سياسة

عتمة شاملة تصيب لبنان وشبه حال طوارئ

جاء في “الراي” الكويتية: 
عشية إطفاء «شمعة» الشهر الأول على ولادتها، بدا واضحاً أن «الصدمة الإيجابية»، التي أحدثها تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تَبَدَّد بالكامل، لتعاود الأزماتُ عصْفَها ويرتفع منسوبُ التشكيك في قدرتها حتى على «ترويض» التداعيات «المتوحّشة» للانهيار الشامل ووضْع البلاد على سكة التفاوض مع صندوق النقد الدولي على حزمة إنقاذ.
ولم يكن عابراً أن الحكومة التي نصّ بيانها الوزاري على أنها «انبثقت لتُضيء شمعة في هذا الظلام الدامس وتطلق شعلة الأمل» وجدت نفسها أسيرة عتمة شاملة وُضعت البلاد برمّتها «خلف قضبانها» أمس في انعكاسٍ للتعقيدات المالية – التقنية – السياسية التي تحكم كارثة الكهرباء المستعصية منذ أعوام طويلة، فيما أزمة المحروقات تتذبذب بين تحرير السعر من دون الاستيراد وسط ارتسام «ربْطٍ» بين الارتفاع الأسبوعي لأسعار البنزين وبين ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، والذي عاد ليلامس خط عشرين ألف ليرة.
وإذا كانت شبه «حال الطوارئ» التي شهدتها بيروت في أعقاب «صعقة» العتمة الشاملة التي أصيبت بها «بلاد الأرز» مع انفصال شبكة الكهرباء بشكل كامل بعد توقف معمليْ الزهراني ودير عمار نتيجة نفاذ المازوت، وتدنى إنتاج الطاقة إلى ما دون 200 ميغاواط (لا تكفي لربط الشبكة الكهربائية ببعضها)، أفضتْ إلى تفاهم على تزويد محطات الإنتاج بالفيول من الاحتياط المتوافر للضرورات القصوى تفادياً لـ «زنار أسود» يلف لبنان لأيام، فإن هذا التطور يؤشّر إلى الصعوبات التي تعترض منْع الانهيار التام للشبكة وتوفير الحدّ الأدنى من التغذية عبر مؤسسة الكهرباء بانتظار انتهاء الإجراءات لتزويد لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية (عبر سوريا)، في غضون أسابيع للأول وبحلول نهاية السنة للثانية، وذلك وسط عدم نجاح السلطات في بيروت بتوفير آلية مستدامة للاستفادة من الفيول العراقي المستبدل بما يوفّر ثباتاً في استثماره على الشبكة.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى يحصل فيها «انهيار الشبكة» الكهربائية وانفصالها، إلا أن ما حصل أمس اكتسب أبعاداً صادمة لأنه ترافق مع تمادي «دومينو» إطفاء المعامل في ظل عدم توافر مخزون كافٍ من المحروقات على أنواعها، وسط توقُّف أوساط سياسية عند أن الهدف المتواضع الذي حددته حكومة ميقاتي لنفسها في المدى المنظور وهو تأمين ما بين 8 و10 ساعات تغذية بالتيار الكهربائي (خارج مولدات الأحياء) يعكس أمرين: الأول حجم «توقعات الحد الأدنى» منها.
والثاني أن «الهدف الأكبر» المتمثل في المعالجة الجذرية لقطاع الكهرباء عبر إنشاء معامل وتشكيل الهيئة الناظمة للقطاع (وهي من أبرز بنود دفتر الشروط الإصلاحي الذي يصرّ عليه المجتمع الدولي لرمي طوق النجاة للبنان) هو ملف «أخطبوطي» من مصالح وخلافات سياسية مزمنة لم تظهر أي مؤشرات إلى أنها تبدّلت.
وقد أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان لها أنه «وبعد توقف معمل دير عمار صباح 08/ 10/ 2021 قسراً عن إنتاج الطاقة من جراء نفاد خزينه من مادة الغاز أويل، توقف أيضاً معمل الزهراني ظهر اليوم (السبت) للسبب عينه، الأمر الذي أدى إلى انخفاض التغذية الإجمالية إلى ما دون 270 ميغاواط، ما انعكس مباشرةً على ثبات واستقرار الشبكة وأدى إلى هبوطها بشكل كامل دون إمكانية إعادة بنائها مجدداً في الوقت الراهن في ظل هذه الظروف التشغيلية الصعبة والقدرة الإنتاجية المتدنية من جهة واستمرار وجود محطات تحويل رئيسية خارجة عن سيطرة المؤسسة من جهة أخرى».
وأوضحت «أنه من المرتقب أن تصل مساء السبت شحنة مادة الفيول أويل (Grade A)، التي من المتوقع أن يتم تفريغ حمولتها في كل من خزانات مصبات الذوق والجية مطلع الأسبوع المقبل، للتمكن من ثم، مع كل من معملي المحركات العكسية في الذوق والجية من محاولة رفع القدرة الإنتاجية لنحو //500// ميغاواط ريثما ترد الشحنة الثالثة من اتفاقية التبادل العراقية، والمحملة بمادة الغاز أويل والمرتقب وصولها في أواخر أكتوبر الجاري، كي تتمكن عندئذ المؤسسة من تثبيت الشبكة الكهربائية قدر مستطاعها».
ولفتت إلى أنها «تتواصل من جانب آخر مع جانب منشآت النفط في طرابلس والزهراني لمعرفة إذا أمكنها شراء جزء من كميات الغاز أويل المحدودة لدى تلك الأخيرة، إذا توافرت لديها، كي يصار إلى إعادة تشغيل معملي الزهراني ودير عمار لأيام محدودة فقط ريثما يتم الانتهاء من تفريغ حمولة شحنة مادة الفيول أويل (Grade A) مطلع الأسبوع، وعلى أن يصار إلى تسديد ثمن تلك الكميات بموجب قرض الـ(100) مليون دولار بين الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان، الذي تبلغت المؤسسة يوم الجمعة موافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان عليه».
ولا يقلّ ملف المحروقات تعبيراً عن «الدور» المنوط بالحكومة أن تؤديه، إذ بدا أنها تحوّلت «راعيةَ» معالجته بتحرير سعره الذي يسجّل أسبوعياً قفزاتٍ كبيرة بلغت مثلاً قبل يومين 27 ألف ليرة في أسبوع (من نحو 206 آلاف لصفيحة البنزين إلى قرابة 233 ألفاً فيما الحد الأدنى للأجور يبلغ 675 ألف ليرة)، وهي التسعيرة التي تتحرّك تبعاً لسعر النفط عالمياً كما تسعيرة الدولار في السوق الموازية (وإن كان سعر المحروقات يُعتمد وفق منصة SAYRAFA التي يديرها مصرف لبنان ويقل سعر الدولار عليها بنحو 2000 ليرة عن السوق الموازية)، وذلك من دون ضمانات بعدم تكرار مشهد الطوابير بحال عاد «المركزي» لتقنين فتْح الاعتمادات باعتبار أنه مازال الجهة التي توفّر دولارات الاستيراد.
وفي موازاة تلاشي كل المفاعيل التي أعقبت تأليف الحكومة خصوصاً «التراجع النفسي» لسعر صرف الدولار الذي ناهز 14 ألف ليرة حينها، وعودة مظاهر الغضبة الشعبية، لم تسعف بعض الوقائع السياسية تشكيلة الـ 24 وزيراً التي تتساقط تباعاً «أوراق التوت» عن مسار استيلادها الذي أحيط بمحاولة تصوير أنه «كسر» القواعد السابقة خصوصاً تلك التي أفضت إلى اعتذار الرئيس سعد الحريري عن المضي بتكليفه، رفْضاً – ومعه رؤساء الحكومة السابقون وكان بينهم ميقاتي – لاضطلاع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بدور في التشكيل بقوة أنه «الوريث» السياسي للرئيس ميشال عون، واعتراضاً على أي آليات للتشكيل تمس بصلاحيات رئيس الحكومة.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى