مقالات خاصة

مجتمعنا الفاسد

د. وسيم بكراكي

دخلت أحد المجموعات اليوم وكالعادة كانت الرسائل متراكمة وكثيرة. حذفت بشكل سريع الرسائل العابرة وأبقيت على ما لفت انتباهي للقراءة والمشاهدة.
الخبر الاول: إشكال في مستشفى لبناني بسبب توقف المكيفات بفعل نفاذ المازوت. حيث عمد أهالي المرضى إلى تحطيم طابق بكامله..

الخبر الثاني: صورة بائع يضع غالونات البنزيت (السوق السوداء) بشكل نصف دائري في وضح النهار بهدف بيعها دون حسيب أو رقيب.

الخبر الثالث: وهو عبارة عن رسالة صوتية من أحد رؤوساء الفروع العلمية في الجامعة اللبنانية فرع طرابلس يتحدث عن إمكانية خسارة أبحاث وجهود يعملون عليها منذ 12 سنة بسبب انقطاع الكهرباء ونفاذ المازوت ممكن سيؤدي إلى تعطل آلات تعمل على درجة تبريد تصل إلى ناقص 80 درجة.

الخبر الرابع يتحدث عن استياء الرئيس المكلف من اللقاء الأخير في القصر الجمهوري ويتحدث فيه عن رفض ثلاثة أسماء كانت مقترحة من صاحبها وأن لا حكومة حتى نهاية العهد القائم هذا إذا تخلى عن عهده وقصره مذكرا بأيام الخطابات الجياشة التي يخاطب فيها الحاكم شعب لبنانه العظيم…
بالعودة إلى الأخبار الثلاثة الأولى قد نستخلص للوهلة الأولى أن أسباب هذه الأخبار هو للأسف فقدان مادة البنزين والمازوت وموارد الطاقة المختلفة.
قد نفهم أن السبب هو الفقر والعوز الذي حمل الأول على الحصول على هذه الغالونات لبيعها وليكسب رزقه لا بل وليخفف عن أصحاب الأشغال ممن سئم الوقوف الذي لا نهاية له على الطريق بانتظار أن يملأ وقود سيارته.
قد نفهم أن أهالي المرضى هم بحالة من الغضب والهستيريا بسبب حالة مرضاهم ومعاناتهم مع غياب أبسط حق لديهم بالحصول على استراحة المريض ليتماثل للشفاء العاجل.
المحزن في تفاعلنا مع الامور هو أننا ننظر دائما الى إحدى الزوايا ونترك المعضلة الاكبر التي تكمن في مجتمعنا نفسه. فمثلا نجد أن الجميع علق على البائع الفاسد ولكن القليل منا من علق على الشاري الفاسد مع العلم أن الشاري والبائع كلاهما من أبناء هذا المجتمع وفي خانة واحدة تقريبا من الفساد. فوجود الشاري الذي يقبل أن يشتري من السوق السوداء يساهم في زيادة وتوسع هذه السوق وهو يعلم أن هذا الأمر بحد ذاته مشاركة وتشجيع لهذا الفساد. تماما كما هو الحال في مواضيع الرشوة التي كانت ولا زالت منتشرة في كل الدوائر والمؤسسات الحكومية وأحيانا الخاصة. لو لم يكن هناك من يدفع الرشوة لما بقي هناك مرتشي. لو لو يكن هناك من ينتخب الفاسد ويعظم الوضيع لما وصلنا إلى وقت يضيع فيه البلد ورؤوساء الدولة يلعبون لعبة القط والفأر في عملية اختيار حكومة لهذا البلد الذي لم يبق منه شيء وما زالوا يتخاصمون على مقاعد فارغة ووزارات لم يبق فيها شيء ينهب.
معضلة كبيرة أخرى هي ما نشاهده في نماذج لتكسير الذي لا يمكن تفسيره بأي حال من الأحوال. نغضب من المستشفى فتقوم بتكسيرها وهي مكان وجد لتقديم الخدمات لنا نحن الشعب بشكل مباشر. نغضب من البنوك فنحطمها بشكل غريب وهي وجدت لخدمات نحن أيضا. نغضب من الدولة والحاكم فنقطع الطرقات عن الشعب ونحطم المحال التجارية ومؤسسات المجتمع المدني الذي ننتمي إليه ونحن المتضرر من ذلك وليس الدولة أو الحاكم.
نتظاهر في الشارع وتكون لغة الخطاب الذي نتحدث بها هي السباب والمسخرة وفقدان أدنى حد من حدود الأخلاقيات العامة والفكر الإنساني والوطني.
ما نقرأه من أخبار يومية هي صورة مصغرة للمجتمع اللبناني الذي وصلنا اليه.

المجتمع الذي نطمح أن يكون له حكومة ودولة من جديد ولكننا ننسى ان علينا التوجه مباشرة الى اعادة تأهيل هذا المجتمع. أن نبدأ بأنفسنا وأولادنا اولا، وعائلاتنا وجيرتنا وعشيرتنا التي يجب أن نعيد لها جميعا حداً أدنى من الاخلاق والتربية والوطنية التي تعلمنا أولا حب الإنسان وحب الوطن وترابه وتعيد الى اذهاننا فكرة الوطن الذي لا يمكن أن ينمو بدون المواطن الذي يعمل لأجله وفي سبيله لا في سبيل مصالحه الشخصية أو مصالح زعيمه وقائده وحزبه وطائفته.
لا يمكننا أن نغير أحوال أوطاننا قبل أن ننبذ من أنفسنا ما لحق بها من سوء ودرن. شوارعنا ومدننا ومؤسساتنا هي ملك لنا ويجب علينا أن نحافظ عليها وأن نحميها، لا أن نعمل على تكسيرها وتعطيلها. يجب علينا أن يكون لنا حرقة تماما كنموذج ذلك العالم الذي يحزن قلقا على ما أنجز من أبحاث طيلة 12 عشرة عام.

يجب علينا أن نمتنع عن الرشاوي وأن نحسن أسلوب الخطاب فيما بيننا وأن نعمد إلى تنظيف شوارعنا لا أن نقطعها. علينا أن نحافظ على القانون وأن نساهم في تنفيذه. أن نشعر أننا جزء من الوطن وأن الوطن لا يمكن أن يعود وطناً من جديد إلا من خلال ما نقدمه له من انضباط ونظام وإنسانية.
وكل ذلك لا يمكن أن يبدأ إلا عندما نضع يدنا على الجرح لنبدأ معه العلاج.

وللأسف الجرح في وطننا هو بمجتمع فاسد جميعنا فاسدون فيه كل من ناحية وجانب. ولن يتغير حكامنا في نموذج الخبر الرابع إلا عندما نغير ما في نفوسنا وقلوبنا.

عشتم بأخلاق وكرامة وإنسانية ليعيش لبنان ..

الدكتور وسيم بكراكي

إختصاصي طب أطفال طبيب تركي لبناني رئيس جمعية الثقافة والصداقة اللبنانية ( توليب)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى