مقالات

لبنان امام الخيار الحاسم… برّاك نطق بلسان ترامب؟

في خضمّ التحوّلات التي تشهدها المنطقة، وتحديداً بعد الانعطافة الواضحة في مقاربة واشنطن لملفات الشرق الأوسط، برزت سلسلة تغريدات المبعوث الأميركي إلى لبنان توم برّاك كحدث سياسي لافت أعاد تسليط الضوء على موقع لبنان في خريطة الأولويات الأميركية الجديدة. فالتغريدات التي اتّسمت بلهجة غير اعتيادية من حيث حدتها وصراحتها، لم تقرأ في بيروت كمجرد مواقف إعلامية عابرة، بل كجزء من استراتيجية ضغط متدرّج تعتمدها الإدارة الأميركية لإعادة رسم موازين القوى داخل لبنان، ومحاولة التأثير في مسار الصراع بين محوري واشنطن ومحور طهران.

فتوقيت المواقف الأميركية لم يكن صدفة، في لحظة تستخدم فيها واشنطن الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية بدل المواجهة العسكرية المباشرة، لتحقيق اهدافها، حيث يشكل لبنان على ما يبدو ساحة اختبار نموذجية لهذه المقاربة الجديدة، في مشهد سياسي داخلي يهدد بمزيد من الانقسام والتوتر، مع خشية حقيقية من أن تتحوّل تغريدة إلى شرارة أزمة سياسية جديدة.

من هنا، فإن تحليل مضمون وتداعيات تصريحات براك لا يمكن عزله عن الاستراتيجية الأميركية الأوسع في المنطقة، ولا عن التحولات الإقليمية التي تفرض على لبنان أن يعيد تحديد موقعه في لعبة المحاور الكبرى. فما بدا تغريدات على منصة «إكس»، هو في الواقع «بيان سياسي مصغّر» يحمل بين سطوره إشارات إنذار، ورسائل تذكير، وربما خريطة طريق جديدة ترسمها واشنطن لبيروت في مرحلة تتجه فيها المنطقة نحو إعادة توزيع النفوذ والولاءات.

تصعيد براك

وفيما يبدو ان فترة السماح انتهت مع عودة واشنطن الى لغة التحذير من الاسوأ، مع اقتحام المبعوث الاميركي توم براك للمشهد اللبناني، عبر حزمة من التغريدات العالية السقف، بعد فترة من الانكفاء العلني المقصود، الذي اخفى وراءه حركة ناشطة في الكواليس، ارتفعت وتيرتها بعد لقاء رئيس الجمهورية بوزير الخارجية الاميركي ماركو روبيو، على هامش اجتماعات الـ 80 للهيئة العامة للامم المتحدة في نيويورك، بمشاركة براك واورتاغوس، مع ما حملته معها من اشارات بالغة الدقة، «تجاهلها المسؤولون اللبنانيون، وفقا لمصادر اميركية – لبنانية، كاشفة ان لقاء عون – روبيو، تبعته جلسات من النقاش بين المسؤولين في الادارة الاميركية على اكثر من مستوى، من اكثر من جهة، خلصت الى ما اعلنه براك على طريقته، بالاتفاق مع وزير الخارجية، الذي يتولى حاليا الاشراف على الملف اللبناني، الى حين استلام مساعده لشؤون الشرق الادنى مهامه، بعد الانتهاء من فترة الاغلاق.

وتابعت المصادر بان الجانب اللبناني الرسمي، قرأ كلام الرئيس دونالد ترامب من اسرائيل في غير موقعه الصحيح، مسقطا «الربط المشروط الذي وضعه»، والذي يصب في اطار كلام براك نفسه، وان جاء بصيغة اكثر عمومية، مؤكدة ان بيروت مقبلة على ايام صعبة، على كافة المستويات، ذلك ان ما كان مقبولا اميركيا قبل اشهر ورفض لبنانيا، لن يكون مقبولا اليوم، وبالتالي على السلطة اللبنانية ان تتعامل بواقعية مع فشل اتفاق وقف النار الموقع في 27 تشرين 2024، بكل تداعياته.

وختمت المصادر بان «ترويكا» الحكم في بيروت تتصرف من منطلق انها تقدم حبل النجاة للادارة الاميركية لاخراجها من «الورطة اللبنانية»، وهو ما يجافي الحقيقة تماما، اذ ان «المحشور» هو لبنان، ومن يحتاج للخروج من المربع الذي يراوح فيه هو بيروت.

لقاء باريس

ومن باريس، التي «غرد» منها براك على منصة» اكس»، عقد اجتماع بين الاخير ووزير خارجية فرنسا جان – نويل بارو، تناول الملفين اللبناني والسوري، وشؤون المنطقة، حيث جرى نقاش مفصل في مضمون الكلام الذي اعلنه الموفد الاميركي، ساده بعض التمايز لجهة مقاربة الاهداف والنتائج، وفقا لمصادر دبلوماسية مواكبة، مشيرة الى ان مؤتمر دعم الجيش «المتعثر»، احتل مساحة مهمة من النقاش، حيث كان اتفاق على ضرورة الحصول على لوائح مفصلة ودقيقة لحاجات الجيش وفقا لاولويات مراحل الخطة.

وتابعت المصادر، بان باريس تحاول احداث خرق في هذا المجال، عبر «تليين» الموقف الاميركي، والذي ظهر واضحا خلال لقاءات بارو الاسبوع الماضي مع مسؤولين سعوديين، تناولت دعم الجيش والتي انتهت الى خلاصة «سلبية»، في ظل العجز عن تحديد موعد ومكان عقد المؤتمر، وسط صعوبة تامين مشاركين من الجهات المانحة، حيث بينت الاتصالات وجود هوة كبيرة بين اولويات الدول وساحات المساعدات.

موقف بيروت

مصادر سياسية لبنانية لفتت الى ان لا خلاف «رسمي» مع الثنائي حول مبدأ التفاوض الذي طرحه رئيس الجمهورية، بناء لاقتراح من رئيس الحكومة نواف سلام، الذي عرض فكرة التفاوض وفق النموذج الذي جرى خلال اتفاق الترسيم البحري عام 2022، عبر وساطة «الدبلوماسية المكوكية» التي تولاها في حينه الموفد الرئاسي اموس هوكشتاين، تاركا لرئيس الجمهورية تامين الاجماع الداخلي حول الخطوة، في رد على الطروحات الاميركية المتتالية والضاغطة باتجاه حوار مع تل ابيب، ثابته ان يكون مباشرا.

واشارت المصادر إلى أن لبنان بات اليوم أمام واقع جديد ومغاير عن المراحل السابقة، كاشفة ان المفاوضات التي قيل إنها جاءت من خلال عرض قدم لرئيس الجمهورية في نيويورك لا صحة لها، بل هناك جدية أميركية في دفع لبنان نحو المفاوضات مع إسرائيل، في ظل تنسيق أميركي – سعودي، قد يكون لبنان لاحقا على أجندته، متوقعة زيارة للموفد الاميري السعودي يزيد بن فرحان الى بيروت خلال الايام المقبلة.

وتتابع المصادر بان ثمة وجهة نظر في البلد لا يستهان بها، تنطلق من ضرورة اعتماد بيروت مقاربات اكثر مرونة في التعامل مع المتغيرات الاقليمية، خصوصًا مع ضيق الوقت والضغوط الأميركية المتزايدة لتحديد مسار واضح قبل نهاية العام الحالي، في حين تواصل إسرائيل تصعيدها الميداني على الحدود، ما يجعل أي تأخير إضافي مكلفًا سياسيًا وأمنيًا.

رسائل «اسرائيل» الجوية

وسط هذا المشهد السياسي الملبد، المنذر بقدوم العاصفة، يشهد الوضع العسكري حركة غير اعتيادية، سواء على الارض جنوبا او في الجو، في ظل «هستيريا» الطائرات المسيرة التي تغطي الاراضي اللبنانية منذ اكثر من 24 ساعة بشكل متواصل، خرقت معها قواعد وخطوطا حمراء رسمتها في الفترة الماضية التوازنات الدولية، والتي يبدو انها سقطت.

اوساط «خبيرة» رات ان تحليق الطائرات المسيّرة الإسرائيلية فوق بيروت، والقصر الجمهوري، تحديدا، كما ونوعا، ليس حدثاً عادياً يمكن إدراجه في خانة «الخرق الروتيني» للأجواء اللبنانية، خصوصا ان الحدث جاء في لحظة سياسية وأمنية مشحونة، يتقاطع فيها الداخل اللبناني المنقسم حول دعوة رئيس الجمهورية للحوار مع إسرائيل، مع تصعيد ميداني متواصل على الحدود الجنوبية وتبدّل في قواعد الاشتباك غير المعلنة، وسط ترقب قلق حول ما اذا هذا التحرك الجوي رسالة تحذير سياسية موجّهة إلى الداخل اللبناني، بمثابة إعادة رسم خريطة الردع النفسي والسياسي مع لبنان، أم أنه جزء من عملية استخباراتية مركّبة تهدف إلى جمع معلومات دقيقة حول التحركات في محيط بعض المقرات الرسمية، حيث لم يحصل المعنيون حتى الساعة على أي اجابات واضحة من عواصم القرار.

وتشير الاوساط الى ان المعطيات الميدانية تظهر أنّ إسرائيل باتت تستخدم المسيّرات ليس كوسيلة استطلاع فحسب، بل كأداة ضغط سياسي واستراتيجي، في إطار ما تسميه دوائرها العسكرية «الردع الذكي»، أي ممارسة الهيمنة عبر الفضاء، من دون الدخول في حرب مباشرة، ما يطرح جملة تساؤلات: هل تريد إسرائيل عبر تحليقها المكثّف فوق بيروت توجيه إنذار مبطن إلى السلطة اللبنانية الراعية لمبادرة الحوار؟ أم أن الهدف الحقيقي هو استخباراتي بحت، يرمي إلى تحديث بنك الأهداف قبل التحرك العسكري المحتمل في المرحلة المقبلة؟

وتختم المصادر، بالتاكيد انه بين هذين الاحتمالين، تبقى الحقيقة الأوضح أن ما يجري في سماء بيروت هو جزء من معركة صامتة تدور فوق الرؤوس، وتخفي وراءها رسائل سياسية دقيقة، وحسابات أمنية معقّدة.

معراب – عين التينة

واذا كانت شهدت الساحة السياسية اللبنانية خلال الساعات الماضية تصعيدًا لافتًا بين قطبين بارزين في المشهد البرلماني، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، لم يقتصر على تبادل الاتهامات الشخصية أو الانتقادات الإعلامية، بل أظهر بوضوح هشاشة التوافق داخل المجلس، وتعقيدات التوازنات الطائفية والسياسية التي تحكم عمل البرلمان، الا انه لم يترك تداعياته على جلسة الامس، والتي نجحت الاتصالات المكوكية التي جرت خلال الساعات الاخيرة في تمريرها بهدوء، وتامين نصابها، في مؤشر الى عدم رغبة أي من الاطراف للذهاب بعيدا في المواجهة، وحتى التعطيل.

الجلسة النيابية

وكان رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة العامة التي التأمت برئاسته، وخصصت لانتخاب أميني السر والمفوضين الثلاثة وأعضاء اللجان، وبقيت هيئة مكتب المجلس على ما كانت عليه، فيما طرأ تعديل طفيف على لجنتي الإعلام والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث حل النائب ملحم الرياشي مكان النائب غياث يزبك في لجنة الاعلام، والنائب أديب عبد المسيح مكان النائب فريد الخازن في لجنة تكنولوجيا المعلومات. وأعلن بري في ختام الجلسة بقاء رؤساء ومقرري اللجان في مواقعهم حسب ما تبلغ من اللجان النيابية. وفي التفاصيل، أعاد النواب انتخاب هيئة مكتب مجلس النواب كما كانت في السابق من دون تغيير لعدم ترشّح أي نائب، بما يشمل أميني السر والمفوضين الثلاثة، فيما فاز النائب آلان عون بالتزكية بمنصب أمين سر مجلس النواب.

قانون الانتخابات

اما بالنسبة للجدل الذي رافق انتخابات المجلس الداخلية حول موضوع قانون الانتخابات، وضعته مصادر معنية في اطار ملء الوقت الضائع، في ظل طبخة يعمل عليها في الكواليس، تقودها فرنسا، وتتمحور حول الغاء المقاعد الستة في الخارج، على ان يتم الاقتراع في لبنان لمن يرغب من المغتربين، رغم ان طيف كلام براك كان حاضرا في اللقاءات الجانبية تحديدا لجهة كلامه عن انتفاضة 17 تشرين جديدة في حال تاجيل الانتخابات بحجة الحرب او غيرها.

علما ان النائب غسان سكاف أعلن من المجلس، انه سيطلب تأجيل الانتخابات إلى 15 تموز للسماح للمغتربين بالانتخاب خلال تواجدهم في لبنان، مضيفا ،هذا ضمن تسوية سياسية تطبخ خلف الكواليس.

«بيروت 1»

التعثر «العسكري» المترافق مع انعدام الحديث عن مؤتمر الدعم الاقتصادي الذي يريده الرئيس ماكرون ويعمل له، نتيجة الشروط الاميركية الصارمة، دفع بالحكومة اللبنانية الى استنساخ التجربة السورية، ودعوة رجال الاعمال الى مؤتمر يعقد في 18 و19 تشرين الثاني في بيروت، تحت عنوان «beirut1 « يجمع العشرات من المستثمرين بعد سنوات من الغياب، بهدف اعادة تفعيل الاقتصاد اللبناني وجذب الاستثمارات المحلية والدولية.

وفي هذا الاطار انطلقت امس من مقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي وبحضور وزير الاقتصاد، التحضيرات الرسمية، على بعد شهر من الافتتاح الرسمي، حيث تكشف مصادر وزارية عن طرح برامج استثمارية فعلية بقيمة تتجازو الـ 7.5 مليار دولار تشمل مشاريع البنى التحتية والنقل والطاقة والمياه والخدمات، اضافة الى القطاعات الانتاجية والسياحة والاقتصاد الابداعي وريادة الاعمال، ما سيسمح باطلاق سلسلة من المشاريع «الانمائية»، رغم صرخة الصناعيين، على خلفية ما حصل مع بعض المؤسسات الانتاجية، من تنورين وغيرها، وما رافقها من تداعيات الى خسارة عشرات ملايين الدولارات مع الغاء عقود تصدير للخارج، في وقت لا تزال فيه المعالجات الرسمية دون المستوى المطلوب.

يشار، الى ان اجواء رجال الاعمال الفرنسيين، غير مشجعة على هذا الصعيد، اذ نقل عن اوساط اقتصادية في فرنسا، ان انطباع بعض اعضاء الوفد الاقتصادي الفرنسي الذي زار بيروت منذ قرابة الاسبوعين، مطلعا على الاوضاع والخطط اللبنانية على صعيد خطة الانقاذ والاصلاح، لم يكن ايجابيا، في ظل قناعة تاكدت لديهم بعد اللقاءات التي عقدت مع المسؤولين، في مقدمتهم الرؤساء الثلاثة، بان لا مجال لاي اصلاح او تغيير في ظل التوازنات الحالية في لبنان، والاهم اسلوب وطريقة مقاربة الملفات والازمات، والتي ما زالت تراوح مكانها ولم تشهد اي تغيير في الذهنية.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى