مقالات خاصة

كارهون لأهل البيت…

كتب الشيخ الدكتور محمد نقري

سُئل أمام وفد غير إسلامي عن كرهه للطائفة السنية، فقال بأن ثمة تشابه كبير بين السيد المسيح والإمام الحسين.

كنت أظن ذكائه التاريخي أوثق من ذلك، فثورة الإمام الحسين عليه السلام لم تكن ضد الطائفة السنية حيث لم يكن بعد لا سنة ولا شيعة، وحتى عندما ابتدأت ملامح ما سيسمى لاحقاً بأهل السنة والجماعة، لم يكونوا طائفة بل كانوا من مشارب عدة : منهم العلوي المحب لأهل البيت وللإمام علي والحسين، ومنهم الرافض لشق صفوف المسلمين، وغير ذلك، فكان اجتماع فقهائهم على أمر واحد وأساسي وهو عدم الدخول بمواضيع الفتنة التي عصفت بالمسلمين، لا كتابة، ولا خطابة، ولا حديثاً، ولا نقاشاً، ولا نسخاً لأي كتاب يكتب عنها، ولا طقوساً تؤدى لتأجيج الصراعات والخلافات. والعلة التي ذكرها فقهاء هذا التوجه : بأن الحديث عنها سيجر إلى الفتن والاقتتال في الصف الواحد، وأن الفتنة أسالت دماء كثيرة بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام، فإذا كان الأمر كذلك أفلا يطهر بها المنضوون تحت هذه الراية ألسنتهم واقلامهم ؟ فحرص السنة منذ نشأتهم بعدم الخوض في كل هذه المواضيع مخافة الفتنة والإقتتال، ولا يخرج عن هذا القول قول قائل بأنهم كارهون لأهل البيت الأطهار معاذ الله، أو من المتألبين عليهم، فمحبتهم كما يقول أمام أهل السنة الامام الشافعي : ” يا آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حُبُّكمُ فرضٌ مِن اللهِ فى القرآنِ أنزلَهُ. يَكفيكمُ مِن عظيمِ الفخرِ أنّكمُ مَنْ لم يُصلِّ عليكمْ لا صلاةَ لَهُ”.

من هذا الإنتماء المتعدد المشارب الذي يسعى إلى الوحدة وعدم الفرقة تولد عند أهل السنة منذ نشأتهم إلى اليوم فلسفة في الحكم وإدارة البلاد : “حيثما اجتمع السلم الأهلي والعدل الإجتماعي، قدّم السلم الأهلي على العدل الإجتماعي” باعتبار أن اراقة الدماء وحفظ الحياة مقدمان على العدل الإجتماعي، باعتبار أن العدل الإجتماعي ظرفي ومؤقت والسعي الى تحقيقه لا يحتاج إلى العنف واراقة الدماء حصراً.

فالرافعون لشعار الإمام الحسين ولأحقيته في الخروج على الظالمين نصرة لدين جدّه هم المسلمون جميعاً سواء كانوا سنة أو شيعة أو موحدون دروز.

وأما الحديث عن سيّدنا المسيح عليه السلام ومقارنته بإمامنا الحسين عليه السلام، فتلك مسألة أترك مقاربتها لإخواننا المسيحيين الذين هم الأهل للتحدث عنها.

الشيخ د. محمد نقري

قاضي بيروت الشرعي، واستاذ جامعي. مدير عام دار الفتوى سابقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى