مقالات خاصة

الإنتخابات النيابية و طبخة صوت المغتربين

د. وسيم بكراكي

مع تشكل الحكومة اللبنانية العتيدة بعد مخاض عسير جداً لم تعرف أسبابه وطال أكثر من عام كامل، بدأ الحديث عن الملفات النائمة وعلى رأسها استحقاق اتتخاب المجلس النيابي القادم الذي سيكون من أهم وظائفه انتخاب الرئيس اللبناني الجديد بطبيعة الحال.
برغم أن قانون الانتخاب المطبق حالياً هو قانون يحرم اللبناني في الداخل من إمكانية التصويت الصحيح واختيار جميع الاسماء التي يرغب بها لتمثيله وحصر حقه بانتخاب شخص واحد فقط سيحرم المعارضة من التجمع بشكل صحيح للتوحد وتشكيل لوائح حقيقية في وجه القوى السياسية الحالية بل وسيجعل من الترشيح والنجاح مهزلة حقيقية كما رأينا في الانتخابات السابقة من وصول أسماء لم تكن يوماً لتنجح لولا هذا القانون المركب الذي يحرم المواطن من التصويت الحقيقي ويجعل أي معارض كمن يسبح في بحيرة من الحيتان التي تشتري الصوت والمواطن والبلد.
ولكن الملفت الأعظم في القانون الانتخابي العظيم هذا ما بدأنا نسمعه من قانون الانتخاب للمغتربين الذي قد يتم تنفيذه تحت بند إعطاء الحق للمواطن اللبناني المغترب في الاقتراع والتمثيل النيابي عبر استحداث 6 مقاعد نيابية للمغترب اللبناني في دول العالم.
إن فرضية إعطاء المغترب اللبناني فرصة التصويت في الانتخابات وبل وفرصة الترشح للانتخابات النيابية من باب المغتربين قد تكون للوهلة الأولى أمر جميل جداً وإيجابية عظيمة يمكن التصفيق لها ولمن يعمل على إقرارها لولا أنها تحرم الناخب المغترب من حق التصويت لمدينته وبلدته وتجبره على الاختيار بين أن يسافر إلى لبنان ويصوت فيه “الصوت الواحد” داخلياً أو أن يسجل في سجلات المغتربين ويصوت لأحد هؤلاء المقاعد المستحدثة هذا طبعاً إذا ما تم افتتاح صندوق الإقتراع في البلد الذي يعيش فيه.
نحن نتحدث عن عقد وعوائق كثيرة وأسئلة تحتاج لاجابات صريحة وواضحة في موضوع انتخاب المغتربين فهل يعقل مثلاً أن يكون تمثيل الناخب المغترب الذي يتخطى 15 مليون لبناني كما يقال عن عدد اللبنانيين المغتربين بعدد هو 6 نواب فقط ويحرم جميع هؤلاء من الانتخاب فعلياً في أرض الوطن.
كما يرد في قانون الانتخابات العتيد هو أننا بصدد زيادة 6 نواب مغتربين يشكلون لائحة من مختلف دول العالم يكون فيها مرشح سني وشيعي ودرزي وماروني وأرثوذوكسي وكاثوليكي. يجب على المغترب اللبناني أن يختار لائحة من لوائح المغتربين وأن تختار اسماً تفضيلياً ضمن هذه اللائحة. طبعاً المرشح يجب أن يكون ضمن لائحة وإلا فلا إمكانية له لخوض هذه الانتخابات وهو أمر عسير فعلياً بالنظر لكون الحديث هو عن مرشحين قد يكون أحدهم في أمريكا والآخر في روسيا مثلا. ولكنه ليس مستحيلاً في عصر التكنولوجيا والتواصل الإجتماعي.
مسألة أخرى في قانون الانتخاب للمغتربين هي عملية تشكيل الأقلام الإنتخابية بحيث نحتاج ما لا يقل عن 200 ناخب مسجلين في هذا القلم ليتم اعتماده قلماً رسمياً للانتخاب.
ولكن لدينا مسألة أن يتم الانتهاء من هذا التسجيل قبل تاريخ 20 تشرين الثاني من السنة التي تسبق سنة الانتخابات اللبنانية. وهو أمر يحتاج أولاً أن يعرف اللبناني المغترب في البلد الذي هو موجود فيه أن بإمكانه التسجيل لهذا القلم المقترح ولكن للأسف لم يتم حتى الآن في بعض الدول ومنها تركيا مثلاً عن كيفية وموعد التسجيل وبالتالي قد نحرم من وجود أقلام اقتراع انتخابية في تركيا “وأذكرها على سبيل المثال لأنني مقيم فيها” رغم أن أعداد اللبنانيين المقيمين فيها يتجاوز 5 الآلاف لبناني.
جزئية أخرى مبهمة في القانون بالنسبة لغير المقيم على الأراضي اللبنانية (أي المغتربين) أنه يحق لهم الاقتراع في الأماكن التي يتم تحديدها كمراكز اقتراع في السفارات والقنصليات الخ..ولكن هل سينتخب هذا اللبناني لائحة في بلده أو سيكون ملزماً تحديداً بانتخاب لائحة من لوائح المرشحين المغتربين الستة. برغم أنني قرأت القانون المذكور أكثر من مرة لكنني لم أصل إلى جواب واضح في هذه النقطة تحديداً. ولكني أفهم من الوارد حكماً أنها ستكون تحديداً للدائرة الانتخابية للنواب الستة المستحدثين الجدد بما سيرفع عدد المجلس النيابي الجديد إلى 134 مقعد على أن يكون 128 من جديد في المجلس الذي يليه.
فما الذي يمنع من أن يكون هناك أقلام اقتراع للمغتربين لانتخاب لوائح المنطقة التي ينتمي إليها في لبنان أو لماذا لا يمنح الحق في انتخاب لائحتين الأولى لائحة المغتربين والثانية لدائرته الانتخابية في لبنان على الأقل في الانتخابات الأولى التي سيطبق فيها هذا القانون إلى أن تفهم تفاصيله وتعقيداته وبخاصة أن هذه المقاعد الستة ستكون في هذه الانتخابات مقاعد إضافية عن العدد الرسمي لعدد النواب اللبنانيين.
نحن أمام “جلطة” انتخابية ستكون غريبة عجيية وسيكون للأحزاب الحالية الدور الأكبر في تحديد من سيربح هذه الانتخابات الاغترابية لقدرة هذه الأحزاب على تكوين اللوائح بينما ستكون الجاليات اللبنانية في مواجهة تجربة جديدة عالمية الأفرع لا يمكن الوصول بها إلى نتيجة مرضية إلا إذا شاهدنا تحالفات للجاليات اللبنانية في العالم بشكل نصل فيه إلى تمثيل أقرب إلى العدل والعدالة مما سيفرزه لنا هذا القانون من نتائج.
أعتقد أن الكثير من المغتربين في العالم، ومع حلم الكثير في التغيير، سيسعون إلى الاقتراع في الداخل اللبناني لمحاولة كسر الواقع المتكرر لانتخاب نفس الوجوه المتكررة التي تصل بنا في كل مرة إلى نفس الطريق المسدود والخلافات الشخصية التي تعطل البلد والدولة وتفرغ البنوك والجيوب وتقطع أبسط الحقوق الوطنية من عيش كريم وكهرباء ومياه وطرقات ولقمة عيش. أو ستختار العزوف عن مسرحية الانتخاب والاكتفاء بالمشاهدة من بعيد على أطلال بلد كان في يوم من الأيام سويسرا الشرق وحلم كل عربي وصديق.
في واقع الأمر ولكون هذه الانتخابات هي انتخابات نسبية لن تتمكن أي جالية صغيرة أو حتى متوسطة من تمرير أي مقعد نيابي اغترابي وستكون هذه المقاعد من حصة دول محددة تمتلك الأغلبية الساحقة للتصويت وهنا نعود للسؤال الأول: لماذا لا يعطى المغترب حق الاقتراع لدائرته الانتخابية في لبنلن من البلد الذي هو فيه لممارسة حقه الانتخابي دون الحاجة لتحمل تكاليف السفر الى لبنان لممارسة هذا الحق طالما أننا مجبرون على الانتخاب وفق هذا القانون.
بالنسبة لي، لم أرغب يوماً ولا اقتنع ابداً بانتخاب الأفراد لفردهم وأتمنى أن نصل يوماً إلى انتخاب البرامج الانتخابية التي تضعها الأحزاب اللبنانية بعيداً عن الطائفية والعشائرية والزعماء التقليدية.
ما أطمح إليه ويطمح إليه كل مغترب لبناني أن نشاهد احزاباً لبنانية تتقدم إلينا ببرامج انتخابية وخططاً انمائية نختار بينها ما نجده مناسباً فيكون هناك من يحكم وهناك من يعارض ومن يسعى لتحسين أدائه لينال رضى الشعب ويحظى بثقته.
مشكلة لبنان الأساسية تنبع من أن اللبناني ينتخب رجلاً أو امرأة ولا ينتخب حزباً بمشروع واضح وخطط معلنة.
بالنتيجة، قبل أن نعمل على توسيع المجلس واختيار نواب الاغتراب يجب علينا أن نحصل على قانون انتخاب عادل يؤمن العدالة في التمثيل ويؤمن للناخب اللبناني انتخاب من يؤمن فعلاً بأنه قادر على التغيير. وعندها تفتح صناديق الاقتراع للمغترب لينتخب حزبه ومشروعه الذي يعتبر أنه ينتمي إليه ولن نكون عندها بحاجة لنائب مغترب ولا لمقاعد نيابية للمغتربين هدفها كما هو واضح أبعاد المغترب اللبناني عن المعركة الانتخابية الفعلية التي يجب أن تكون في لبنان للوصول إلى التغيير الحقيقي الذي نطمح إليه ونريد.

الدكتور وسيم بكراكي

إختصاصي طب أطفال طبيب تركي لبناني رئيس جمعية الثقافة والصداقة اللبنانية ( توليب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى