شُعُب أبي طالب أرحم من شُعُب غزة.. فهل من وثنيٍّ ينقذ أطفال الأمة المغشية؟

كتب الصحافي مصطفى عبيد لقلم سياسي،
في السنة السابعة للبعثة النبوية، هناك في شُعُب أبي طالب عرف المسلمون أول حرب تجويع من أجل إخضاعهم وصرفهم عن دينهم الجديد، عبر مقاطعة بني هاشم مسلمِهم وكافرِهم مقاطعةً سياسيةً، واقتصاديةً، واجتماعيةً، علَّهم يُسْلِمون من عاب دين قريش، وسبَّ أوثانها، وسفَّه أحلامها، وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
ثلاث سنوات قاسى خلالها المسلم والكافر من بني هاشم أقسى أنواع التجويع، وصلت إلى حد أكل الأوراق والجلود علَّها تُشبع بطون الأطفال وتُسكت صراخهم.
ومع أنه، وبنظرةٍ موضوعية للقضية، فما فعلته قريش دفاعاً عن أحلامها وأوثانها كان أمراً لا يمكن لأي قريشي أن يعارضه، فهو إن عارض يكون قد كفر بآلهته، وأنقذ من يهدد أمان قريش وأمنها، ورغم ذلك فقد رفض ضمير رجلٍ قريشيٍّ من عبدة الأوثان حينها أن تستمر هذه المجاعة، وهبَّ لنقض صحيفة المقاطعة وإنقاذ بني هاشم مسلمِهم وكافرِهم، فالكرامة والشرف والمروءة لا يمكن أن تسمح لعربي القبول بتجويع أخيه بغية إخضاعه ولو كانت حرب بقاء.
ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا قاسى المسلمون العديد من حروب التجويع والحصار الاقتصادي لوأد هذا الدين، ومحوه عن بكرة أبيه، تارةً بعنوان الحرب على الإرهاب، وطوراً منعاً من حيازة النووي، أو من أجل محاربة التطرف، وفي كل مرة يزداد تخاذل أمة المليارين حتى باتت كغثاء السيل فعلاً، لا رأي لها ولا تأثير.
ولكن ما يجري اليوم في شُعُب غزة فاق كل التوقعات؛ فهناك في شُعُب أبي طالب رفض القريشي الذي كان يعبد الأوثان حينها تجويع المسلم ولو من أجل آلهته، أما هنا في شُعُب العرب، في غزة المحاطة من كل جانب ببلدٍ شقيقٍ مسلم، نرى أطفالها يموتون جوعاً، والنساء جفَّت دموعُهن من كثرة المجازر والمآتم، والرجال كُسِرت كرامتُهم، بينما حكام، وقادة، وقضاة، وعلماء الأمة المسلمين مخصيون، متخاذلون، لا دين ولا شرف ولا كرامة تدفعهم لنصرة أبنائهم وإخوانهم المسلمين.
هناك في شُعُب غزة بلغت العشوائية أقصى مراحلها، وأصبحت الغوغائية هي الحاكمة للمشهد العام، ولم يعد للمنطق، ولا حتى للآلام الطبيعية مكان، فنرى الأب يبحث عن أشلاء أطفاله، والأم تبكي رضيعها، والبنت الصغيرة تكفّن أمها، والابن يصرخ بحثاً عن شقيقته، وعائلات تُباد بأكملها كأنها لم تكن، وإن فتَّشتَ في جيوب الآباء والأمهات بحثاً عن بطاقة هوية تُعرِّف عنهم، تجد مكانها بضع حبّات من القمح والأرز كانوا يحلمون بإيصالها لأطفالهم قبل أن يقتنصهم سليل القردة والخنازير.
هناك في شُعُب غزة، أطفالها لم يجدوا لهم وثنيّاً يجاورهم كوثني قريش يتحلى بالشرف والكرامة والمروءة التي تجعله يهبّ ليعلنها حرباً لنصرتهم، وإيصال الغذاء لهم، وإنقاذهم من الموت جوعاً وعطشاً برصاص محتلٍّ وضيع، بل وجدوا إخوانهم في الدين قد غضّوا أبصارهم، والتَهَوا بمهرجانات الرقص والتعري، متوسلين للصهيوني أن يُبيدهم لكي يُكملوا تعريهم وفسادهم وسفاهتهم بسلام و”وسطية”، دون أن يتم وسمهم بالإرهاب إن هم تأثروا لمقتل طفلٍ غزّاوي جائع.