أوضح أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت، ناصر ياسين، أنّ هناك سلعاً سترتفع أسعارها أكثر من سلعٍ أخرى جرّاء ارتفاع أسعار المحروقات.
أزمة المحروقات وانقطاعها، إلى جانب انهيار الليرة، يدفعان إلى تضخّم الأسعار المفرِط، مع صدور تسعيرة جديدة للمحروقات، مدعومة على سعر 8000 ليرة، ويجدر بنا توقّع نسبة التضخّم الناتجة من جرّائها، في وقتٍ ازداد التضخّم، منذ بداية الأزمة، حتى فاق الـ980%. فما هي توقّعات التضخّم بسبب ارتفاع أسعار المحروقات؟
وهل دخلنا في التضخّم المفرِط؟
وكيف سينعكس ارتفاع أسعار المحروقات على منتجات قطاعي الصناعة والزراعة؟
حاليّاً، لا يحصل الصناعيّون على المحروقات المدعومة على سعر 8000 ليرة، لأنّ الأولويّة باتت للمستشفيات والأفران والمولّدات، وقليلة هي المصانع التي تحصل على المازوت المدعوم.
يشرح نائب رئيس جمعيّة الصناعيين في لبنان، زياد بكداش، لـ “النهار”، أنّه “لهذا السبب، ولأنّنا كنّا نحصل على المازوت بالقطّارة، اتّفقنا مع شركتي محروقات في لبنان على حصول المصانع على المازوت غير المدعوم، وبالسعر العالمي على نفقة أصحاب المصانع، لتغذيتها”.
ومعظم الصناعيّين اليوم يدفعون ثمن طنّ المازوت حوالَي 580 دولاراً بالـfresh، بحسب أسعار السوق العالمية، وهي أرخص من السوق السوداء، حيث يبلغ سعر الطنّ حوالَي 1100 دولار.
وهدفت هذه الخطوة إلى مواصلة تزويد السوق المحليّة بالمنتجات اللبنانيّة، وكذلك الأسواق الخارجيّة والعقود الخارجيّة المتّفَق عليها. وهذه الآليّة، بحسب بكداش “ستنعكس سلباً على بعض أسعار السلع، لأنّ في الصناعة تتراوح نسبة تكلفة الطاقة في المنتج ما بين 5 و40%، والمشكلة الكبرى تقع على ما نسبته 40%، وهي المصانع التي تحتاج إلى طاقة مكثّفة، كمصانع التدوير والتغليف والتعليب، وهذا سينعكس سلباً على أسعار الموادّ الاستهلاكيّة، خصوصاً أنّها جميعها بحاجة إلى توضيب وتغليف، أي كلّ ما يدخل في هذا الإطار من كرتون وبلاستيك وزجاج، ما سيزيد من تكاليف المصنع حوالَي 20%، ومعظم الصناعات ستزيد أسعارها إلى ما بين 5 و10% “.
من جهته، لا يرى رئيس تجمّع المزارعين في لبنان، أنطوان الحويّك، تأثيراً لسعر المحروقات الجديد على المزروعات، “ولو أنّه يُعتبر بداية لتحرير الأسعار، ذلك أنّ المزارعين منذ شهرين يشترون المحروقات من السوق السوداء، ولا يزالون، بسبب عدم وجود المازوت المدعوم؛ فسوق المحروقات كلّها إجمالاً أصبحت سوقاً سوداء”، لافتاً إلى أنّ كثيراً من المزارعين قلّصوا مساحاتهم الزراعيّة، ومنهم من توقّف نهائيّاً بسبب هذه الأزمة، و”قد دخلنا فعليّاً في مرحلة التعتير والشحّار”.
المزارع لم يعد ينقل منتجاته إلى الأسواق لبيعها بسبب أسعار السوق السوداء الخياليّة. لذلك، يوضح الحويّك بأنّ العرض قليل جداً، وما أراح السوق هو تراجع استهلاك المنتجات الزراعيّة بمجرّد إعلان المصرف المركزيّ التوقّف عن دعم المحروقات قبل الاتّفاق على صيغة الدّعم على 8000 ليرة، بحيث تراجع الاستهلاك حوالَي 75%.
صحيح أنّ سعر صفيحة المازوت المدعوم على 8000 ليرة أرخص من سعرها في السوق السوداء، حيث تتراوح بين 400 إلى 500 ليرة، إنّما “الذي يريد أن ينتظر أيّاماً وأن “يتبهدل”، أو مَن له واسطة ومدعوم من جهات نافذة، يؤمّن المازوت على السعر المدعوم، لكنّ نسبة هؤلاء ضئيلة جداً مقابل أكثريّة المزارعين الذين لا يتمكّنون من الوصول إلى المحروقات المدعومة، ولم يستفيدوا منها، إذ تذهب بالتهريب والتخزين، لذلك، يُضطرّون إلى شرائها من السوق السوداء”.
ويتوقّع الحويّك مع رفع الدعم النهائي عن المحروقات في أواخر أيلول “انفجاراً كبيراً، فالزراعة لن تكون قادرة على الاستمرار ولا الناس، إذ سينقصهم الكثير من مستلزماتهم اليوميّة من المزروعات”.
وفي خلاصة حديث الحويّك، فإنّ أسعار المحروقات المدعومة على 8000 ليرة لن تؤثّر على أسعار المنتجات الزراعيّة، لا ارتفاعاً ولا انخفاضاً، لأنّ المزارعين لا يستفيدون منه، إنّما اتّكالهم على السوق السوداء. وإذا ما ارتفعت بعض الأسعار 1000 ليرة أكثر أو أقلّ، فهذا يعود إلى العرض والطلب وليس إلى أسعار المحروقات الجديدة.
ما هي توقّعات التضخّم من جرّاء ارتفاع أسعار المحروقات؟
هل دخلنا في التضخّم المفرط؟
يجيب أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت، ناصر ياسين، بأنّ “هناك سلعاً سترتفع أسعارها أكثر من سلعٍ أخرى جرّاء ارتفاع أسعار المحروقات، ونسبة ارتفاع الأسعار من 25 إلى 30% هي منطقيّة وليست بعيدة من الواقع”.
وبرأي ياسين أنّ “الأسعار تزيد أكثر مع زيادة تكلفة نقل البضائع وفاتورة الكهرباء للتخزين وحفظ السلع الغذائيّة، فلدى التجار تكلفة تشغيلية بحوالَي 30%”.
تأثير المحروقات يختلف وفقاً للسلع، إذ تختلف تكلفة نقل البضاعة القادمة من المناطق الجبلية عن تكلفة حفظ السلع الطازجة في البرّادات.
وقد بلغ تضخّم أسعار الموادّ الغذائيّة الأساسيّة من صيف 2019 حتّى صيف 2020، وفق ياسين، ما بين 750 إلى 1500%. أمّا دائرة الإحصاء المركزي، فقدّرت أنّ التضخّم فاق الـ980 % منذ بداية الأزمة حتّى الآن، وقبل قرار دعم المحروقات على سعر 8000 ليرة، و”نحن قريبون جدّاً ممّا قدّره الإحصاء المركزي، وهذه النسب ستزداد طبعاً مع أسعار المحروقات الجديدة”.
هل دخلنا في مرحلة التضخّم المفرط؟
يشرح ياسين بأنّ “التضخّم المفرط يتجلّى عندما تبدأ الأسعار بالارتفاع 50% بين شهر وشهر آخر. وبالرغم من أنّ هناك اختلافاً في وجهات النظر بين الاقتصاديين والخبراء في هذا المجال، لكنّ لبنان دخل في مرحلة التضخّم المفرط هذا الصيف”.
فبين شهرَي حزيران وتمّوز كانت الأسعار ترتفع 50%، أمّا بين تموز وآب فارتفعت أكثر لأنّها ارتبطت بارتفاع أسعار المحروقات، و”هذا بداية مسار التضخّم المفرط المخيف. ومجرّد الدخول في هذا النّفق يعني ألا قيمة بعد ذلك للأجور المحليّة، فمهما زادت الرواتب، لن تلحق بتضخّم الأسعار”.
ويشير ياسين إلى أنّ هذا التضخّم لم يرتبط فقط بانهيار العملة، إنّما أيضاً بأزمة المحروقات، حيث بات التجّار والمؤسسات مضطرّين إلى تأمين المحروقات بأيّ ثمن لتستمرّ أعمالهم، ولو لجأوا إلى السوق السوداء، كما أنّ هناك سلعاً غذائيّة كاللحوم، باتت تلحق بسعر الدولار.
وعن مدى تضخّم الأسعار، اعتبر رئيس نقابة مستوردي الموادّ الغذائية هاني بحصلي، في حديث سابق لـ”النهار”، أنّ نسبة ارتفاع السلع الغذائية 30% “مبالغ فيها جداً، ولا تهدف سوى الى إثارة الذعر لدى الناس”، مضيفاً أنّ “الأمور ليست واضحة حتى السّاعة في ما يخصّ مسألة زيادة الأسعار. فالطوابير لا تزال مصطفّة أمام المحطات، وارتفاع الأسعار ليس المشكلة. نحن اليوم أمام مشكلة أكبر من ذلك، وهي القدرة على الاستمرار في ظلّ هذا الشحّ في المحروقات”.
وقدّر بحصلي نسبة الارتفاع في الأسعار على السلع “من 5 إلى 7% بالحدّ الأدنى”، من دون أن يُعطي رقماً دقيقاً، على اعتبار أنّ “لكلّ شركة ومؤسّسة تجاريّة حساباتها الخاصة في تقدير نسبة الزيادة استناداً إلى قدرتها التشغيليّة، والتكلفة الإضافية التي تترتّب حتّى تصل السلعة الى البائع عبر الموزّع”، لافتاً إلى أنّ “تحديد نسبة الارتفاع صعب في هذه المرحلة لأنّ أسعار المحروقات غير ثابتة، وسعر صرف الدولار يتأرجح صعوداً ونزولاً”.
وأشار بحصلي إلى أنّ “الأمور صعبة جداً. فحتى التاجر لا يُمكنه زيادة الأسعار كما يريد لجني الأرباح، وإلّا فلن تُباع بضاعته. لذلك معظم القطاع التجاري يعاني من أزمة كبيرة لا بل يصارع للبقاء، وهناك شركات أقفلت وأخرى باتت تفتح 3 أيام في الأسبوع فقط”.