عباءة المناصفة .. ستارة يتوشح بها خصوم الأمس!

كتب محمد علوان لقلم سياسي :
في لبنان، لا تُصنع التحالفات من رحم القناعات، بل من بذور الخوف.الخوف من الخسارة، من انحسار النفوذ، من مواجهة شعب بات يقرأ بين السطور، ويفكك الأقنعة.ها هم خصوم الأمس، من فرقوا اللبنانيين على أساس الطائفة، وسكبوا على جدران هذا البلد سنوات من الانقسام، يلتقون اليوم تحت ستارة واحدة. لا مشروع يجمعهم، لا رؤية توحّدهم، بل فقط شعار المناصفة، وقد تحولت إلى لائحة انتخابية تخفي وراءها صفقة باردة بهدف استمرار التمثيل الطائفي بأي ثمن.فمن كان يتهم الآخر بالعمالة، يصافحه اليوم على المنبر. ومن كان يرى في سلاحه تهديداً وجودياً، بات جليسه في اللائحة. أما الناس؟ فهم المشاهدون على هذا المسلسل البائس، حيث السياسة تفقد معناها، وتُسلب من الأخلاق ضوابطها.هؤلاء لا يجمعهم حب الوطن، بل الخوف من المواطن. ولا توحدهم المبادئ، بل مصلحة مشتركة في البقاء. تحالفات لا تُبنى على الثقة، بل على رُكام الصراعات القديمة، في لحظة ارتباك سياسي تُحاك فيها التسويات بخيط واحد وهو تجنّب المحاسبة.فكيف يمكن أن نصدّق أن من تبادلوا التخوين أصبحوا شركاء مشروع؟ وأي مصداقية لمن نادى بالسيادة وهو الآن يتحالف مع من طالما اعتبرهم نقيضاً لها؟هذا ليس تقاطعاً سياسياً، بل تواطؤ. ليس توحيداً للصفوف، بل تحصيناً لمواقع النفوذ.المناصفة التي وُلدت لضمان العدالة، باتت تُستخدم كدرع لحماية امتيازات، ولتبرير ازدواجية قاتلة تهدد جوهر الدولة.لكن بيروت، بكل ما تحمله من ذاكرة ومبدأ، ليست ملعباً لهذه اللعبة الرخيصة. بيروت تعرف جيداً من صمد على موقفه، ومن بدّل جلده. تعرف من تراجع تحت ضغط الضمير، ومن انحنى تحت وطأة المصلحة.آن الأوان لقول الحقيقة كما هي: المناصفة ليست سلعة انتخابية، ولا أداة تزيين للوائح مصطنعة. بل هي مسؤولية وطنية، تبدأ من احترام عقل الناخب، لا بتزييف خياراته.فيا من اختبأتم تحت مظلة المناصفة، تذكّروا أن من يراهن على ضعف الناس، يخسر حين يصحو وعيهم. ومن يتحالف خوفاً، يعيش في قلق دائم من يوم الحساب.لبنان لا يحتاج إلى تحالفات، بل إلى وضوح. وبيروت، كما كانت دائماً، قادرة على فرز الزيف من الأصالة، والاختيار لمن يشبهها، لا لمن يساوم عليها.