مقالات

الخلاف بين فنيدق وعكّار العتيقة يتجدّد

كتب مايز عبيد في نداء الوطن:

ليس هناك من رواية أمنية أو رسمية حول أسباب الإشكال الذي حصل الثلثاء بين شبان من عكار العتيقة وآخرين من بلدة فنيدق، يرجح أنهم شرطة البلدية من الطرفين في البداية؛ قبل أن يتوسع الإشكال لاحقاً ويتمدد بين الأهالي. ثمة معلومات متضاربة وأكثر من رواية لما حصل ظهر يوم الثلثاء الماضي، ولم تبدأ معلوماته تتكشف إلا بحدود الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه، عندما بدأت وسائل التواصل الإجتماعي ومجموعات “الواتساب” تتحدث عن إشكال على تخوم القموعة بين أشخاص من بلدة فنيدق وأشخاص من عكار العتيقة، على خلفية تقطيع حطب في نطاق القموعة. الإشكال تسبّب بمقتل الشاب رامي خالد البعريني إبن بلدة فنيدق وهو مهندس متخرّج حديثاً، حيث يحمّل الرأي العام في فنيدق مسلحين من عكار العتيقة مسؤولية مقتله، مؤكداً أن “ليس له أي علاقة بسبب الإشكال إنما صودف وجوده في ذاك النطاق وفي نقطة بعيدة من مكان حصول الإشتباك، وكان مع رفاق له يمارس هواية الصيد ويدخن النرجيلة”. كذلك تسبّب الإشكال بجرح 3 أشخاص. وشهد النهار الطويل الذي تخلله الإشكال اتصالات ورسائل “واتساب” بين رئيسي البلديتين، الشيخ سميح عبد الحي (فنيدق) والدكتور محمد خليل (عكار العتيقة)، من أجل تطويق ذيوله وحل الأزمة، لكن الأمور تطورت إلى غير منحى بعد سقوط شبان بين قتلى وجرحى.

يوم الثلثاء كان أقفل على روايتين حيال ما حصل، رواية لرئيس بلدية فنيدق وأخرى لرئيس بلدية عكار العتيقة، والروايتان متناقضتان لجهة تحديد من تسبّب بالإشكال ومن أطلق النار أولاً. فالشيخ سميح عبد الحي، وهو رئيس بلدية فنيدق، أدلى بتصريح على وسائل التواصل الإجتماعي ومما جاء فيه: “اتصل بي رئيس بلدية عكار العتيقة محمد خليل يعلمني أن هناك أشخاصاً من فنيدق يقومون بقطع الأشجار في وادي الأسود وأرسل لي صورة، فقلت له سأرسل عناصر شرطة البلدية للتحقق من الأمر. وعندما وصل عناصر الشرطة البلدية إلى المكان لمعالجة الأمر أطلقت عليهم النيران من جانب عكار العتيقة من مسلحين منتشرين في الجبال المجاورة، كذلك تم إطلاق نار على دورية للجيش كانت تدخّلت لحل الأزمة معهم بعد تواصلنا معها… ثم أعدت الإتصال برئيس بلدية عكار العتيقة لأخبره عن موضوع إطلاق النار فكان يُصرّ على القول بأن ليس هناك من مسلحين من جانب عكار العتيقة”. ويضيف عبد الحي: “من جهتنا من فنيدق تم أسر 7 أشخاص بينهم عسكري متقاعد شوهد وهو كان يطلق النار من سلاحه، ثم أعيد إطلاق سراح 6 أشخاص وتسليمهم للجيش لم يكن بحوزتهم سلاح لحظة اعتقالهم، ما عدا ذاك الشخص الذي كان يطلق النار”.

أما رئيس بلدية عكار العتيقة محمد خليل، وفي تسجيل صوتي انتشر له على وسائل التواصل الاجتماعي فيشير إلى أن “عكار العتيقة تتعرّض منذ أكثر من سنتين لاطلاق نار من مسلحين بشكل دائم، ولقد أرسلت كتاباً بهذا الخصوص إلى قائد الجيش… وشبابنا في البلدية عندما ذهبوا إلى مكان حصول الإشكال، لم يكن معهم سلاح، إنما راحوا يستطلعون وضع ما يحصل من قطع أشجار، وهناك حصل إطلاق النار عليهم”. ويتّضح من الروايتين، أن هناك إطلاق نار حصل، لكن كل طرف يرمي المسؤولية حياله على الطرف الآخر، وأن نتائج التحقيقات هي التي من المفترض أن تكشف الأسباب وتحدد المسؤوليات.

النائب وليد البعريني اعتبر في حديث لـ”نداء الوطن” أن “هناك أفعالاً حصلت على الأرض لا سيما إطلاق النار، وهي أفعال غير مبررة على الإطلاق، إذ من غير المنطقي أن يتمّ الرد على موضوع قطع أشجار بالرصاص، في الوقت الذي كان فيه الشاب الشهيد الذي سقط ومن معه، في نزهة، وليس لهم أي علاقة بالإشكال، وهو دمٌ بريء سقط بلا ذنب”. أضاف: “فور علمنا بالحادثة، سعينا إلى ضبط النفس وكلامنا كان ولا يزال كلام عقل وحكمة. لكنّ القضية أصبح فيها شهداء وجرحى، ولذلك على التحقيق أن يكشف كل الملابسات انطلاقاً من إيماننا بالقضاء ومنطق الدولة والمؤسسات. من جهتي، وفي هذه القضية وسواها، أنا مع الحق، ومع تحميل المسؤوليات لأصحابها، ومعاقبة الجاني والمرتكب. نؤكد أيضاً في فنيدق على أن الإجتماعات مفتوحة ومتواصلة من أجل حفظ دماء الأبرياء ولكي لا يضيع حقٌ لأي بريء”. وعن الخلاف العقاري حول القموعة قال البعريني: “نعتبر ان الدولة هي الأب والأم والموضوع برمّته أمام القضاء والجهات المختصة وعليها أن تفصل في الأمر، بما يرضي الله ويمنع الظلم ويعطي الحقوق لأصحابها”.

بيان عكار العتيقة

تشييع بلدة فنيدق الشاب رامي إلى مثواه الأخير، عصر الأربعاء وسط أجواء الحزن والأسى، سبقه صدور بيان عن أهالي وفاعليات عكار العتيقة وبلديتها ومخاتيرها اعتبروا فيه أن “رامي البعريني هو فقيد عكار العتيقة كما فنيدق ودعوا إلى تغليب صوت العقل من أجل وأد الفتنة بين الأهل والجيرة”.

تجدد الإشتباكات

وبعيد دفن الشاب رامي البعريني عادت الإشتباكات بين مسلحين من البلدتين من جديد إلى محور القموعة، وتعمل لجنة الصلح من أكروم على فض الإشتباكات وإعادة ضبط الأوضاع. في هذا الصدد، سلّم النائب وليد البعريني ووفد من لجنة الصلح من أهالي أكروم، ابن عكار العتيقة علي درويش إلى مخابرات الجيش اللبناني، في مبادرةٍ لدرء الفتنة بين البلدتين، وتحقيق العدالة.

نداء الحريري

ومن الجدير بالذكر أن مسألة الخلاف العقاري بين البلدتين الجارتين فنيدق وعكار العتيقة، حول ملكية عقارات ومشاعات في القموعة، عمره سنوات طويلة، والنزاع في هذا الخصوص أمام القضاء منذ سنوات أيضاً، ولم تتمكّن الوساطات من إيجاد الحل، وكان آخرها دخول الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري على الخط عندما التقى بلديتي المنطقتين قبل مدة قصيرة، في مسعى لإيجاد حل في هذا الإطار لم تتبلور بعد نتائجه، وقد أشار إليها الحريري في بيانه أمس عندما قال: “أعلم حجم الخلاف وخلفياته وقد آن الأوان لكبحه ولكن كيف السبيل الى ذلك عندما يتم اللجوء الى القتال وتبادل الاتهامات وتحكيم لغة السلاح بين الأهل؟”، وذلك بعدما ناشد اهالي فنيدق وعكار العتيقة في نداء “ان تبادروا فوراً الى حقن الدماء، وان تستمعوا الى اهل الحكمة والشورى في صفوفكم لدرء الفتنة التي تندلع في البيت الواحد”، ودعاهم الى عدم تشريع ابوابهم لرياح الشر وتعريض سلامتهم للخطر وتقديم الهدايا المجانية للمتربصين بهم وبوحدتهم…

ويستنكف القضاء عن حسم الجدل حول الموضوع، لجهة تحديد هوية هذه العقارات بشكل حاسم، وسحب فتيل الخلاف والإختلاف، على منطقة باتت من المعالم السياحية المهمة في عكار وكل لبنان، غير أن الخلاف عليها بين البلدتين الجارتين فنيدق وعكار العتيقة، لا يزال يُفسد للود قضية.

وبعد الوساطات، أفادت المعلومات ليلاً أنه تمّ سحْب جميع المسلحين من أبناء فنيدق في الوادي الأسود وتسليم المنطقة للجيش اللبناني.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى