محليمقالات

تأهّب سياسي وأمني عشية ذكرى نصرالله… عاصفة برّاك لم تهدأ… ومخاوف من مفاجآت

لم تهدأ العاصفة السياسيّة التي أثارها الموفد الأميركي توم برّاك، بل ما زالت تأسر الأوساط الرسمية والسياسية التي تبحث على اختلاف مستوياتها عمّا يساعدها على فهم أبعاد المواقف الهجومية التي ساقها، وما يُمهّد له بالنسبة إلى المنطقة بصورة عامة ولبنان بصورة خاصة، سواء من ناحية مضمونها الفاقع في صراحته وفي وضوح الأهداف التي حدّدها، أو من ناحية توقيتها في هذه المرحلة التي تتفق القراءات والمقاربات والتحليلات السياسية على أنّها تتسمّ بخطورة غير مسبوقة، وتبدو وكأنّها مضبوطة على إيقاع متسارع بوتيرة دراماتيكية نحو متغيّرات وتحوّلات في ساحات متعدّدة.

المسلّم به لدى مختلف الأوساط الداخلية على اختلاف مستوياتها واتجاهاتها، هو أنّ برّاك، حدّد أجندة عمل، وما أدلى به سواء حول المنطقة ونفي وجود سلام، أو حول الجيش أو حول سلاح «حزب الله» وإعادة ترميم قدراته العسكرية والمالية، ووصفه مع إيران بالعدو ولا بُدّ من قطع رأس الأفعى، لم يأتِ به بمعزل عن الإدارة الأميركية، والشعور العام لدى هذه الأوساط، وحتى لدى مَن يُصنَّفون في خانة الحلفاء والأصدقاء للولايات المتحدة الأميركية، أشبه ما يكون بإحباط شامل غارق في بحر هائج تتلاطمه تساؤلات قلقة ومخاوف حقيقية من تدحرج الأمور نحو مفاجآت غير محمودة ومنزلقات خطيرة على كلّ المستويات، وخصوصاً على المستوى الأمني.

احتمالات ومفاجآت

الصّورة قاتمة جداً، وفق توصيف مرجع كبير، ويُؤكّد لـ«الجمهورية» أنّ «الوضع أصعب ممّا نتخيّل، فطرق الحلول مسدودة بالكامل، ولا يوجد منفذ لحلّ، أو أيّ ممّهدات لمثل هذا الحلّ، كلّ الناس انكفأت عن تقديم أيّ مساعدة حقيقية، وتُرك لبنان وحده في هذا المأزق، يبدو أنّ الحلول ليس في روزنامة الدول حالياً، وخصوصاً لدى مَن تحمّسوا لبلوغ حل في لبنان، حتى أنّ ما حُكيَ سابقاً عن حلّ سياسي محا توم برّاك أثره بالكامل، وتبعاً لذلك، وضعنا حرج جداً، ومشرّع على كلّ الاحتمالات وربما مفاجآت خطيرة، لقد وصلنا إلى منحدر لا ينقذنا منه سوى معجزة إلهية».

مخاوف من تطوّرات

وإذا كان التفلّت الإسرائيلي وتصاعد العمليات العدوانية والإغتيالات اليومية منذ اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني من العام الماضي، قد أبقى لبنان على حافة التفجير الواسع في أي لحظة، وهو ما تلوّح به التهديدات التي يطلقها المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل، وكذلك المناورات العسكرية الإسرائيلية التي تحاكي اقتحامات قرى وبلدات لبنانية، فإنّ المراجع السياسية والأمنية تقارب الساعات الـ72 المقبلة بمستوى عالٍ من الحذر والتخوّف من حصول تطوّرات مفاجئة.

ووفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ «الأجهزة الأمنية الرسمية وغير الرسمية في أعلى درجة الاستنفار، عشية الاحتفالات المقرّرة في الذكرى السنوية لاغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ولوحظ تكثيف الإجراءات الأمنية المنظورة وغير المنظورة في العديد من المناطق اللبنانية، ولاسيما في المناطق المحدّدة لإحياء الذكرى، وذلك تحسّباً لأيّ طارئ ومنع حصول أي خلل أمني، وسط روايات وأحاديث كثيرة عن نوايا إسرائيلية بالقيام بعمليات عدوانية، سواء عبرها مباشرة او عبر عملاء لها في الداخل».

ورداً على سؤال لـ«الجمهورية» عن مدى صحّة هذه الروايات، وما إذا كان ثمة في الأفق ما يُقلق، أوضح مرجع أمني: «في البلد كلام كثير، وتُنسج روايات وسيناريوهات من هنا وهناك لا تمتّ إلى الواقع بأي صلة، ولا يُقصد منها سوى تخويف الناس والتهويل عليهم. لكن في مطلق الأحوال، فإنّ كل الأجهزة الأمنية والعسكرية تقوم بواجباتها، وتتعاطى مع الأمور بمسؤولية وتتابع أدق التفاصيل الأمنية، للحفاظ على الوضع الأمني ومنع العابثين من الإخلال به، وإحباط أيّ محاولة للتخريب. أي أنّ كلّ الأجهزة الأمنية يقظة وتُكثف إجراءاتها بصورة مباشرة ومدروسة، وهو الأمر الذي نؤكّد عليه دائماً للمواطنين بأن يكونوا على قدرٍ عالٍ من اليقظة والحذر ومساعدة الأجهزة الأمنية في مهامها».

يُشار في سياق الاحتفالات بذكرى السيد نصرالله، إلى أنّ النقاشات لم تتوقف حول عزم «حزب الله» إضاءة صخرة الروشة بصورتَي الأمينَين العامَّين للحزب السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، وتردّد أنّ جمعية مقرّبة من الحزب تقدّمت بعلم وخبر لتجمّع على الكورنيش مقابل صخرة الروشة لإحياء ذكرى الأمينَين «وبناءً عليه، حفاظاً على الحرّيات العامة وحرّية التجمّع تمّ إعطاؤهم الإذن من قِبل محافظ بيروت شرط الإلتزام بعدم قطع الطريق وعدم عرقلة السير والحفاظ على الممتلكات العامة وعدم إنارة صخرة الروشة وعدم بث صور ضوئية عليها، وذلك بناءً على التعميم الصادر عن رئيس الحكومة نواف سلام». وتردّدت بعض المعلومات عن أنّ القوى الأمنية ستنتشر اليوم في محيط منطقة الروشة براً وبحراً لمنع أي مخالفة للقوانين، بعد تعميم سلام حول منع استعمال الأماكن العامة من دون ترخيص. وأفيد أنّ ثمة تدابير صارمة من القوى الأمنية لمنع أي خرق، مشيرةً إلى أنّ عناصر مكافحة الشغب ستتواجد في المكان للحؤول دون مخالفة القانون.

تسليح الحزب

إلى ذلك، ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على «حزب الله»، صدر موقف إيراني لافت في مضمونه، عبّر عنه رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، نفى فيه وجود طريق «مسدود بالمطلق» لإيصال الأسلحة لـ«حزب الله»، إلّا أنّه تحدّث عن وجود «صعوبات». وأكّد قاليباف «أنّ «حزب الله» حيّ، واليوم أكثر حيَوية من أي وقتٍ مضى، من حيث المعتقدات، والقدرات، والتماسك، والجوانب المادية والمعنوية، لكن هذا لا يعني عدم وجود تحدّيات». وشدّد قالبياف أيضاً على أنّ «الكيان الإسرائيلي لم يتمكن أبداً من التغلّب على الحزب، على رغم من عملية البيجرز الإرهابية والاغتيالات».

تحذير من عدوان

على أنّ المخاوف لا تقتصر على الأمن الداخلي، بل تتزايد على الحدودَين الجنوبية والشرقية، وتعكس ذلك خلاصة «تقدير موقف» تلقّاه أحد كبار المسؤولين، ينصّ على «خشية صريحة من اتساع دائرة التفلّت الإسرائيلي، لمحاولة فرض وقائع أمنية جديدة في أمكنة جديدة، بهدف تضييق الخناق الإسرائيلي على لبنان».

ووفق ما يُفيد «تقدير الموقف»، فإنّ مردّ هذه الخشية هو الإتفاق الأمني المزمع توقيعه بين سوريا وإسرائيل في غضون فترة قصيرة جداً، وثمة مَن يتحدّث عن أيام قليلة، ويُشدّد على أنّ الخطر كبير جداً، فإسرائيل متفلّتة، ولا تشعر بوجود رادع لها، وتحظى برعاية كاملة ودعم مباشر من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ومن هنا يُلفت عناية المسؤولين والسلطات في لبنان، إلى أنّه لا يجب أن نلغي من الحسبان احتمال الخطر على منطقة البقاع، لأنّ تمدّد إسرائيل في سوريا ليس محدوداً، بل لا شيء يمنعها من أن تُقدِم قبل أو أثناء أو بعد توقيع الاتفاق الأمني مع سوريا، على أن تتمدّد عسكرياً داخل سوريا وصولاً إلى مشارف المصنع، أي إلى مشارف البقاع، وتستحدث نقاطاً شبيهة بالنقاط التي تحتلها في الجنوب، وتفرض واقعاً في المنطقة أشبه بالحزام الأمني تتحكّم فيه بالنار، وذلك في خطوة من شأنها أن تزيد الضغط على لبنان لجرّه إلى اتفاق أمني معها، وربما إلى ما هو أبعد من اتفاق أمني».

مرحلة ضغوطات وتوترات

وإذا كان «تقدير الموقف» المذكور يضع العدوان الإسرائيلي الواسع في خانة الترجيح القوي، إلّا أنّ مسؤولاً كبيراً لا يراه ممكناً في هذه المرحلة. ويشرح رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: «لا يُستبعد أي شيء من إسرائيل، لكن في ما خصّ العدوان الواسع على لبنان وغير لبنان، يصبح ممكناً ومحتملاً إذا ما تمكّنت إسرائيل من حسم الحرب في غزة، وهو أمر لم يحصل حتى الآن، وقد لا يحصل. هذا لا يعني أن يُترَك لبنان لحاله، فالإسرائيليّون ومعهم الأميركيّون يُريدون نزع سلاح «حزب الله»، ولم يتمكّنوا من ذلك، ولذلك فقد تكون أمام لبنان مرحلة من الضغوطات الكبيرة، سواء بتصعيد الإعتداءات، ورفع وتيرة الإغتيالات، استهداف المدنيِّين على غرار ما فعلوه في مجزرة بنت جبيل، وتصعيد الضغوطات على الدولة اللبنانية، ومحاولة دفعها إلى خطوات وإجراءات لا إجماع عليها، كالدفع بقوة نحو الترجمة العملية لقرار سحب سلاح «حزب الله»، وهذا معناه إدخال البلد بتوتّرات وإشكالات واشتباكات سياسية وربما افتعال صدامات».

جولة ومسيّرات

على صعيد أمني متصل، وفيما كثفت إسرائيل من طلعات طيرانها الحربي والمسيّر في الأجواء اللبنانية، وتمركز الطيران التجسسي على علو منخفض ولوقت طويل في أجواء الضاحية الجنوبية، قام رئيس لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النّار المنتهية ولايته وخَلَفُه، برفقة وفد عسكري من السّفارة الأميركية والجيش اللبناني، بجولة في منطقة جنوب الليطاني. وفي سياق متصل أعلنت الناطقة الرسمية بإسم «اليونيفيل» كانديس آرديل، أنّ «مسيّرة إسرائيلية سقطت أمس الأول داخل المقرّ العام لليونيفيل في الناقورة، ولم يُصب أحد بأذى». وأضافت: «كما هو الحال مع جميع مسيّرات الجيش الإسرائيلي وغيرها من الطلعات الجوية فوق جنوب لبنان، يُعدّ هذا انتهاكاً للقرار 1701 وللسيادة اللبنانية». ولفتت إلى أنّ «اليونيفيل تأخذ أي تدخّل أو تهديد ضدّ أفرادها أو منشآتها أو عملياتها على محمل الجدّ، وستحتجّ رسمياً على هذا العمل».

ماكرون

وفي سياق متصل، قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لـ«العربية»: «ان العمل مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن لبنان وثيق وجيد جدًا»، واعتبر «ان خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح تسمح باستعادة سلطة الدولة». واكد ان «على إسرائيل الانسحاب من جنوب لبنان».

عون وجلسة تشريع

سياسياً، تابع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس، لقاءاته في نيويورك، حيث التقى على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لمناسبة مرور 80 عاماً على تأسيس المنظمة الدولية، مع عدد من قادة الدول العربية والأجنبية وعدد من رجال الأعمال ومجموعة الدعم الأميركية من أجل لبنان (تاسك فورس فور لبنان).

وفي الداخل، ينعقد مجلس النواب في جلسة تشريعية الاثنين المقبل لدرس وإقرار جدول أعمال من 17 بنداً، ليس من بينها اقتراح المعجّل المكرّر المرتبط بتصويت المغتربين لكل أعضاء مجلس النواب. وتقرّر انعقاد الجلسة خلال اجتماع هيئة مكتب المجلس التي انعقدت برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة.

وكان بري قد استقبل السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون لمناسبة انتهاء فترة انتدابها في لبنان، وقد زارت للغاية عينها رئيس الحكومة نواف سلام، الذي استقبل في وقت لاحق قائد الجيش العماد رودولف هيكل، وبحث معه الأوضاع الأمنية في البلاد.

المصدر
الجمهورية


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى