المنظومة تهرب إلى الأمام… والأزماتُ تستفحل
تواصل القوى السياسية قاطبة ممارسة الهروب الى الامام. بدل مواجهة الازمات والوقائع ومحاولة حلّها كما يجب، تلتف عليها و”تتذاكى” وتماطل، وتلجأ الى خطوات من شأنها صب الزيت على النار بدل سكب ماء باردة عليها.
في هذا السياق، يمكن وضع الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية ميشال عون الى مجلس النواب حول التأخّر الحاصل في عملية تشكيل الحكومة. فبحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، هي ستزيد الشرخ السياسي وتشد العصب الطائفي ايضا، وهنا أخطر ما فيها. فبعبدا في معرض محاولتها رمي مسؤولية التعطيل عن نفسها وتحميلها الى الرئيس المكلف سعد الحريري، أغاظت الاجواء السنية في البلاد، وغضبها هذا تمثل في البيان الذي سارع الى اصداره رؤساء الحكومات السابقون فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام. هم صحيح تحدثوا عن الشوائب القانونية والدستورية التي تضمّنتها الرسالة، الا ان لا يمكن إنكار ما حمَله الموقف من نَفَس مذهبي قلق من محاولة الرئاسة الاولى وضعَ اليد على صلاحيات الرئاسة الثالثة في عملية تأليف الحكومة العتيدة… اما الحل الحقيقي الفعلي لمشكلة التشكيل، فيبقى في جلوس المعنيين بها، اي عون والحريري، معا، للخروج باتفاق، طالما ان كليهما متمسك بموقعه وليس في وارد التخلّي عنه..
هذا سياسيا. اما ماليا، فالهروب الى الامام سيد الموقف ايضا. بدلا من الانكباب سريعا على ايجاد العلاجات الكفيلة بوضع حد للانهيار الشامل الذي يصيب كل القطاعات، ولمساندة الشعب الذي بات اكثر من نصفه يعيش تحت خط الفقر، حكومة تصريف الاعمال تتفرّج على الكارثة الاجتماعية – المعيشية – الاقتصادية تتوسّع. هي لم تقرّ البطاقة التمويلية ولم تقرّ ايضا لا رفع الدعم ولا ترشيده. وقد قال رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر منذ يومين بعيد زيارته رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب: أكدنا على تفاهمات حصلت في كانون الأول حول عدم رفع الدعم إلا مقابل خطة بديلة من حجم بطاقة تمويلية. وأكد لنا دولته أن لا رفع للدعم أو ترشيد إلا بوجود خطة بديلة أي بطاقة تمويلية التي تشمل 750 ألف عائلة لبنانية أو أكثر، هو موقف مشرّف من رئيس الحكومة، إذ أن رفع الدعم بالمطلق سيؤدي إلى كارثة اجتماعية محتمة. فنحن أمام رفع دعم مقنَّع على المواد الغذائية واللحوم والدواء أدى إلى فوضى عارمة في الأسواق وإلى فلتان اقتصادي مريب.
هو موقف “مشرّف” اذا ترافق مع عمل جدي لوقف استنزاف احتياطيات مصرف لبنان وودائع الناس التي يستفيد منها كبار التجار والمهرّبون الى سوريا، تتابع المصادر، اما الاصرار الرسمي على صرف اموال الشعب حتى آخر فلس، من دون خطة بديلة، فسيؤجّل موعد الانفجار الكبير الا انه لن يمنع حصوله. والحلّ هنا، هو بوقف التشاطر والخمول اللذين تمارسهما الحكومة، وبتحمّل مسؤولياتها. فصحيح هي في وضعية تصريف اعمال، الا ان من صلب مهامها وواجباتها، التحرّك في الظروف القاهرة.. فهل من اوضاع اصعب واقهر من تلك التي يمرّ بها لبنان واللبنانيون اليوم؟ وعليها اذا، تكثيف اجتماعاتها مع المعنيين في القطاع المصرفي والمالي وفي قطاع الادوية والطاقة والمحروقات والغذاء، للخروج بخريطة عملية للفترة المقبلة، تخفف بالحد الادنى من معاناة الناس..
فهل تُقلع المنظومة عن سياسة دفن رأسها في الرمال وتنهض من كبوتها لتواجه المصائب السياسية والاقتصادية غير المسبوقة، أم تستمر في الانكار؟