مقالات

في لبنان .. السجون ليست للجرائم، بل للهوية

كتب محمد علوان لموقع “قلم سياسي”

أن تكون سنياً في لبنان، خاصة من مناطق محددة مثل طرابلس، فهذا وحده يكفي ليحولك إلى ملف أمني جاهز، ورقم جديد في طابور المساجين.
لا حاجة لأن تفعل شيئاً .. وجودك وحده جريمة، لأنك وُلدت في مناطق تعتبرها السلطة الحلقة الأضعف، والصندوق الأسهل لصبّ فشلها وارتباكها الأمني والسياسي.

لا تسأل عن التهم، فالتهم تُلفق لاحقاً.
تقرير كيدي، شبهة عابرة، مكالمة هاتفية مع شخص لا تعرفه، أو حتى ظهور اسمك مصادفة في هاتف أحده، يكفي كل هذا لزجّك خلف القضبان لسنوات طويلة.

لا دليل؟ لا مشكلة ! في هذه البلاد، البراءة تُثبت بعد عقد من الزمن، أو لا تُثبت أبداً.

في المقابل، تبقى الشوارع مسرحاً مفتوحاً للمخدرات والدعارة، وأسواق السلاح والعصابات، تحت حماية ضمنية من الأجهزة الأمنية التي تكتفي بالمراقبة والصمت.
سؤال مشروع: لماذا لا تُطالب هذه البؤر بالاعتقال والملاحقة؟ لماذا لا تُفتح السجون لهم؟
الجواب مرير: “السجون ممتلئة”

القانون يُطبق بحذافيره على الضعفاء، بينما يُغض الطرف عن كبار الفاسدين والمجرمين المدعومين من قوى سياسية وطائفية.

إحصاءات وتقارير حقوقية عديدة، صادرة عن منظمات مستقلة وموثوقة، تؤكد أن نسبة المعتقلين من هذه المناطق تفوق بكثير أي منطقة أخرى، وأن هناك مئات السجناء قضوا سنوات طويلة خلف القضبان دون محاكمة عادلة، مع توثيق حالات تعذيب ممنهجة داخل مراكز الاحتجاز، مخالفاً صريحاً لقانون تجريم التعذيب الذي صدّق عليه لبنان.

والطريف، بل المؤلم، أن السياسيين اللبنانيين الذين دشنوا مواقف مرتفعة ضد سجن صيدنايا في سوريا وممارسات التعذيب هناك، يتجاهلون ما يحدث في رومية وزنازين الأجهزة الأمنية اللبنانية.
تناسوا أو تغاضوا عن أن التعذيب في هذه المراكز يمارس رغم وجود قانون صارم لمناهضة التعذيب، وأن هناك تقارير رسمية من لجان حقوق الإنسان وشهادات منظمات غير حكومية توثق انتهاكات خطيرة داخل هذه الزنازين، بعضها موثق بالفيديو والصور، يضع لبنان أمام مسؤولياته القانونية والإنسانية.

أما المحكمة العسكرية، التي يُفترض أن تكون استثنائية، فقد تحولت إلى أداة أمنية بيد السياسة، تصدر أحكاماً مسبقة تستهدف فئات محددة دون قراءة حقيقية للملفات، في مشهد ينذر بانهيار كامل للعدالة.

في المقابل، تلهث القوى السياسية خصوصاً من فئة السنة في أروقة البرلمان ومكاتبهم، يدورون في حلقات مفرغة من المهادنة، أو التغريدات التي لا تنسجم مع واقع دماء وألم آلاف الأسر، ما زاد من حالة الاستياء والاحباط لدى من ينتظرون منهم أن يكونوا صوتهم المدافع عن حقوقهم.

لم تعد القضية مجرد خلل في النظام أو خطأ في تطبيق القانون.
إنها سياسة ممنهجة، تقضي على فئة كاملة عبر السجن والتعذيب والظلم، لترسيخ توازنات طائفية وسياسية على حساب الحقوق والكرامة.

لكن الحقيقة التي لا بد من مواجهتها أن هذه السياسات لن تستمر إلى الأبد.
المدن التي أرهقت وأُسكتت يوماً ، تتعلم الصبر، لكنها لا تصمت إلى الأبد.
والذين قضوا أعمارهم خلف القضبان لن ينسوا من تخلّى عنهم، ولن يتسامحوا مع الظلم والخذلان.

طرابلس، عكار، صيدا، عرسال وكل المناطق السنية ليست تهماً، والسنة في لبنان ليسوا مواد لتحقيق توازنات سياسية فاسدة، والقهر اليوم الذي يُمارس ضدهم، سينفجر غداً، ولن تكون لا المحكمة العسكرية ولا سجن رومية قادرين على احتوائه.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى