مقالات

عسكرة الشارع

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”: 

ثمّة ما يوحي بالقلق، الهجرة تتوسّع، فالكل يهرب الى بلاد الله الواسعة، لم تترك الطبقة السياسية للطبقة الكادحة منفذاً ولا طاقة، سرقت منها كل طموحاتها وأحلامها، حملت الممرّض والطبيب والمعلّم والمهندس وحتى العامل الى ارض مجهولة، باحثين عن وطن يليق بهم، بعيداً من حفّاري قبورهم اليومية.

قصص الهجرة في منطقة النبطية باتت مثل الخبز اليومي، فكل يوم يحزم العديد حقائبهم ويرحلون، غير آسفين على قرارهم. فحين دخلت السياسة عمق أحلام الناس دمّرتها، مزّقت كل شيء “حلو” داخلها. فالسياسة خربت الوطن، اذ لا يختلف اثنان على أن مصيبة هذا الوطن في ان من أتقنوا فنّ السياسة جهلة لا يفقهون لا اصول هذا الفنّ ولا فروعه، وما يحصده الناس فصيلة سيئة السمعة من فصائل الساسة الذين خربوا الوطن ليبنوا عروشهم، اذ بدا واضحاً أن بناء القبلية والاقطاعية لا يقوم الا على تدمير الشعوب.

نعم، نحن في أخطر اقطاعية مرّت على تاريخ لبنان، اقطاعية شفط مدخرات الناس وتعبهم ليبقى الزعيم. فالاقطاعية اليوم قائمة على اسس ثابتة تتمثل بثلاثة عناصر: سرقة المال العام، تعويم الزعيم وتأليهه، وتدمير مقومات الوطن، ثلاثية اوصلت هذا الشعب الى القبر، برضاه طبعاً.

فهذا الشعب، وفق تأكيد كثر، كان يدرك جيدا أن الزعيم بإقطاعيته المحنّكة كان يسرقه ويخطط لتدميره لكي يحافظ على كرسيه. فالارتطام الاقتصادي والمعيشي الذي بدأ قبل اربع سنوات كان يوحي ان الإنفجار قد دنا، ومع ذلك ارتضى بالاقطاعيين يتحكّمون به، فرضوا عليه الضرائب ليحسّنوا رأسمالهم، أوقعوه في العتمة وفي شرك الاشتراك فابتسم، ذلّوه على المحطات وفي المستشفيات وفي الصيدليات ولم يصرخ، اليوم يهاجر ولا يرمي كرة نار الغضب في وجههم. فالمشكلة الحقيقية تكمن في أن المواطن تخلى منذ زمن عن لغة التعبير، ما جعله آلة طيّعة في يد الاقطاعيين.

لا غرابة في الأمر، فالقضية بدأت حين أمسك الاقطاعيون الجدد بعصا الوظائف لتبدأ اللعبة، التي تدحرجت الى ان فرغ البلد من طاقاته المبدعة وتركوا الزعران صنيعتهم يتحكّمون بالشارع، غذّوا الفوضى ودعموها، عززوا السوق السوداء، اسهموا في تقسيم القرى وتعزيز مبدأ شريعة الغاب، فرضوا سلطتهم في تجويع الناس، لكمش البلد وشفط مدخرات الناس.

ليس غريبا أن يهرب الناس الى بلاد العم سام والقارة السوداء وغيرهما بحثا عن امان اجتماعي واقتصادي، فالانهيار الذي أتعبهم دمّر حتى حلمهم بالدراسة. ليس مستغربا ان يصرح مدير احدى الجامعات الخاصة بالقول “قد نعجز عن التدريس هذا العام، فلا انترنت ولا بنزين ولا مازوت ولا حتى امان اجتماعي “فالكل يخشى الفوضى المرتقبة، والثورة ان خرجت من رحم الفقراء لا يمكن لأحد لجمها، وهذا ما يخشاه الكل، حتى الاقطاعيون انفسهم الذين غيروا اسلوبهم ولم يغيروا طباعهم عبر ضخهم المزيد من كراتين الاعاشات وتعزيز ثقافة عسكرة الشارع، كيف يتصادم الشعب مع الشعب نفسه ويقفون في موقع المتفرج.

لا تخفي مصادر مطلعة قلقها من تنامي ظاهرة عسكرة الشارع وفرضية الانقلابات المطروحة، فسيناريو تصادم الناس مع بعضهم البعض مطروح، فهو سيناريو قديم اعيد حبكه من جديد، وتخشى المصادر نفسها ان تتعاظم ظاهرة الهجرة سيما هجرة الادمغة، ويبقى الفقير في مقارعة حارس الاقطاعي، وكلاهما من الطبقة الشعبية، وهو ما يحذر منه كثر ممن باتوا يقلقون من تنامي ظاهرة الفوضى. وتبني المصادر فرضيتها على ما شهده الشارع منذ فترة والاشكالات المتنقلة وظاهرة الجريمة والسرقة، كل ذلك يصب في خانة الاقطاعيين ممّن وجدوا في الأزمات ارضاً خصبة للتحكم برقاب العباد أكثر، وينتحلون صفة المنقذ لهم، اذ تشير المصادر نفسها الى ان معظم مازوت السوق السوداء تحت إمرتهم وهم انفسهم اللاعب الأكبر. وتختم المصادر بالقول: “ان هدف الاقطاعيين تحويل الشعب فئات متناحرة في ما بينها لتتقاتل لصالحهم لتعزيز قوة حضورهم في الشارع، غير أن السؤال البديهي هل يستيقظ الشعب قبل فوات الأوان ام يصبح شعباً مغترباً باحثاً عن وطن جديد؟”.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى