مقالات

بارود : إرباك وتنازع بالإختصاص

كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن” 

جاء كتاب، أو ردّ، الأمانة العامة لمجلس النواب إلى النيابة العامة التمييزية حول ورقة إحضار رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب التي أرسلها المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، ليؤكد حصول مزيد من التعقيد والتشابك والإرباك في ملف التحقيق في انفجار المرفأ، وليطرح الكثير من الأسئلة حول مصير هذا الملف بسب التداخل في ما بين السياسي والقانوني والدستوري.

ففي الشق القانوني والدستوري، يقول ردّ مجلس النواب إن “ورقة الإحضار إجراء لا يعود إختصاصه إلى القضاء العدلي وفقاً للمواد 70 – 71- 80 من الدستور ووفقًا للقانون 13/90 (المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء) وهو موضوع ملاحقة أمام المجلس النيابي تمهيداً للسير بالإجراءات اللازمة”. ما يعني أن لا قيمة قانونية لإجراء القاضي بيطار بحق دياب، الذي استند إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية، وقطع الطريق على احتمال صدور مذكرة توقيف غيابية بحقه. كما يعني أن ردّ المجلس ينسجم مع موقفه لجهة عريضة الإتهام المقدّمة أمامه في هذا الملف والتمسك بتفسير المادة 70 من الدستور، لجهة الإختصاص أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. كذلك يعني ان النقاش ما زال في الشكل ولم يصل إلى المضمون في هذا الملف، وان هناك الكثير من الأسئلة التي لا أجوبة عنها، حتى لو سلك الملف مسار المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

ولم يتفاجأ الخبير الدستوري والقانوني الوزير السابق زياد بارود بردّ الأمانة العامة لمجلس النواب، فهو يتقاطع مع العريضة النيابية المقدّمة أمام المجلس لجهة القول بأن القضاء العادي ليس صاحب الإختصاص للملاحقة في هذا الملف.

ويؤكد بارود في حديث لـ”نداء الوطن” أن “الجدل سيبقى قائما لجهة تفسيرالإخلال بالواجبات الوارد في المادة 70 من الدستور رغم صدور رأي سابق عن محكمة التمييز بهذا الشأن، وبالتالي فهناك من يتمسك بتفسير الإختصاص أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.

ويلفت إلى أن “العنوان الأدقّ لهذا الملف هو الإرباك لأن المحقق العدلي يبقى صاحب الإختصاص طالما لم يحصل أي شيء آخر، وحتى لو تمّت الإحالة أمام المجلس الأعلى سنصبح أمام التنازع الإيجابي في الإختصاص، بمعنى وجود محكمتين لنفس القضية والملف، وفي هذه الحالة وفي القضاء العدلي هناك محكمة حل النزاعات التي تبتّ وضعاً كهذا، وهي محكمة عليا ولها أصول خاصة، ولكن ليس واضحا إذا كانت تستطيع التدخل والبتّ في هذا الملف لأن ليس هناك سوابق مشابهة”.

ويشير بارود إلى أن “النقاش لا يزال في الشكل وفي جهة الإختصاص وليس في المضمون، وهناك الكثير من الأسئلة التي يمكن طرحها حتى لو سلكت العريضة النيابية مسارها وتمّ تشكيل لجنة تحقيق برلمانية ومنها هل سيتأمن الثلثان من أجل الإتهام؟ وكذلك ما هي آلية إحتساب الثلثين، هل على قاعدة الـ128 أي 86 نائبا أم على قاعدة أن عدد أعضاء المجلس حاليا هو 117؟ وهذا ما يجري بحثه في الكواليس”.

ويؤكد أنه مع إلغاء الحصانات كلّيا، وهو يذهب أبعد من إقتراح تعليق المواد الدستورية والقانونية الذي تقدم به الرئيس سعد الحريري وكتلته، ليطالب بإلغاء المواد الدستورية المتعلقة بالحصانات وبالتالي إلغاء المجلس الأعلى، لكنه لا يعتقد ان هذا المسار سيسلك طريقه لأن المشكلة هي في شمول الإقتراح المادة 60 المتعلقة بحصانة رئيس الجمهورية.

ويتولى قانونيا المحامي العام التمييزي الناظر في القضية القاضي غسان الخوري تنفيذ المذكرة بحق دياب بالطلب من الضابطة العدلية التي يُحددها أن تحضره من منزله أو من السراي الحكومي.

والإحضار يعني قانونا تكليف قوة مسلحة بإحضار الشخص الوارد إسمه في الورقة إلى دائرة المحقق العدلي لأجل إستنطاقه وإستجوابه، ويمكن عند الإقتضاء الإستعانة بالقوة المسلحة الموجودة في أقرب مكان لإنفاذ الورقة النافذة في جميع الأراضي اللبنانية، وعلى الضابط العدلي إحضار الموقوف بمهلة أقصاها 24 ساعة تحت طائلة المسؤولية.
كذلك فإن النيابة العامة ملزمة بالتنفيذ قبل 24 أو 48 ساعة من يوم الجلسة، وفي هذه الحال تطلب عادة من قوى الأمن الداخلي، كضابطة عدلية، القيام بالمهمة.

إلا أنه وبعد موقف مجلس النواب، تستطيع النيابة العامة التريث بالردّ كون الملف موضع ملاحقة أمام مجلس النواب صاحب الإختصاص وفق ردّ الأمانة العامة.

وفي الشق القانوني والقضائي، هناك أسئلة حول إزدواجية المعايير وكيف يتطلب ملاحقة موظف من الفئة الخامسة أخذ الإذن بالملاحقة ولا يحتاج إستجواب رئيس الحكومة إلى هذا الإذن؟ ولماذا إستدعاء حسان دياب إلى التحقيق كمدّعى عليه مع وزراء سابقين وليس رئيس الجمهورية “الذي كان يعلم”، ومعه وزراء الدفاع والعدل السابقون والحاليون؟

أما في الشق السياسي، فقد بدا واضحاً رفض ورقة الإحضار بحق دياب من قبل رؤساء الحكومات السابقين الذين وصفوا إجراء المحقق العدلي بأنه”إعلان مفضوح عن إدارة ملف التحقيق العدلي من أروقة قصر بعبدا”، كذلك مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي ربط بين الرئاستين الأولى والثالثة عندما قال: “موقع رئاسة الحكومة لا يقل أبداً أهميةً وقدراً عن أي موقع رئاسي آخر، وإحترامه واجب والتصويب على رئيس حكومة تصريف الأعمال، الدكتور حسان دياب أمر مستهجن، وغريب عن أصول التعامل والتخاطب مع رئاسة الحكومة”.

وجاء في نفس السياق البيان الذي صدرعن “اللقاء التشاوري” الذي رأى أن إصدار مذكرة إحضار بحق دياب يشكل سابقة خطيرة ولم يكن بيطار ليجرؤ عليها لو كان دياب أميراً من أمراء الطوائف، كما أن إتهام رئيس مجلس الوزراء بارتكابه الخيانة العظمى أو الإخلال بالواجبات المترتبة عليه خلال ممارسته عمله، لا يمكن أن يصدر إلا عن مجلس النواب حسب المادة 70 من الدستور اللبناني”، كذلك وصف أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله “التحقيق بالمسيّس والإسنتسابي، وموقف المحقق العدلي فيه إستضعاف لرئيس الحكومة حسان دياب، واستهداف للموقع وهذا مرفوض ومدان”.

في الخلاصة، سيبقى هذا الملف معلّقا ما بين القانوني والدستوري من جهة والسياسي من جهة أخرى طالما أن البلاد تُدار بهذه الطريقة التي لا تحترم القانون والدستور.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى