
لم تكن المرة الأولى التي يثير فيها الموفد الأميركي إلى لبنان توم برّاك ضجة لبنانية واسعة حيال تصريحاته ومواقفه من الوضع في لبنان، ولكن تصريحاته أمس “حلّقت” إلى منسوب قياسي من “الغرائبية” لجهة توجيهه انتقادات قاسية إلى لبنان الذي ينتظر ويراهن على دعم واشنطن لمسيرته الأمنية، بما يمكنه من المضي قدماً في خطة حصرية السلاح من جهة، ولجم إسرائيل عن الإغراق في الجنوح الحربي فوق أرضه من جهة أخرى. ولعل ما حوّل اتهامات برّاك للبنان بأنه لم يفعل شيئاً سوى الكلام إلى عاصفة تساؤلات قلقة عما يقف وراء هذا التطور السلبي، أن تصريحات برّاك جاءت معاكسة لأجواء تحدثت عن ارتياح أبدته الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس عقب مشاركتها الأحد الماضي في اجتماع لجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل للخطة التي ينفذها الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، علماً أن لبنان الرسمي لم ينظر بارتياح إلى ما أعقب الاجتماع من ارتكاب إسرائيل مجزرة بنت جبيل بحق عائلة من بين ضحاياها ثلاثة أطفال. وبين الملابسات الخطيرة التي أثيرت بعد تلك الغارة الدموية عقب ساعات قليلة من اجتماع “الميكانيزم” وتصريحات برّاك المباغتة أمس، ارتسمت مجدداً معالم التجاذب الضمني بين “المعلن والمضمر” في موقف الإدارة الأميركية الحقيقي من خطة حصرية السلاح كما وضعها الجيش اللبناني ووافقت عليها الحكومة، كما زاد حالة الشكوك أن موقف برّاك، جاء كعامل مبرر لإسرائيل في ما تقوم به وما قد تكون تخطط له في لبنان لاحقاً. هذه الشكوك والتساؤلات القلقة لم ترد في أي تعليق أو رد رسمي لبناني على برّاك، لكن المعطيات المتوافرة تشير إلى أن دائرة الاتصالات اتسعت مباشرة بين المراجع المعنيين ومسؤولين في الإدارة الأميركية لجلاء غموض الانتقادات المفاجئة التي وجهها برّاك وبعض جوانب مواقفه الأخرى، وأن هذا المناخ صار ملازماً أيضاً للأجواء المواكبة لحضور رئيس الجمهورية جوزف عون في نيويورك. كما أن معلومات أفادت أن كلام برّاك أثير في جلسة مجلس الوزراء عصر أمس وأن وزير الطاقة جو صدي طالب بموقف حكومي من كلامه العالي السقف.
وكان الموفد الأميركي توم برّاك فاجأ الأوساط اللبنانية بتصريحات أدلى بها إلى محطة “سكاي نيوز” تطرق فيها إلى موضوع نزع سلاح “حزب الله”، فاعتبر أنّ “كل ما يفعله لبنان هو الكلام، ولم يحدث أي عمل فعلي”، مشيراً إلى أن “حزب الله يعيد بناء قوته وعلى الحكومة أن تتحمل المسؤولية”، لافتاً إلى أنه “خلال هذه الفترة تدفق إلى “حزب الله” ما يصل إلى 60 مليون دولار شهرياً من مكان ما”. ورأى برّاك أن “لبنان يخشى نزع سلاح حزب الله لوجود اعتقاد بأن هذه الخطوة قد تؤدي إلى حرب أهلية”. وشدّد على أنّ الولايات المتحدة لن تتدخل لمواجهة الحزب، سواء من خلال قواتها أو عبر القيادة المركزية الأميركية.
وأكد برّاك أن “إسرائيل لديها 5 نقاط في جنوب لبنان ولن تنسحب منها”، واعتبر أن “الجيش اللبناني منظّم جيدا، ولكنه ليس مجهزًا بشكل جيّد”. وقال: “حزب الله عدونا وإيران عدوتنا ونحن بحاجة إلى قطع رؤوس هذه الأفاعي ومنع تمويلها”. وأشار إلى أن “الوضع في لبنان صعب جداً ولدينا الآن مجموعة جيدة في السلطة”.
تزامن ذلك مع ما نقلته “هيئة البث الإسرائيلية”عن مصدر أمني إسرائيلي بأن “إسرائيل ستتدخل مجدداً في لبنان إذا لم تُتخذ خطوات عملية (على ما يبدو من الجانب اللبناني) ضد سلاح “حزب الله”.
وأضاف أن “احتمال شن عملية برية أوسع نطاقاً في لبنان قائم، إذا لزم الأمر”. كما صرّح بأن “حزب الله” يحاول إعادة تأهيل نفسه، الأمر الذي يتطلب يقظة، وأن إسرائيل تعتقد أن وضع “حزب الله” العسكري لم ينتهِ بعد”. وأضاف أن “حزب الله” لا يملك القدرة العسكرية (لمواجهة إسرائيل) في حال نشوب مواجهة أخرى بين إسرائيل وإيران”.
وفي الوقت نفسه، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن شبكات “حزب الله” المالية. وقال برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية، في منشور على منصة “إكس”: “ساعدونا في تعطيل تدفق الأموال إلى إرهابيي حزب الله. هل لديكم معلومات عن شبكات حزب الله المالية أو مموليهم؟ اتصلوا بنا، فمعلوماتكم قد تؤهلكم للانتقال والحصول على مكافأة”.
وفي تطور لافت، برز تعميم أصدره أمس رئيس الحكومة نواف سلام إلى جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات واتحاداتها والأجهزة المعنية كافة “في شأن الالتزام بتطبيق القوانين التي ترعى استعمال الأملاك العامة البرية والبحرية والأماكن الأثرية والسياحية والمباني الرسمية والمعالم التي تحمل رمزية وطنية جامعة”، وطلب فيه سلام “التشدد في منع استعمالها قبل الاستحصال على التراخيص والأذونات اللازمة”. وجاء هذا التعميم على خلفية الضجة التي أثارها اتجاه “حزب الله” إلى إضاءة صخرة الروشة بصورة زعيمه الراحل السيد حسن نصرالله.
داخلياً، واصل مجلس الوزراء البحث في مشروع موازنة 2026 وعقد أمس جلسة إضافية. وأفادت معلومات أنه لن تكون هناك ضرائب في ما خصّ تأمين إيرادات الموازنة إنما ستحاول الحكومة أن تحصل على الإيرادات بمنع التهرّب الضريبي والتهريب الجمركي ومنع إنشاء شركات وهميّة وسنفرض تفعيل الجباية. وأشارت هذه المعلومات إلى أن مشروع الموازنة يضم زيادة ضرائب على المواطنين في موضوع القيمة المضافة والمعاملات الشخصية .وقال الوزير فادي مكي رداً على سؤال، من أين ستأتي الحكومة بالإيرادات: “من الضرائب”.
وسبق جلسة البارحة اجتماع عقده الرئيس نواف سلام في السرايا مع وفد من رابطة قدامى القوى المسلحة اللبنانية برئاسة العميد شامل روكز وفي حضور وزراء، المال ياسين جابر، الدفاع ميشال منسى والداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار، وتم خلاله الاتفاق على نقاط أساسية تتعلق بالشؤون المالية والرواتب، ما أدى إلى إنهاء اعتصام المتقاعدين حول السرايا الذين كانوا يعتزمون تعطيل انعقاد جلسات مجلس الوزراء.
ووصل إلى بيروت أمس وفد صندوق النقد الدولي برئاسة إرنستو راميريز ريغو في زيارة هي الرابعة منذ استأنف لبنان مفاوضاته مع الصندوق، وأعلن عن عزمه على توقيع برنامج إصلاحي معه. وعلى جدول الزيارة لقاءات مع عدد من المسؤولين بهدف الاطلاع على ما حققته الحكومة من تقدم على صعيد الإصلاحات الاقتصادية والمالية المتفق عليها. وعلى أجندة الوفد وفق المعلومات المتوافرة نقطتان أساسيتان للبحث، مشروع قانون موازنة 2026 والإصلاحات المقترحة والرؤية المالية والاقتصادية ضمن التوجهات الحكومية للسنة المقبلة، ومدى التقدم المحقق في إعداد مشروع قانون الفجوة المالية. ومن المنتظر أن يحمل ريغو رسالة واضحة في هذا المجال يحث فيها الحكومة على انجاز المشروعين قبل نهاية السنة الجارية وبدء الانشغال بالتحضير للانتخابات النيابية. ولن يكون الصندوق بعيداً عن المناقشات المرتقبة حيال تحديد الفجوة المالية وما هو مترتب على الدولة، وقد استبق وزير المال ياسين جابر وصول الوفد للإعلان أن الدولة لن تعترف بديونها المسجلة في المصرف المركزي.
أما النقطة الثانية، فتتعلق بمسألة شطب جزء من الودائع في إطار عملية شطب استباقي لحقوق المساهمين في المصارف، على ما يتم التداول به