محليمقالات خاصة

من النيبال إلى لبنان: حين يسقط النظام هناك ونسقط نحن في الفاتورة هنا

كتب عمر بلح لقلم سياسي،

في النيبال، خرج جيل بالكاد يعرف شيئًا عن صناديق الاقتراع لكنه يعرف كل شيء عن صناديق الغضب. شباب “الجيل زد” الذين لا يتجاوز عمرهم عمر هواتفهم الذكية، قرروا أن يكسروا حلقة الفساد، فأسقطوا حكومة، وأجبروا رئيس وزراء على الفرار، وفرضوا عودة منصات التواصل الاجتماعي التي حاولوا خنقها. أيام قليلة كانت كافية ليكتب هذا الجيل تاريخًا جديدًا لبلادهم.

أما في لبنان، فخرجنا نحن من أجل ستة سنتات على “الواتساب”، وصرخنا “ثورة ثورة”، ثم عدنا إلى بيوتنا نفاوض الكهرباء على ساعة إضافية ونساوم الخبز على نصف ربطة. هناك أسقطوا نظامًا، وهنا أسقطنا فاتورة الإنترنت. هناك أزاحوا السلطة، وهنا اكتشفنا أن أكبر إنجاز هو “سيلفي” على جسر الرينغ.

الفرق بين كاتمندو وبيروت ليس بالكيلومترات بل بالإرادة. في نيبال، جيل صغير قرر أن يكبر على أنقاض السلطة. في لبنان، جيل كبير قرر أن يصغر تحت أقدام زعيمه. هناك لم يسألوا عن مذهب المتظاهر ولا عن حزبه، هنا أول سؤال قبل الهتاف: “مع مين نازل؟”. هناك أشعلوا النار في قصور السياسيين، هنا أشعلنا شموعًا في الساحات وغنينا “بيلا تشاو” قبل أن نعود لنسأل الزعيم نفسه أن يشكّل حكومة إنقاذ.

في نيبال، النظام انهار. في لبنان، الليرة انهارت. هناك الشعب اقتحم بيوت المسؤولين، هنا المسؤولون اقتحموا جيوب الشعب. هناك التاريخ يُكتب على الأرض، هنا يُمسح على الطاولة.

هذه ليست مقارنة بين بلدين، بل بين عقلين: عقل شبابي حرّ كسر الطوق، وعقل مثقل بالطائفية ينتظر تصريحًا ليهتف. نيبال دخلت حقبة جديدة، أما لبنان فما زال يفتخر بثورته كأنها لوحة فنية تُعلّق على الحائط: جميلة، مؤثرة، لكن بلا أثر.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى