مقالات خاصة

طه عودة أوغلو : ملامح الإنتخابات التركية 2023 .. ما بين المشهد السياسي التركي الحالي والمستقبل

بقلم طه عودة اوغلو

يبدو أن تركيا تتأهب للدخول في منعطف تاريخي هام في مسيرة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان بسبب التوتر والخلافات المتزايدة على جملة من القضايا الداخلية والخارجية بشكل لا يخدم طموحات الحزب الحاكم في التفرد بسدة الحكم في المرحلة المقبلة أو بالأحرى في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة المتوقع إجرائها في منتصف عام 2023.

المتابعون للمشهد التركي وعلى اختلاف توجهاتهم، يتفقون على نقطة أساسية وهي أن إردوغان لا زال يحتفظ بشعبية كبيرة له في البلاد لكن في التفاصيل هم يختلفون حول نسبة هذه الشعبية، وهل هي في صعود أم انحدار.. 

بالنظر إلى استطلاعات الرأي العام الأخيرة، يظهر أن ضغوط أحزاب المعارضة ومساعيها القوية لسحب الأرضية الشعبية الكبيرة من تحت أقدام إردوغان وحزبه الحاكم وجدت فرصتها التاريخية لقلب المشهد السياسي أملا بإنهاء 18 عاما من حكم “العدالة والتنمية” بعد أن تمكنت أخيرا من وضع يدها على الجرح الغائر في صميم الشعب التركي بجملة من المشاكل التي تعيشها البلاد وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية ومفاعليها، وملف اللجوء السوري بكل ما يثيره من حساسية شديدة حتى لدى أكثر الناس تطرفا وتأييدا للحزب الحاكم.

بالتالي، يدرك إردوغان جيدا أنه ملزم بمواجهة هذا الأمر الواقع الذي لا يستطيع تجاهله بأي حال من الأحوال نظرا لما يشكله من إرباك سياسي لحزبه، ولأن خصومه من الأحزاب السياسية يركزون أيضا على هاتين النقطتين بالذات، ويستغلون قوة تحالفهم الانتخابي بكل الوسائل لتهديد رئاسته والإطاحة به في الانتخابات التي ستجري في فترة زمنية تقل عن عامين، وترى أنها ستكون “حاسمة” في إعادة رسم التركيبة السياسية في البلاد.

وإلى جانب المشاكل الداخلية التي يتحتم معالجتها بشكل عاجل، يرى المراقبون أن إردوغان حاليا يقف أمام اختبار سياسي أهم لقوته إذ أن المعركة الانتخابيةالتي يخوضها هذه المرة مختلفة تماما عما كان عليها في السابق (مع المعسكر العلماني)، فهي معركة مع أحزاب خرجت من رحم “العدالة والتنمية” الحاكم، ووجوه تدرك جيدا نقاط الضعف والقوة بداخل الحزب على غرار حزب “المستقبل” بزعامة أحمد داود أوغلو،وحزب “الديمقراطية والتقدم” بزعامة علي باباجان.

خطورة هذين الحزبين لا تكمن بزعيميهما (داود أوغلو وباجان) على اعتبار أن استطلاعات الرأي تؤكد بأنهما لم ولن يصلا في أي حال من الأحوال لمرحلة منافسة إردوغان على الأقل في الكاريزما الفريدة التي يتمتع بها لكن الخطورة تتجلى في استنزافهما لشريحة غير قليلة من أعضاء حزبه ومن رصيده الشعبي خصوصا أن وسائل الإعلام تحدثت عن الخلافات ما زالت موجودة داخل الحزب الحاكم بين تيارات مختلفة وهو ما يخدم بطبيعة الحال هدف الأحزاب المعارضة الأكثر ثقلا مثل “الشعب الجمهوري” العلماني، و”الخير” القومي، و”الشعوب الديمقراطية” الكردي.

 خلال الأسابيع الماضية، نجح إردوغان بإحراز هدف نظيف في مرمى خصومه إذ استطاع بسرعة فائقة إشغال الرأي العام بقضايا خارجية مثل الملف الأفغاني بينما مرّر في نفس الوقت قانونين من البرلمان يخدمان أهدافه الانتخابية المستقبلية للبقاء في السلطة لغاية عام 2029، ويضيق الخناق على أحزاب المعارضة وجعلها تلعب  في مساحة ضيقة لا تتجاوز محاولات إقناع المواطنين الأتراك بعدم التصويت لحزبه. 

في المحصلة، يمكن القول إن المنافسة بين إردوغان الذي لم يُهزم في أي انتخابات منذ عام 2002،والمعارضة التي شجعها انتصارها في انتزاع عدد من البلديات الكبرى لا سيما “اسطنبول” والعاصمة “أنقرة” في مارس/آذار 2019، ستكون شديدةوصعبة.. صحيح أن استطلاعات الرأي تقول إن فرص احتفاظ حزب “العدالة والتنمية” بالسلطة في الحقبة المقبلة على الرغم من تراجع شعبيته “قوية” طالما لا وجود لمنافس سياسي حقيقي قادر على تهديد حصونه في الحكم والإدارة لكن يبدو أن الشارع التركي لن يعرف الهدوء على المدى القريب فيما يبقى الخوف الأكبر من وقوع صدام بين المعسكرين المؤيد لإردوغان والمعارض له ما قد يدخل البلاد في أزمة حادةسيصعب تجاوزها بسهولة.

باختصار ثمة العديد من المؤشرات التي تفيد باحتمال حصول تغيرات نوعية مفاجئة وكبيرة في المشهد التركي على الصعيد الداخلي ما يؤكد بأن العام المقبل سيكون ساخنا جدا لا سيما أن الخطوات التي ستتخذها الحكومة في الأشهر القادمة ستكون كفيلة برسم ملامح المرحلة المقبلة والتي من شأنها أن تكون مصدر للقوة أو للضعف بالنسبة للحزب الحاكم.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى