مقالات

ماذا لو حكم «الحزب» كل لبنان وحده؟

كتب عماد الدين أديب في موقع “الشرق” :

هناك منهج في التحليل السياسي هو «منهج الافتراضات» بمعنى «ماذا لو؟» من أجل اختبار مدى صحة الاحتمالات.
بهذا المنهج نسأل: هل يمكن أن ينجح مشروع ولاية الفقيه على مساحة البلاد البالغة ١٠٤٥٢ كلم؟
حتى نضع هذا الاحتمال موضع الاختبار يجب أن نضع له الشروط والاحتمالات المؤاتية التي يمكن أن تجعله مطروحاً للتطبيق.
الشروط، لو تخيلناها- من وجهة نظري- ستكون على النحو التالي وكلها افتراضية وخيالية:

أولاً: انهيار أسس الدولة في لبنان التي قامت على مبادئ عام ١٩٤٣، والدستور المعمول به، ومبادئ الطائف والدوحة.
ثانياً: سيطرة التيار الموالي للمشروع الايراني – السوري في لبنان وحصوله على الاغلبية المطلقة في البرلمان.
ثالثاً: قبول السنّة والدروز والقوات والكتائب بقوة حزب الله المتغلبة.
رابعاً: قبول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة باعتبار لبنان ولاية إيرانية تتبع طهران وذلك ضمن اتفاق تقسيم نفوذ ومقايضة سياسية تنتج عن الاتفاق النووي وما بعده.
خامساً: تسليم بكركي ودار الفتوى والمطران عودة بسيادة وغلبة حزب الله.
سادساً: أن يكون رؤساء السلطات الثلاث تابعين تماماً لحزب الله.
سابعاً: توقف دول الخليج عن التدخل بالضغط أو المال السياسي على لبنان و»غسل اليد» تماماً من الملف اللبناني وترك ايران والحزب يفعلان ما يريدانه.
ثامناً: عودة النظام الامني السوري بشكل جديد للإمساك بمفاصل الدولة في الامن والجيش.
تاسعاً: سيطرة حزب الله على مناصب قيادة الجيش، وحاكمية المصرف، وأعلى السلطات الدستورية والقضائية.
عاشراً: السيطرة الأمنية الكاملة غير المستترة لقوات حزب الله وانتشارها على كافة الطرق والمفارق والمرافئ والمطار بحيث يصبح الامن كله بكافة فروعه وفصائله بإمرة حزب الله.

هذا التصوّر، يقوم على فرضية المنتصر الكامل وهو حزب الله في مواجهة الخاسر الكامل وهو كافة القوى المناقضة للحزب.
هذا التصوّر يضع احتمالاً لم يحلم به الحزب نفسه، ولكن دعونا نصل بتخيّل هذا الامر الى منتهاه بمعنى المتصور وما لا يخطر ببال، أي غير الممكن والمستحيل ثم نرى لو حدث كل ذلك بالضبط، كاملاً، فهل ينجح حزب الله في إدارة لبنان كولاية إيرانية تتبع مشروع ولاية الفقيه؟
سماحة السيد حسن نصرالله له تصريح علني شهير يفتخر به ردده مرات عدة يقول فيه «أفتخر وأتشرّف بأنني أتبع مشروع ولاية الفقيه»، وهذا حقه لا ينازعه فيه أحد.
هنا يصبح السؤال: إذا انهار الجميع، ورفع الجميع الراية البيضاء، وأصبح حزب الله بقواته ومؤسّساته وعلاقاته وسلاحه وصواريخه هو القابض والمسيطر الكامل على كافة مفاصل الحكم في لبنان فهل ينجح في إنقاذ الدولة وتحقيق الامن والاستقرار والخدمات والحريات؟
تعالوا نتخيّل صبيحة اليوم الذي يدخل فيه ممثلون حزب الله مكاتب رئيس الجمهورية في بعبدا، ومكتب رئيس الحكومة، ومكتب رئيس البرلمان، ومكتب قيادة الجيش، ومكتب حاكم مصرف لبنان، ومكتب رئيس المجلس العدلي الأعلى فكيف سيديرون شؤون البلاد ويحققون أحلام العباد؟ وينقذون الشعب اللبناني الصبور؟
سوف يصبح على الحزب ان يتعامل مع اقتصاد تعدّى فيه الدين العام ما يزيد عن مائة مليار دولار، وسوف يصبح عليه أن يعيد ودائع ومدخرات اللبنانيين، ويصبح عليه سداد ٥.٥ مليار «يورو بوند» تم التخلف عن سدادها.
سوف يصبح على الحزب إنقاذ الليرة المسكينة مقابل الدولار.
وسوف يصبح على الحزب أن يقنع ١٦.٥ مليون مغترب لبناني بتحويل أموالهم للبنوك اللبنانية.
وسوف يصبح على الحزب أن يقنع السياح العرب بالعودة الى السياحة في دولة ولاية الفقيه.
وسوف يصبح على الحزب أن يقنع «بابا روما» و»شيخ الأزهر» ان الموارنة والسنّة في لبنان «بخير ويعيشون مواطنة متساوية مع إخوانهم الشيعة».
وسوف يصبح على الحزب تغيير نظام تسليح الجيش والشرطة من النظام الاميركي والفرنسي الى نظام تسليح إيراني.
وسوف يصبح على الحزب إقناع شركات البترول والغاز العالمية بالاستثمار في الـ١٥ حقلاً للغاز قبالة السواحل اللبنانية.
وسوف يصبح على الحزب إقناع شركاء مؤتمر «سيدر» بدفع ١٢ مليار دولار بناء على تعهداتهم السابقة لحكومة يسيطر عليها حزب الله.
وسوف يصبح على الحزب أن يضمن الكهرباء ٢٤ على ٢٤ لكل البيوت والمصانع والمنشآت، وتوفير البنزين والمازوت في كل المحطات، وضمان وجود الأدوية في الصيدليات.
سوف يصبح على الحزب توفير الطبابة في المستشفيات، ودعم المدارس وتوفير القرطاسية.
سوف يصبح على الحزب إدارة الاتصالات والنقل وطيران الشرق الأوسط والكازينو ومرافق المياه والصرف الصحي والبنية التحتية بالكفاءة المطلوبة، ناهيك عن ضرورة تجديدها.

سوف يصبح على الحزب ضمان نجاح البطاقة التمويلية لمائة ألف عائلة في لبنان.
سوف يصبح على الحزب إقناع جامعة الدول العربية أن لبنان دولة عربية مستقلة.
سوف يصبح على الحزب أن يقنع منظمات المجتمع المدني بأنّ لبنان سيّد حر مستقل.
سوف يصبح على الحزب أن يقنع ثوار ٢٠١٩ ان الحكومة والحكم من المتخصصين غير الحزبيين الأكفاء الشرفاء.
وسوف يصبح على الحزب أن يقنع أسر شهداء مرفأ بيروت أن لا علاقة له بالمتفجرات المخزنة فيه.
سوف يصبح على الحزب أن يقنع الرأي العام بأنه لا سفن تحمل نيترات الأمونيوم شديدة الانفجار في المرافئ، ولا توجد صواريخ ومواد كيماوية في الجنوب، ولا عمليات تهريب للمواد الاساسية عبر الحدود مع سوريا.
سوف يصبح على الحزب أن يقنع شباب وشابات لبنان الذين أشار تقرير إحصائي الى «انهم الاكثر في شباب العالم العربي تفكيراً في مغادرة البلاد، وأنّ ٧٧٪ منهم (حتى الآن) يفكرون في الهجرة.
سوف يضطر الحزب الى إيقاف نزيف طلب استخراج جوازات سفر والتي بلغ عددها منذ بداية العام ٢٦٢ ألف جواز بزيادة ٨٢٪ عن العام الماضي!
سوف يضطر الحزب للصمود في الحكم ١٢ عاماً حتى يعود بالاقتصاد الى ما كان عليه عام ٢٠١٧ حسب تقرير البنك الدولي!
وسوف يصبح على الحزب حل مشكلة البطالة التي وصلت حتى كتابة هذه السطور الى ٥٥٪ (على أقل تقدير)، وأن ٦١٪ من الشركات العاملة في لبنان قلّصت ٤٣٪ من موظفيها الثابتين.
وسوف يصبح على الحزب السيطرة على أسعار السلع والمواد الغذائية التي ارتفعت ٦٥٠٪.

أخطر ما في الأمور سوف يتعيّـن على وسائل الإعلام الموالية للحزب أن تسوّق للمجتمع اللبناني نموذج ولاية الفقيه في جمهورية إيران الاسلامية، وأن تبرّر له بعض الأمور المستحيلة التسويق وغير الممكنة للتبرير المنطقي مثل:
١- ان ايران تحتل المركز ٦٤ من ٦٦ دولة هم الأسوأ عالمياً في مؤشر حقوق الانسان، أي ان سجلها أفضل من دولتين فقط.
٢- انها تنافس الصين في معدّل الاعدامات (لاحظ الفارق بين تعداد البلدين).
٣- ان المرأة بحكم الدستور الايراني يصعب عليها تولي المناصب القيادية حيث ان الدستور ينص على أن تكون الوظائف العليا في الدولة حكراً على الرجال.
٤- ان معدل بطالة النساء في ايران يبلغ ٣٤٪ وهي ما يعرف «بأنوثة البطالة» هناك.
٥- انه في ظل الحكم الاسلامي فإنّ ٧٥٪ من النساء (على الاقل) حسب التقارير الايرانية تعرّضت للتحرش الجنسي والمضايقات في الشوارع.
من هنا سوف يصبح على الحزب إقناع الشعب اللبناني المنفتح على العالم الغربي، سليل المهاجرين في الغرب، متعدد الثقافات واللغات الاجنبية أن يعيش داخل مناطقه المنفتحة كما يعيش أهل الضاحية الجنوبية (مع شديد احترامنا لهم ولاختياراتهم).
سوف يصبح على الحزب أن يفرض «لايف ستايل» متشدد في السلوك والازياء والحرية في أنواع الفنون والموسيقى والغناء وأماكن الترفيه.
هذا بعض من كل ما يمكن أن يواجهه حزب الله إذا ما حكم وحده دون سواه وأمسك بكافة مفاصل الدولة من الشمال الى الجنوب ومن الجبل الى الساحل.
إذا كان حزب الله يدرك أنه لا يستطيع وحده مهما كانت قواه في الداخل والخارج حكم البلاد فعليه أن لا يعطل مشروع التوافق ويراهن على مشروع الدولة الوطنية التوافقية.
وإذا كانت قيادة الحزب تؤمن بالفعل انها قادرة على تحقيق معجزة حل كل مشكلات لبنان وحدها دون غيرها فكما يقولون في لبنان «صحتين على قلبه» أو بالأصح «صحتين على حزبه».

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى