مقالات القُرّاء

حرب الغاز

كتب هادي مشموشي في موقع قلم سياسي

بداية علينا ان نعلم مدى اهمية شرق حوض البحر المتوسط وما يحتويه من كنوز مدفونة في اعماق بحاره، مخزون هائل من الغاز والنفط كان محظور على الدول التي تقع تلك الكنوز داخل مياهها الاقليمية استخراجها بحجة انها لم تكن جاهزة لناحية البيئة القانونية، الاقتصادية والسياسية المناسبة لاستثمار الثروات قبالة سواحلها، بينما الحقيقة انها مُنِعت لاهداف استراتيجية حددتها الدول الكبرى وأهمها ابقاء مخزون من الطاقة للمستقبل.

تقع اهمية شرق حوض البحر المتوسط الجيوبوليتيكية للمنطقة الأوسع التي تحتوي على ما يقرب من 122 تريليون م3 أي حوالي 36% من احتياطي الغاز في العالم, بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط، كل ذلك قبالة سواحل سوريا، لبنان، إسرائيل، غزة وقبرص من جهة، من جهة أخرى انفتاح البحر المتوسط على تقاطع آسيا وأوروبا وإفريقيا، واتصاله بطرق التجارة العالمية عبر مضائق السويس، البوسفور وجبل طارق.

الصراعات القائمة حول غاز هذه المنطقة في أوجه وتتداخل فيه عدة دول عظمى، وله ابعاد اقتصادية، سياسية و أمنية، بطبيعة الحال هو صراع طويل، معقد ومتشعب, وغير متوقع النتائج والتداعيات خاصة على دولة ضعيفة مهترئة ينخرها الفساد والتبعية مثل لبنان.

لن اتطرق في هذا المقال للمشاكل والصراعات فيما بين جميع دول شرق حوض البحر المتوسط، كاليونان وقبرص، او اسرائيل، غزة ومصر، بل سوف اتطرق لما يعنينا مباشرة كلبنانيين من المفترض اننا نبني آمالًا كبيرة واحلام لا حدود لها على استخراج خيرات مياهنا الاقليمية كأمل أخير للخروج من مستنقع الازمات الاقتصادية التي عصفت بنا على مدى عقود طويلة، ولكن لسخرية القدر ، حتى ما يُفترض انه نعمة تحول الى نقمة لحد كبير بسبب اطماع الدول الكبري بغازنا و نفطنا ومدى التجاذبات التي سوف يتسبب بها هذا الملف على لبنان وشعبه من جهة وهو ما نشهده الآن، وفساد الطبقة الحاكمة و تبعية كل طرف في الداخل لمحور يناقض الآخر في السياسات والمصالح، المشاريع والمخططات.

بالعودة الى ما يعنينا كلبنانيين، هو الصراع على الغاز والنفط بين لبنان و اسرائيل جنوبًا، لبنان وسوريا شمالًا والى ماذا سوف تنتهي بنا المفاوضات جنوبًا وشمالًا وكم من المساحة التي سوف تُستقطع من حقولنا بسبب ضعفنا كدولة وما اوصلنا اليه زعماء هذا البلد و أمراء حربه وفساده.

ناهيك عن اطماع اسرائيل في لبنان و اصرارها على موقفها فيما يخص المربعات رقم 10/9/8 خاصة المربع رقم 9 حيث يوجد هناك موارد طبيعية هائلة من الغاز والنفط، ومحاولة اسرائيل استقطاع حوالي 850 كم2، يتعرض لبنان الى اطماع الاتحاد الاوروبي المتمثل حاليًا بفرنسا من جهة، و اطماع الروس من جهة اخرى وهي الأشد خطورة برأيي على لبنان، حسب المعطيات وتاريخ موسكو في التعاطي مع المسائل التي تتعلق بمصالحها الاقتصادية، ابسط المطلعين يعلم ان النظام الروسي يأخذ ولا يعطي، يفرض ما يريده بالقوة او التلويح بها.

الاتحاد الاوروبي وبعد تدهور العلاقات مع روسيا يسعى جاهدًا لموطئ قدم في لبنان من اجل تنويع المصادر، والبحث عن مصادر جديدة للغاز، ولا يبقى مصير دول الاتحاد الاوروبي متعلق بروسيا بشكل كلي، خاصة دول شرق وجنوب اوروبا، لذلك تسعى فرنسا بكل ثقلها للعودة الى الساحة اللبنانية، وكان تفجير المرفأ بغض النظر ان كانت صدفة ام لا، سوف اتطرق لهذا الملف في مقال منفرد ومفصل، الحُجة المباشرة التي دخلت من خلالها فرنسا من جديد الى لبنان ومن الباب العريض، عبر الشعارات الرنانة كالاصلاحات، تشكيل حكومة انقاذية، مساعدة لبنان وانتشاله قبل الانهيار، بينما الواقع يقول عكس ذلك، فهي ليست مهتمة الا في مصالحها الاقتصادية الاستراتيجية، وما كانت زيارة ماكرون بعد ساعات من الانفجار الا لإبتزاز السلطة عبر امتصاص غضب الشارع وانقاذها من براثنه بسبب الغضب العارم الذي اعقب التفجير، ثم اعادة تعويمها عبر الاجتماع مع جميع الفرقاء واعطائهم دور جديد عبر كذبة المبادرة الفرنسية الوهمية، بعد ان كان على وشك ان ينتهى دور الطبقة الحاكمة بسبب تفجير المرفأ، ولم تزل فرنسا حتى يومنا هذا تمارس نفس اللعبة مع تبديل الادوار والاسلوب وشراء المزيد من الوقت لسلطة امعنت طوال عقود في سرقة واذلال شعبها، قمعه و ترهيبه عبر ميليشياتها وبعض اجهزتها الامنية والقضائية التي تحولت بدورها الى مافيات وسيف بيد السلطة فوق رقاب الشعب، وبعد مرور اشهر طويلة وعدم تمكنها من حسم معركتها السياسية في لبنان مع حفنة من المهرجين على الساحة السياسية اللبنانية بدأت بالتلويح بالعقوبات للضغط والاسراع في تشكيل الحكومة التي تطمح بها خاصة بعد تكشير الدب الروسي عن انيابه و أطماعه في لبنان، وما العرض الذي تقدمت به المانيا لاعادة اعمار المرفأ ومحيطه الا جزء من خطة الاتحاد الاوروبي للسيطرة على السواحل اللبنانية أمنيًا و اقتصاديًا، ومن جهة أخرى تسعى الولايات المتحدة ايضًا لأخذ حصتها، ولا يخفى على أحد ان واشنطن لا ترضى بالقليل، وما الاخبار التي تتحدث عن نيتها في بناء قاعدة عسكرية على السواحل اللبنانية وتحديدًا البترون التي تقع عند البلوك رقم “٤” الذي يحتوي على الحصة الأكبر من الغاز، الا دليل على اطماعها ايضًا.

بالنسبة لروسيا، وبالرغم من امتلاكها للغاز وسيطرتها مؤخرًا على السواحل السورية، بالإضافة الى تحالفها مع تركيا التي تبدأ عام ٢٠٢٢ في استخراج غازها أيضًا، الا انها تسعى للسيطرة على الحصة الأكبر من الغاز اللبناني واستمرار احتكارها لأغلب السوق الأوروبية، لن تسمح بأي شكل من الاشكال لدول الاتحاد الاوروبي وشركاتها من وضع يدها على ما تحتويه المياه الاقليمية اللبنانية من غاز ونفط.
روسيا التي لم تعير لبنان اي اهتمام لطوال سنوات بالرغم من الازمات التي مر بها طوال عقود، فجأة بدأ اهتمامها في لبنان، و بدأت بالتدخل في تفاصيل السياسة اللبنانية ولم تجد افضل من حزب الله كي يكون بوابتها للدخول الى الساحة اللبنانية، ولم يكن تعيينها لسفير فوق العادة ذو صلاحيات واسعة لها في لبنان الا خير دليل على انها تخطط لمرحلة جديدة وطويلة الأجل في الداخل اللبناني، ومن غير المتوقع حتى اللحظة القنوات التي سوف تسلكها موسكو للوصول الى مبتغاها.

بسبب جميع تلك المعطيات، لست مع ما يشاع عن تسليم لبنان كليًا لإيران، بل أرجح رغبة الدول العظمى في تقسيم لبنان فيما بينها، لذلك نسعى نحن، كدعاة لتطبيق الفيدرالية جاهدين لإنقاذ لبنان من شبح التقسيم وإيجاد الحلول لادارة تعدديتنا وحل مشاكلنا التي لم نتمكن من حل أيٍ منها خلال مائة عام من الفشل بسبب هرطقة سياسية اسمها نظام سلطة مركزية لادارة التعددية.
بناء على ما تقدم، علينا أن نبادر وبسرعة الى احداث تغيير جذري في نظام الحكم، وإلا سوف نستمر وكما جرت العادة، الإنتظار من غير حول لنا ولا قوة، مشاهدة ما سوف تؤول اليه الامور ونتائج صراعات الدول الكبرى حول مصالح لبنان السيادية ومستقبل شعبه الذي يعاني في كل لحظة من تبعات نظام الحكم المركزي من جهة، ومن جهة أخرى سوء اختياره لحكامه وعدم رغبة او قدرة جزء كبيرمنه من احداث أي تغيير.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى