تشابهات فكرية صادمة: هل تتلاقى الأحباش والفكر اليهودي في الانغلاق والمنفعة الذاتية؟

في عالم يُروّج اليوم لقيم الانفتاح والتعايش، تبرز بعض النماذج الفكرية والمجتمعية التي تسير عكس التيار، وتتبنى سلوكيات انعزالية تركّز على المنفعة الذاتية وتهميش الآخر. في هذا السياق، يقدّم هذا المقال تحليلاً نقدياً للتشابهات بين “جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية” المعروفة بـ”الأحباش”، وبعض جوانب الفكر اليهودي، لا سيما الصهيوني، من حيث الممارسات الاجتماعية والاقتصادية والسرديات التاريخية، بما يُظهر التقاءً مقلقاً في بعض السلوكيات السلبية.
الانغلاق الاجتماعي والزواج الداخلي: قطيعة مع الآخر
من أبرز أوجه التشابه بين الطرفين، هو تقييد الروابط الاجتماعية، خاصة في ما يتعلق بالزواج الداخلي. تُعرف جماعة الأحباش بتفضيل زواج أعضائها من داخل الطائفة، انطلاقاً من قناعة بأن بقية المسلمين “على ضلال أو كفار”، وهو ما يعكس عقيدة تفوق ذاتي وانغلاق اجتماعي ممنهج. هذا النمط يُذكّر بممارسات بعض التيارات اليهودية، لا سيما الأصولية، التي تُشدد على عدم الاختلاط بالـ”أغيار” والحفاظ على “نقاء الجماعة” تحت ذريعة الانتماء العرقي والديني. التقاليد التلمودية مثلاً تعزز فكرة “الشعب المختار”، مما يُعزز مشاعر العزلة والانفصال عن بقية المجتمعات. في كلا الحالتين، يُستخدم الزواج كأداة لإحكام العزلة الاجتماعية وبناء هوية متمايزة تُقاوم التفاعل مع المحيط.
الاقتصاد المغلق والمنفعة الذاتية: دورة داخلية تخدم الجماعة
كلا النموذجين يُفضّلان إنشاء اقتصاد داخلي موجه لخدمة مصالح الجماعة فقط. يُشجّع الأحباش على شراء السلع والخدمات من أفراد طائفتهم، مما يعكس رغبة في بناء اكتفاء ذاتي يعزلهم عن السوق الأوسع. بالمثل، ركّز الفكر الصهيوني منذ بداياته على الاقتصاد الداخلي. فقد أنشأ “الصندوق القومي اليهودي” و”جمعية الاستعمار اليهودي” لتمويل الاستيطان اليهودي وتوطينه اقتصادياً واجتماعياً، مع التأكيد على مفهوم “العمل العبري” و”المنتج العبري”. هذه السياسات هدفها تقوية الجماعة داخلياً، لكنها تسهم في خلق اقتصادات موازية وتُضعف من فرص التكامل المجتمعي، كما تؤدي إلى احتكار داخلي واستغلال الموارد لخدمة المصالح الذاتية فقط.
السردية الذاتية وتهميش الآخر: إعادة صياغة التاريخ لخدمة الجماعة
الطرفان يعيدان بناء سرديات تاريخية تتمحور حول معاناتهما وتفوقهما الذاتي. الفكر الصهيوني يركّز على “المظلومية اليهودية” و”حق العودة التاريخي إلى أرض إسرائيل”، بينما يتجاهل الرواية الفلسطينية بشكل كامل. في المقابل، يروّج الأحباش لرؤية دينية ترى في جماعتهم الوريث الشرعي الوحيد لـ”المنهج الصحيح”، مع التقليل أو حتى التكفير لباقي الطوائف. هذا النمط من السردية يُسهم في شيطنة الآخر وتعزيز شعور بالاستحقاق والانفصال. كما يمنح الشرعية لأي سلوك يهدف لحماية مصالح الجماعة، حتى وإن كان على حساب الحقيقة أو التعدد.
الهيمنة وبسط النفوذ: مؤسسات وأدوات للتمدد لا للتكامل
في السياق الصهيوني، يظهر مشروع الدولة القومية اليهودية كمثال صارخ على الهيمنة الإثنية، من خلال السيطرة على الأرض والموارد، وبناء دولة على أسس تمييزية. في المقابل، يمكن ملاحظة ميل جماعة الأحباش للتمدد داخل المجتمع اللبناني عبر المؤسسات التربوية والاجتماعية التي تنشر فكرهم وتخدم مصالحهم التنظيمية، لا العامة. تأسيس المدارس الخاصة بهم وتغلغلهم في بعض المفاصل الاجتماعية يعكس رغبة في فرض نموذج فكري مغلق، لا يستهدف الاندماج بل التوسع والتأثير الأحادي.
تجنيد الدعم وحشد الموارد: تعبئة داخلية تخدم الهدف الجمعي
يشترك الطرفان أيضاً في أسلوب تعبئة الموارد البشرية والمالية. الفكر الصهيوني يعتمد على دعم يهود الشتات مالياً وسياسياً من أجل دعم مشروع الاستيطان، بينما تجمع “جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية” التبرعات لدعم أنشطتها الدعوية والخيرية. في الحالتين، يتم توظيف الخطاب الديني أو القومي لحشد الأتباع وجمع الموارد، في إطار مشروع لا يخدم المصلحة العامة بل يكرّس الانتماء الضيق.
تحريف النصوص الدينية: غطاء لشرعنة الانعزال والإقصاء
الأخطر من كل ما سبق، هو الاستخدام الانتقائي للنصوص الدينية لتبرير الانغلاق والمنفعة الذاتية. الأحباش مثلاً يستخدمون مفاهيم التكفير والضلال ضد المسلمين الآخرين كذريعة للانعزال والتفوق. في المقابل، تعتمد التيارات الصهيونية الدينية على تفسيرات تلمودية تعزز من “الحق الإلهي” في الأرض وتُشرعن الهيمنة على حساب الآخرين. هذا الاستخدام المغلوط للنصوص يُحوّل الدين إلى أداة إقصاء وشرعنة للعنصرية والانتهازية.
ثقافة الانتقام وتلاشي القيم الأخلاقية: مصلحة الجماعة فوق كل اعتبار
في كلا النموذجين، تتلاشى القيم الأخلاقية والإنسانية أمام ما يُعتبر “مصلحة الجماعة”. سواء في السياسات التوسعية والتهجير في السياق الصهيوني، أو في النزعة الإقصائية لدى الأحباش، يبدو أن المفاهيم الدينية والإنسانية مثل الرحمة والعدالة تُستبدل بمنطق الهيمنة والانغلاق. التظاهر بالقيم لا يتعدى القشرة الخارجية، بينما في العمق تُمارَس سياسات التهميش والاستغلال.
دعوة إلى التفكير النقدي
ما يجب التوقف عنده هو أن هذه الممارسات لا ترتبط بدين بعينه، بل بالنمط المغلق الذي تتبناه بعض الجماعات عندما ترى نفسها “صاحبة الحقيقة المطلقة”. هذه الرؤية تنتج في الغالب ممارسات انعزالية، استغلالية، ومضادة للتعايش الإنساني. فالانغلاق الاجتماعي والاقتصادي، وتهميش الآخر، والسعي إلى الهيمنة، كلها سلوكيات تحمل عواقب وخيمة على النسيج المجتمعي. علينا أن نحذر من استخدام النصوص الدينية كغطاء للتمييز والانفصال، وأن نرفض أي مشروع فكري أو ديني يضع مصلحة الجماعة فوق كرامة الإنسان وحقوقه.