الكيد السياسي يفتعل معركة لتعطيل المجلس وعون: سأسلك أي طريق يقودني إلى مصلحة لبنان

الفترة الفاصلة من الآن وحتى دخول البلد عملياً في عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، حبلى بالمحطات المرتبطة بالمشهد اللبناني وتقلّباته، الاولى؛ الجلسة التشريعية المُقرَّر انعقادها اليوم، والثانية؛ الاجتماع في فرنسا اليوم، والثالثة؛ زيارة رئيس الوزراء المصري إلى بيروت غداً؛ والرابعة اجتماع لجنة «الميكانيزم» المقرَّر انعقاده غداً أيضاً، والخامسة، انتهاء المهلة المُحدَّدة للجيش اللبناني في ما خصّ قرار حصر السلاح آخر السنة الحالية. على أن تلي هذه المحطات محطة فرنسية، عبر زيارة جديدة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت خلال الأسبوع الأول من السنة الجديدة.
إشتباك وكيديات
لا يعني تعداد هذه المحطات أنّها محصورة بهذا القدر، بل ربما يبرز غيرها ربطاً بالواقع اللبناني الولّاد للتطوّرات غير المحسوبة أو المتوقعة، والمفاجآت المجهولة. والبديهي في هذه الأجواء، افتراض أنّ هذه المحطات جميعها، ستضبط الواقع اللبناني على إيقاع ارتداداتها، سواء أكانت إيجابية أو سلبية أو مراوحة بين السلبية والإيجابية.
وعلى ما هو ظاهر سياسياً، فإنّ انقسامات الداخل وتجاذباته وكيدياته، مصرّة على توديع السنة الحالية بجولة مصارعة سياسية على حلبة المجلس النيابي، إذ تبدو الجلسة التشريعية المقرَّر انعقادها اليوم لمتابعة درس وإقرار ما تبقّى من جدول أعمال جلسة 29 أيلول الفائت، معلّقة على خط التوتّر العالي، تزيده شحناً توجّهات علنية يقودها حزب «القوات اللبنانية» ومعه حلفاؤه ممَّن يُسمّون أنفسهم سياديِّين وتغيِّيرين، لتطيير الجلسة وتعطيل التشريع، بذريعة عدم إدراج مشروع الحكومة الذي أحالته بصفة المعجَّل إلى المجلس النيابي والرامي إلى الإجازة للمغتربين بالإقتراع للنواب الـ128، في جدول أعمال الجلسة.
الواضح في هذا التوجّه، هو محاولة تطويق الجلسة التشريعية بلعبة النصاب، على غرار الجلسة السابقة في 28 تشرين الأول الماضي، التي لم تنعقد لعدم توفّر نصاب انعقادها القانوني، وتتصدّر «القوات» هذه اللعبة التي وجّهت عشية الجلسة دعوة إلى النواب على لسان رئيسها سمير جعجع، إلى الامتناع عن المشاركة في الجلسة التشريعية، كما دعا النواب الذين يُريدون أن يتمكّن المغتربون من الإقتراع لصالح المقاعد الـ128 من مكان إقامتهم في الخارج، إلى أن يمارسوا الضغط على النواب الذين صوّتوا لهم كي لا يحضروا الجلسة.
الهدف تعطيل الانتخابات
وفيما تتكثف الاتصالات والحراكات النيابية بين مَن يُريد انعقاد الجلسة ومَن يُريد تطييرها، فإنّ الأجواء السابقة لانعقاد الجلسة لا تشي بالحسم، سواء لانعقاد الجلسة أو عدمه، إذ إنّ هذَين الإحتمالَين قائمان وممكنان. إلّا أنّ مصادر سياسية تُقدِّر «أنّ احتمال انعقاد الجلسة يُصبح محسوماً، في حال قرّر تكتّل «لبنان القوي» المشاركة و«اللقاء الديموقراطي» وتكتل «الإعتدال» والأحباش، وغيرهم من النواب المستقلّين غير المنضوين في الخط السيادي»، إلّا إذا كانت هناك «كلمة سرّ» موحى بها من مكان ما، مجارية للتعطيل ومحرّضة عليه، وهذا الأمر لا يمكن إخراجه من الحسبان، تبعاً للتجارب السابقة في مجالات مختلفة».
على أنّ مصدراً سياسياً رفيعاً، ورداً على سؤال لـ«الجمهورية»، يلفت إلى أمرَين:
الأول، هو أنّ «الصوت العالي مهما ارتفع والبهورات الشعبوية أياً كان مصدرها، لا يمكن أن تحوّل صاحبها إلى فقيه دستوري أو قانوني، فالقانون والدستور كما النظام الداخلي للمجلس النيابي تُحدِّد بصورة واضحة غير قابلة للتفسير أو الإجتهاد، كيفية التعامل مع اقتراحات القوانين العادية أو تلك التي تحمل صفة الاستعجال المكرَّر، أو مشاريع القوانين العادية أو التي تعطى صفة المعجَّل، وتحدّد أيضاً كيفية التشريع للمصلحة العامة، وليس تطويع هذا التشريع لتحقيق مصالح ومكتسبات لفئة سياسية معيّنة من دون سائر الفئات السياسية، تُضاف إلى ذلك النص الدستوري وفي النظام الداخلي للمجلس على صلاحيات رئيس مجلس النواب في هذا المجال، إذ أنّها واضحة لا يشوبها أي التباس، وتبعاً لذلك، فإنّ كل كلام يجافي ما هو وارد في حرفية النص القانوني أو الدستوري أو النظام الداخلي للمجلس كأنّه لم يُقل، فلا قيمة له على الإطلاق».
الأمر الثاني، هو أنّ «كل ما يجري ينِمّ عن كيد فاضح، ومحاولة مكشوفة لافتعال معركة سياسية، وتعطيل المجلس وشلّ قدرته على التشريع، بما يمنع لاحقاً من إدخال ما هو واجب من تعديلات ضرورية على القانون الإنتخابي النافذ (الميغاسنتر، البطاقة الإنتخابية، المقاعد الستة المخصَّصة للمغتربين وغير ذلك)، إذ في اعتقادهم أنّ تعقيد الطريق أمام تعديل القانون الإنتخابي، يُصعِّب إجراء الإنتخابات في موعدها، وحتى لو جرت هذه الإنتخابات من دون إدخال هذه التعديلات يجعلها قابلة للطعن فيها. وهذه المحاولة تُشكِّل غطاء للهدف الأساسي الذي يرمون إليه وهو تطيير الإنتخابات وعدم إجرائها في موعدها، في انتظار ظروف تعتقد أنّها قد تستجد لاحقاً، وتعدّل الميزان السياسي والمجلسي لمصلحتها بما يُتيح لها تحقيق طموحاتها في الاستحقاقات الكبرى».
الحضور المصري
سياسياً، وبالتزامن مع الوضع المعقّد التي تُعزِّزه الإعتداءات الإسرائيلية والتهديدات التي يطلقها المستويان السياسي والأمني في إسرائيل بعمل عسكري واسع ضدّ لبنان، يُنتظَر وصول رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في زيارة تستمر ليومَين. وتبدو الزيارة وكأنّها تتويج لحضور مصري فاعل ومكثف في لبنان، بدأ مع زيارة رئيس المخابرات العامة حسن رشاد إلى بيروت في تشرين الأول الماضي، تلتها زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي قبل نهاية الشهر الماضي، فإنّ مصادر سياسية مواكبة لحركة الاتصالات السياسية والديبلوماسية، أكّدت لـ«الجمهورية» أنّ «مصر تلعب دوراً فاعلاً على خط تبريد الأجواء وعدم انزلاق الأمور إلى تصعيد، وهذا ما تبدّى في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المصري، وضمن هذا السياق تندرج زيارة رئيس الوزراء المصري لتأكيد رغبة مصر أولاً بالوقوف إلى جانب لبنان، وثانياً تثبيت الأمن والإستقرار وسحب فتيل الإنفجار، وتغليب التوجّه نحو حلول سياسية».
ورداً على سؤال، أوضحت المصادر: «أياً كان شكل زيارة رئيس الوزراء المصري فهي مهمّة، وحتى ولو كانت ذات طابع معنوي فقط، فهي تُعبِّر عن أنّ لبنان ليس متروكاً من قِبل أشقائه العرب، كانت هناك أفكار مصرية معيّنة سبق ونقلها رئيس المخابرات المصرية، إلّا أنّها لم تصل إلى النتائج المرجوّة منها، وصُرِفَ النظر عنها. وما خلا ذلك، لا نستطيع أن نقول أو نؤكّد ما يُقال عن وجود مبادرة أو أفكار مصرية جديدة».
تعويل على الإجتماعَين
على أنّ التعويل في موازاة ذلك، يبقى على الإجتماع الأمني – السياسي المقرَّر عقده اليوم في العاصمة الفرنسية، بمشاركة قائد الجيش العماد رودولف هيكل وضباط أميركيِّين وفرنسيِّين والموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ومستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجاندر، والموفد الفرنسي جان إيف لودريان والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، وكذلك على اجتماع لجنة «الميكانيزم» في الناقورة يوم غد الجمعة، وما قد يؤسسان له من إجراءات وخطوات تفضي إلى خفض وتيرة التصعيد الإسرائيلي ضدّ لبنان.
الاجتماعان، بحسب مصادر رفيعة لـ«الجمهورية» مترابطان ويُشكِّلان منبر نقاش وحوار حول المسألة الأمنية التي تستدعي المقاربة لخطوات عاجلة لمعالجتها واحتواء توتراتها والتأسيس بالتالي لجو آمن ومستقر. وإذا كان دعم الجيش اللبناني بنداً أساسياً في اجتماع باريس، فإنّ اجتماع «الميكانيزم» يندرج في مسار انطلق مع اجتماعها السابق بإشراك مدنيِّين في عضويّتها، للتأسيس لـ«خطوات ملموسة» يُنتظَر أن يُبلوِرها التفاوض داخل اللجنة.
وأشارت المصادر، إلى أنّ التركيز هو على ما بعد انتهاء المهمّة المحدَّدة للجيش اللبناني حتى نهاية الشهر الجاري، لتنفيذ قرار حصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني، إذ سيصدر إعلان عن الجيش حول كل ما قام به وتحقق في هذا المجال، ودراسة احتمال الإنتقال إلى المرحلة الثانية، وكيفية تنفيذها، وحدود المنطقة التي تشملها.
يُشار في هذا السياق، إلى ما أعلنه نائب رئيس الحكومة طارق متري خلال المؤتمر السنوي لمركز «ملكوم كير – كارنيغي» للشرق الأوسط، بأنّ الجيش اللبناني جاهز للإنتقال إلى المرحلة الثانية من حصر السلاح بيَد الدولة، وذلك من دون جدول زمني، على أن تمتد هذه المرحلة من نهر الليطاني إلى نهر الأولي.
تأكيد متجدِّد: لا حرب
إلى ذلك، أكّد مرجع كبير أنّه من خلال اتصالات مكثفة مع أكثر من جهة خارجية، لمس أجواء مشجّعة جداً، تستبعِد من جهة أي عمل عسكري إسرائيلي ضدّ لبنان، وتُشيد بالمهام الوطنية التي يقوم بها الجيش اللبناني في كل لبنان، خصوصاً في منطقة جنوب الليطاني، وتُشدِّد في الوقت عينه على كل الأطراف، توفير المناخات المساعدة للجيش في إتمام مهمّته، مع التأكيد على قيام إسرائيل بتطبيق موجباتها، وفي ما يقتضيه اتفاق وقف الأعمال العدائية، ولاسيّما وقف عملياتها العسكرية والإنسحاب من الأراضي اللبنانية إلى خلف الحدود الدولية.
ونُقِل عن مسؤول غربي كبير قوله، إنّه يجزم «بعدم حصول حرب على لبنان، لأنّ المناخ الدولي بصورة عامة، والأميركي تحديداً لا يُحبِّذ هذه الحرب، بل التوجّه نحو المسار السلمي»، مشيراً إلى «جهود لفتح مسار معاكس تماماً للمسار الحربي والتصعيدي، يعمل فيها بصورة مكثفة بين العديد من العواصم الكبرى والعواصم الإقليمية، ويؤمَل أن يتمّ ذلك في وقت ليس بعيداً، وأياً كانت النتائج فلبنان سيقع حتماً ضمن تأثيراتها المباشرة».
عون
إلى ذلك، أكّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمام المجلس الجديد للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم «إنّنا نعمل من خلال التفاوض على تثبيت الأمن والإستقرار خصوصاً في الجنوب، والتفاوض لا يعني استسلاماً. إنّني كرئيس للجمهورية، سأسلك أي طريق يقودني إلى مصلحة لبنان، والمهمّ في ذلك إبعاد شبح الحرب وإعادة الإعمار وتثبيت الناس في أرضهم وإنعاش لبنان اقتصادياً وتطوير دولته».
وإذ أكّد الرئيس عون «على حق الإغتراب في المشاركة في القرار السياسي من خلال الإنتخابات»، شدَّد على «ضرورة نقل الإغتراب الصورة الحقيقية عن لبنان في الخارج، لأنّه وللأسف، فإنّ البعض من اللبنانيِّين فيه ينقلون الصورة السيّئة»، معتبراً أنّ مَن يُسوِّق للحرب انفضحت لعبته، لأنّ ثمة مَن يعيش على نفس الحرب لإجراء الإنتخابات على أساسها، مطمئناً إلى أنّ الوضع في لبنان جيد، وزيارة البابا لاوون الرابع عشر أعطت صدى إيجابياً.
وشدّد على ضرورة «أن يكون اللبنانيّون مع لبنان لا مع شخص»، متسائلاً: «هل يجوز لهذا البعض أن يُشوِّه الصورة الحقيقية ويبُث الشائعات ويُخيف اللبنانيِّين ويطلب الحرب كرمى مصلحته الإنتخابية، فيما علينا التمسّك بحسّنا ومسؤوليّتنا الوطنية في هذا الظرف الدقيق الذي نمرّ فيه».
ورداً على سؤال، أوضح الرئيس عون: «نحن نعتمد على المواقف التي يتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب واهتمامه بموضوع السلام، ونعمل ما علينا في هذا الإتجاه».
إسرائيل والتطبيع
على الصعيد الإسرائيلي، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، في تصريح لقناة «العربية إنكليزي»، أنّ «رغبتنا هي التطبيع مع لبنان ويمكن تجاوز الخلافات»، لافتاً إلى أنّ «الخلافات مع لبنان بسيطة ويمكن حلّها».
وزعم ساعر «أنّنا لا نرى أنّ هجماتنا ضدّ «حزب الله» تنتهِك سيادة لبنان»، مضيفاً: «علينا القضاء على «حزب الله» من أجل أمن إسرائيل»، مدّعياً بأنّ ذلك «سيُعيد لبنان لأهله»، وبأنّ «حزب الله» هو مَن ينتهك سيادة لبنان وليس نحن».



