أتدري ما هو الذل؟

كتبت قمر رشيد لموقع قلم سياسي:
أتدري ما هو الذل؟
الذل أن تنام على ركام بيتٍ تهدّم باسم زعيمك، وتُقنع نفسك أنّ الخراب وسام بطولة.
الذل أن تمشي فوق أشلاء أحلام أطفالك، ثم تهتف لمن باعهم: “لبيك لبيك”.
الذل أن تُقدّس صورة زعمائك، بينما يتركونك حيًّا في موتٍ لا ينتهي؛ أن يُغتال يومك وتُسوّق ليلتك على أنها فجرٌ مجيد.
الذل أن يُوارى رزقك تحت الردم، ويُبرّرون ذلك بكلماتٍ جوفاء: «فدا السيد… فدا الخط… فدا المقاومة.»
الذل أن يتحوّل جسدك إلى خزّان ذخيرة، ودمك إلى وثيقة ولاء تُباع وتُشترى، وروحك تُغتصب لتغذية مشروعٍ لا يعرفك ولا يرحمك ولا يحميك.
الذل أن تعيش في نشوة «الانتصار» بينما الحقيقةُ انكسارٌ مُغلّفٌ وشقاء مؤبد.
الذل أن تربي أبناءك على أن يكونوا بنادق، فتكتشف أن كل رصاصةٍ أُطلِقت ارتدت عليك خرابًا.
الذل أن ترتجف أمّك بين غارةٍ وغارة، وأن تبكي زوجتك بصمتٍ وتهمس: «فدا المقاومة»، فيما هم في مواكبهم يرفعون راياتهم، لا يرون فيك سوى «بيئة حاضنة» تُضحّي، ولا يسألون عن سبب تهدّم بيتك أو عن دمك المسفوك.
الذل أن يُقتل ولدك، فيأتي مسؤول ليؤطّر وجعك بصورةٍ تزيّن نشراته، ثم يعود إلى قصره المنيع؛
الذل أن يصبح شهيدك إعلانًا، وتصبح أنت جثةً تمشي بصمتٍ خانعٍ ورضى مُفتعل.
الذل أن تبقى بلدتك خطّ دفاعٍ دائمٍ، وأن تُعلّق بيوتك بين حربٍ مضت وحربٍ تُحضّر لها أصابعهم.
الذل أن تُرمّم الحياة بخطبٍ وصور، وأن تتسوّل حقًا كان مفترضًا أن يكون بديهياً: أن تُعيش.
الذل أن تُختصر في رقمٍ ينزف، وهم يُختصرون في خُطبٍ تمجّد كذبهم.
أن يُقاس نزفك بعدّادٍ للبطولة، ويُقاس مجدهم بعدد المصفّقين.
أن تكون أنت الضحية، وهم الغانمون بدمك… يرفعون راية النصر فوق قبرك.
هذا هو الذل: أن يموت مستقبلك كل يوم، وأنت تُقنع قلبك أن هذا الموت انتصار.
فهل يوجد ذلٌ أشدّ من أن تُقتل بصمتٍ وتمنح قاتلك قداسة؟
والذل الأعظم: أن تعيش بوهم «المقاومة»، بينما ولاؤهم لوليٍّ خارج حدود وطنك، وأن تضحّي بدمك ومالك من أجل مشروعٍ لا يحميك، وهم يخططون لمستقبلٍ أُعدّ لغيرك.
هذا هو الذل.
هذا هو الخزي حين يصبح الصمتُ جزءًا من الجريمة، والولاءُ ثمنًا تُدفعه أنت بدمك.

