عون يتهرّب من مسؤولية التعطيل ويحاول تجنّب العقوبات
كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون امام نائبة وزير الخارجية الإيطالية بالأمس، بأن «تشكيل الحكومة الجديدة من أولوياته في عمله السياسي حالياً»، يتعارض كلياً مع تعاطيه السياسي وممارساته السلبية النافرة مع هذه المسألة المهمة والضرورية منذ تكليف الرئيس سعد الحريري بمهمة تشكيلها قبل أشهر عديدة، ولا يتطابق مع مقاربته لخطورة الازمة التي يواجهها لبنان أو تحسسه لمعاناة وآلام المواطنين ومعاناتهم مالياً واقتصادياً ومعيشياً، بل ركز اهتماماته وحصرها بتقديم مصالحه العائلية والشخصية على المصلحة الوطنية العليا للبنانيين عوماً. فماذا استجد ليصبح موضوع تشكيل الحكومة الجديدة من أولويات رئيس الجمهورية حالياً؟
من المعلوم انه على مدى الأشهر الماضية لم يكن رئيس الجمهورية وفريقه السياسي يتقدمه صهره النائب جبران باسيل متحمساً لتسمية الحريري رئيساً للحكومة الجديدة، وبدلاً من تسهيل تسريع تشكيل الحكومة لإنقاذ البلد من الانهيار، استناداً للمبادرة الفرنسية وتجاوباً مع مطالب النّاس، انتهج عون خطة مضادة، ترتكز على أمرين، الأوّل استغلال صلاحيات رئيس الجمهورية بالتوقيع على مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، لاعاقة وتعطيل أي تشكيلة وزارية يتقدّم بها الرئيس المكلف، مهما كانت متوازنة ومقبولة، تحت حجج وذرائع ملفقة ومعدة سلفاً لهذه الغاية، تبدأ من التذرع بحقوق المسيحيين، صلاحيات الرئيس، وحدة المعايير ولا تنتهي بالتلطي بالميثاقية المزعومة وما شابه، وبالطبع مترافقة مع كل الخطوات المنفرة كتسريب التسجيل المفخخ لرئيس الجمهورية الذي يتهم فيه الرئيس المكلف بالكذب وغير ذلك لقطع الطريق عليه وحمله على الاعتذار عن التأليف.
اما الأمر الثاني الذي انتهجه رئيس الجمهورية للاستعاضة عن تأليف الحكومة الجديدة، القيام بما يمكن لإعادة تعويم الحكومة المستقيلة، تارة بذريعة تسيير الأعمال الملحة والطارئة وتارة أخرى تحت مقولة الضرورات تبيح المحظورات وما شابه. ولما فشلت كل هذه المحاولات المكشوفة بعد رفض رئيس الحكومة المستقيلة التجاوب مع رغبة رئيس الجمهورية لتعارضها مع الدستور كلياً، أو لاستيائه من ممارسات العهد الذي حامت حوله الشكوك بأنه كان وراء الادعاء عليه قضائياً بملف انفجار مرفأ بيروت، استعاض عون عن تعويم الحكومة المستقيلة، بترؤس اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع دورياً واتخاذ قرارات بعضها من صلاحيات مجلس الوزراء حصراً، بالتوازي مع ترؤس اجتماعات عمل وزارية متنوعة ليست من صلاحياته الدستورية.
لم يقتصر التعاطي الرئاسي مع مسألة تشكيل الحكومة من منظار ثانوي وبهذا المستوى من اللامبالاة فقط، بل لوحظ تغييبه عن لقاءات رئيس الجمهورية مع أكثر من مبعوث وزائر دولي على مستويات رفيعة كما حصل في الأشهر الماضية، وكانت مواضيع التدقيق الجنائي وشعارات مكافحة الأموال المهربة إلى الخارج والاصلاحات الجوفاء تتقدّم عليه، ما يدل بوضوح على ان هذا الموضوع لم يحظ بالاولوية المطلوبة.
ما استجد حالياً، ليعود إلى أولويات رئيس الجمهورية كما صدر في موقفه المستجد امام نائبة وزير الخارجية الإيطالية في هذا الوقت بالذات، مرده إلى محاولة الرئاسة الأولى التملص من مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة بعد ان تبين للداخل والخارج مدى انغماسها في هذه المسؤولية التي لم تستطيع التهرب منها بعد جملة وقائع وممارسات مثبتة لم يعد بالإمكان التملص منها ومحاولة إلقاء هذه المسؤولية على الرئيس المكلف امام الدول الأجنبية وحصراً الأوروبية خلافاً للواقع وبشكل غير مباشر ولتلافي ما يعد في أروقة الاتحاد الأوروبي من عقوبات وتدابير واجراءات ضد كل السياسيين اللبنانيين والمسؤولين المتهمين بتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة.
والاهم أيضاً، فشل كل السيناريوهات والخطط الموضوعة من قبل فريق رئيس الجمهورية، لقطع الطريق على الرئيس المكلف لحمله على الاعتذار، إن كان باستغلال واستعمال الصلاحيات الرئاسية في غير موضعها الدستوري وللمصلحة العامة، أو بالتمويل لترشيح شخصيات سنية مغمورة، لا وزن سياسياً أو شعبياً تحظى به، بينما لم يستطع اغراء شخصيات سياسية وازنة للتجاوب معه للترشح لرئاسة الحكومة بدلاً من الحريري، بعدما فشل في كل محاولاته المستميتة لابطال تكليف الأخير نيابياً وسياسياً أو اختراق التأييد والثقة الممنوحة له خارجياً على كل المستويات ليستمر في مهمته لتشكيل حكومة مهمة استناداً الى المبادرة الفرنسية.
يبقى أي موقف يعلنه رئيس الجمهورية بخصوص أولوية تشكيل الحكومة الجديدة على ما عداه من مواضيع وملفات أقل أهمية، غير ذي معنى ومحدود الفاعلية، إذا لم يستتبع بخطوات سريعة وملموسة على الأرض، تترجم فعلياً مضمون الأولوية في تشكيل الحكومة، والا سيضاف هذا الموقف إلى عشرات المواقف والوعود التي أعلنت في مناسبات معينة ولغايات محددة لامتصاص نقمة الرأي العام بالداخل واستهلاك مزيد من الوقت بلا طائل، أو للتهرب من مسؤولية تعطيل وعرقلة تشكيل الحكومة الجديدة، ولكن هذه المرة بلا جدوى.