محليمقالات خاصة

حزب الله والسعودية: بين مراجعة إستراتيجية ومناورة إقليمية

كتب عمر بلح لقلم سياسي،

في خطابٍ يحمل أكثر من رسالة، يُغيّر حزب الله بوصلة خطابه نحو المملكة العربية السعودية. دعوة الأمين العام، نعيم قاسم، للحوار ليست مجرد تصريح دبلوماسي عابر، بل هي نقلة نوعية في سردية الحزب التي ظلت لسنواتٍ تُصوّر الرياض كمصدرٍ للتهديد. هذا التحول من خطاب التصعيد إلى لغة الدعوة للحوار يطرح سؤالاً جوهريًا: هل نحن أمام مراجعة استراتيجية جذرية، أم أنها مناورة تكتيكية تحكمها متغيراتُ اللعبة الإقليمية الأوسع؟

لكن وزن الكلمات يُقاس بذاكرة المنطقة. فالشاهد على هذه العلاقة هو خطابات الأمين العام السابق حسن نصر الله، التي وصلت إلى حد اتهام السعودية بـ “تمويل الإرهاب”. اليوم، يحاول الحزب طي هذه الصفحة بسرعة، لكن جدران الذاكرة الإقليمية لا تُمحى بسهولة. هذا التناقض الصارخ ليس مجرد تغير في اللهجة، بل هو مؤشر على هشاشة المواقف السياسية في منطقةٍ تحكمها تحالفاتٌ متقلبة.

التحول في لغة حزب الله لا ينفصل عن القرار الإيراني. فبعد المصالحة مع الرياض، أصبحت طهران تفضل لغة التهدئة، وحزب الله – باعتباره امتدادًا إستراتيجيًا لإيران – ملزمٌ باتباع هذه السيرة. لكن القصة لا تنتهي هنا؛ فالسعودية تدرك أن أي حوار حقيقي يجب أن يمر عبر بوابة الدولة اللبنانية، وليس عبر الميليشيات. والسؤال الأعمق: هل يمكن لحزب الله أن يتحول إلى لاعب سياسي “مقبول” دون أن يدفع ثمنًا داخليًا، يبدأ بالتخلي عن سلاحه وهوية التمرد التي بنى عليها مشروعه؟

في العمق، تختزل هذه الدعوة أزمة لبنان الهيكلية. فما يُسمى بالعرقلة السياسية هو في الحقيقة صراعٌ بين مشروعين: مشروع الدولة بمؤسساتها الشرعية، ومشروع السلاح الموازي الذي يهيمن على القرار. ويرى محللون أن خطاب الحزب نحو السعودية يشكّل اعترافًا غير مباشر بأن الأزمة اللبنانية لم تعد تُحلّ من الداخل فقط، بل أصبحت رهينةً بالحسابات الإقليمية. لكنهم يؤكدون في المقابل أن أي حلٍّ مستدام يبدأ من الداخل، حيث لا استقرار للبنان ما لم تنتفِ مبررات السلاح غير الشرعي، وتُستعاد الهيبة لمؤسسات الدولة التي أنهكها منطق القوى الموازية.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى