
بدا أمس أنّ الوضع في لبنان وسوريا والمنطقة يتّجه إلى احتمالات شتى غير مطمئنة، في ضوء الحوادث الأمنية التي تصاعدت في الداخل السوري بين قوى النظام وفصائل معارضة له، والاشتباك المحدود الذي حصل بين الجيش اللبناني والأمن العام السوري على الحدود الشرقية الشمالية بين لبنان وسوريا، وحادثة سيدني الأوسترالية التي بدأت إسرائيل تبني عليها ذرائع تمهيداً لاتهام «حزب الله» وإيران بها، عبر محاولة تصويرها أنّها ردّ على اغتيال القائد العسكري لـ»حزب الله» هيثم الطبطبائي في الضاحية الجنوبية في الآونة الأخيرة، واستمرار الخرق الإسرائيلي لوقف النار الذي اوقع أمس ثلاثة شهداء جدد في الجنوب. كل هذه التطورات تحصل قبل اللقاء الرباعي الباريسي المقرّر في 18 من الجاري على مستوى الموفدين: الأميركي ـ الفرنسي ـ السعودي- اللبناني، والذي يعقبه في اليوم التالي الاجتماع الثاني للجنة «الميكانيزم» بعد تطعيمها بمدنيين لبناني وإسرائيلي، كذلك تحصل قبل اللقاء المقرّر أواخر الشهر الجاري في البيت الأبيض بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يترقب الجميع نتائجه لاستكشاف مستقبل الأوضاع في المنطقة.
ارتفع منسوب المخاوف في اليومين الأخيرين على المستوى الإقليمي على خطين: الهجوم الغامض والمفاجئ الذي شنّه “داعش” على القوات الأميركية في تدمر، وهو الأول من نوعه منذ فترة طويلة. والعملية التي تمّ تنفيذها في سيدني ـ أوستراليا، وهي أيضاً الأولى من نوعها منذ مدة طويلة. العمليتان تحملان رمزية العودة إقليمياً ودولياً إلى مواجهة الاستحقاق الذي كان قد طوي في الفترة السابقة، والذي يحمل عنوان “الإرهاب”، علماً أنّ أي علامات واضحة لم تظهر في العمليتين حول الجهات السياسية الحقيقية التي تقف وراءهما أو ترغب في استغلالهما لأهداف معينة.
لكن اللافت، هو أنّ إسرائيل سارعت إلى التسريب من خلال وسائل إعلامها وبعض الأبواق الدولية، افتراضات واتهامات لإيران و”حزب الله” باحتمال الضلوع في العملية التي جرى تنفيذها ضدّ الهدف اليهودي في أوستراليا، على خلفية الانتقام لاغتيال طبطبائي في الضاحية الجنوبية أخيراً. وهذا الاتهام يتصف بدرجة عالية من الخطورة، خصوصاً لجهة التوقيت، لأنّه يضع لبنان وإيران معاً على فوهة الحرب التي يلوّح بها الإسرائيليون منذ أشهر. وإذا تزامنت هذه الحرب مع حال الغليان التي يمكن أن يشهده الوضع السوري، فهذا معناه أنّ إسرائيل ربما تكون على وشك ضربات وعمليات كبيرة وخطيرة في لبنان وسوريا وإيران في آن معاً.
على الحدود الشرقية
في هذه الأثناء، سُجّل أمس تطور أمني لافت على الحدود الشرقية مع سوريا، حيث تعرّضت قوة من الجيش اللبناني لإطلاق نار من عناصر الأمن العام السوري، عقب إقفالها معبر غير شرعي يُستخدم للتهريب في منطقة المشرفة – القاع الحدودية، ما أدّى إلى وقوع اشتباك بين الطرفين لبعض الوقت.
وعُلم أنّ تواصلاً جرى بين الجانبين اللبناني والسوري لتطويق الاشتباك ومعالجة ذيوله، فيما برّر السوريون إطلاق النار بأنّهم ظنوا انّ الجنود اللبنانيين هم من “حزب الله”!
وأصدرت قيادة الجيش – مديرية التوجيه البيان الآتي:
“بتاريخ 14/ 12/ 2025، أثناء قيام وحدة من الجيش بتنفيذ دورية في منطقة المشرفة – الهرمل، تعرّضت لإطلاق نار من الجانب السوري فردّت بالمثل على مصادر النيران من دون وقوع إصابات في صفوف العسكريين.على إثر الحادثة، جرت اتصالات بين الجيش والسلطات السورية المعنية وعاد الوضع إلى طبيعته”.
مدبولي
من جهة أخرى، يزور رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي لبنان الجمعة المقبل، في زيارة تستمر يومين، يلتقي خلالها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام. وتندرج هذه الزيارة ضمن سياق تحرّك مصري متواصل تجاه لبنان خلال المرحلة الأخيرة.
دعم إيراني لـ”الحزب”
على صعيد الموقف الإيراني من التطورات اللبنانية، قال مستشار المرشد الأعلى في إيران للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، خلال لقائه ممثل “حزب الله” في طهران عبد الله صفيّ الدين، “إنّ إيران ستواصل بحزم دعم “حزب الله” الذي يقف في الخطوط الأمامية للمقاومة”. واعتبر أنّ “حزب الله” يُعدّ أحد أهم أعمدة جبهة المقاومة، ويؤدي دورًا أساسيًا في مواجهة الصهيونية”.
من جهته صفيّ الدين أكّد أنّ “الكيان الصهيوني وداعميه يجب أن يعلموا أنّ “حزب الله” متى ما قرّر سيردّ بحزم”، مشدّدًا على أنّ “حزب الله اليوم أقوى من أي وقت مضى، وهو مستعد للدفاع عن وحدة أراضي لبنان وشعبه”، مؤكّدًا أنّه “لن يضع سلاحه بأي حال من الحالات”.
وإلى ذلك، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، السلطات اللبنانية إلى اعتماد الحوار، في أول تعليق رسمي على عدم موافقة لبنان بعد على اعتماد السفير الإيراني الجديد. وأكّد أنّ “العلاقة الديبلوماسية بين إيران ولبنان علاقة قديمة وقوية ولا تزال قائمة”، مشيرًا إلى “أنّ إيران لديها سفير معتمد في لبنان، كما أنّ السفير اللبناني الجديد استقرّ أخيراً في طهران”.
وفي ما يتصل بالسفير الإيراني الجديد، أوضح بقائي أنّه تمّ تقديم الطلبات واستكمال الإجراءات المتعلقة بتعيينه منذ فترة”، معربًا عن أمله في “أن تسير هذه العملية بشكل طبيعي، وأن يتمكن السفير الجديد من تسلّم مهماته في بيروت قريبًا”. وشدّد على تفضيل بلاده “تجنّب أي تصريحات قد تشغل لبنان عن التركيز على حماية سيادته الوطنية وسلامة أراضيه”.
عون يدين
وفي مجال آخر، اكّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون “إدانته الكاملة للإعتداء الذي وقع في مدينة سيدني الأوسترالية”. وشدّد على “أنّ القيم الإنسانية، وفي طليعتها قيمة الحق في الحياة، هي مبادئ عالمية ثابتة، غير خاضعة للاستنساب ولا للمزاجية أو إلاجتزاء. فكما ندين ونرفض الاعتداء على أي مدني بريء في غزة أو في جنوب لبنان أو في أي منطقة من العالم، كذلك بالمبدأ والواجب نفسيهما، ندين ما حصل في سيدني”. وشدّد على انّ “مسؤولية هذه المآسي تقع على منظومات نشر أفكار الكراهية والتطرف ورفض الآخر والسعي بالعنف إلى قيام أنظمة الآحاديات الدينية او العرقية او السياسية. تماماً كما تقع على ما يغذي تلك السياقات من ظواهر ظلم وقهر وغياب للعدالة في عالمنا الراهن”.
تدقيق إسرائيلي
في غضون ذلك، قالت صحفٌ إسرائيليّة إنّ أجهزة الأمن في إسرائيل تدقّق في احتمال وجود صلاتٍ إيرانيّة، أو عبر “حزب الله”، وراء الهجوم المسلّح الذي استهدف الاحتفال بـ”عيد الانوار” اليهودي (حانوكا) على شاطئ بوندي في سيدني.
وبحسب ما أوردته i24NEWS، فإنّ إسرائيل “تفحص” أيضًا فرضيّة أن يكون الهجوم ردًّا من “حزب الله”، أو بإيعازٍ إيرانيّ، على اغتيال القياديّ علي طبطبائي. ونقلت عن مصدرٍ أمنيٍّ إسرائيليّ: “لا نؤكّد بعد أنّ إيران وراء الهجوم، لكنّنا نجري تحقيقًا معمّقًا ولم نصل إلى استنتاجات”.
وعلّق نتنياهو على الحادث، بالقول “إنّ معاداة السامية سرطان ينتشر عندما يصمت القادة”. وأضاف: “راسلتُ رئيس الوزراء الأوسترالي قبل أشهر وأخبرته أنّ سياسة حكومته تشجع على كراهية اليهود”.
ترامب
ودان الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوم سيدني. وقال، أثناء احتفال لمناسبة عيد الميلاد في البيت الأبيض: “كان هجوماً مروعاً”. وأضاف: “كان هجوماً معادياً للسامية بشكل واضح”.
ودان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اسماعيل بقائي، حادثة سيدني الاوسترالية. وقال عبر منصة “إكس”: إننا ندين الهجوم العنيف في مدينة سيدني الاوسترالية؛ الاغتيال وقتل الناس مرفوض ومدان أينما ارتُكب”.



