإنترنت. لكن حواجز الأزمة لا تزال تتراكم على الناس وعلينا”.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى