محليمقالات خاصة

ما بعد رمزي نهرا: بين إرث الفساد وتزوير الانتخابات البلدية

كتب عمر بلح لقلم سياسي،

في قرارٍ طال انتظاره، وضع مجلس الوزراء محافظ الشمال رمزي نهرا في عهدة وزير الداخلية، إلى حين تعيين محافظ جديد يتولّى المسؤولية رسميًا. هذه الخطوة، التي أتت بعد سنوات من الانتقادات الحادّة لأداء نهرا، تُعدّ تحوّلًا مهمًّا — ولو متأخرًا — في مقاربة ملف الفساد الإداري في الشمال، لا سيّما بعد ما جرى في الانتخابات البلدية الأخيرة التي كشفت عمق التردي في الأداء المؤسساتي.

لم يكن خروج رمزي نهرا من المشهد الإداري مجرد قرار مسلكي، بل هو نتيجة تراكم سنوات من الشكاوى والاتهامات التي طالت الرجل، خصوصًا ما تعلّق بتدخّله في مسار الانتخابات البلدية التي جرت مؤخرًا، والتي شكّلت فصلاً جديدًا من فصول التلاعب بإرادة الناخبين. فقد وثّقت جهات محلية ومراقبون مستقلّون عدة خروقات في مراكز الاقتراع، خصوصًا في محافظة الشمال، حيث سُجّلت تدخلات مباشرة وغير مباشرة من قبل المحافظ ومن يسيرون تحت جناح فساده، من خلال الضغط على بعض رؤساء الأقلام، وتوفير الحماية السياسية واللوجستية للوائح محسوبة على أطراف نافذة.

مصادر مطلعة أكّدت أن نهرا لعب دورًا محوريًا في تغطية التجاوزات التي حصلت، والتي تراوحت بين التأثير على الفرز، والسماح باعطاء تصاريح مندوبين للوائح دون غيرها، مرورًا بتغاضيه عن مخالفات موثّقة تتعلّق بتسيير العملية الانتخابية في ظروف غير قانونية. هذا التواطؤ لم يكن خفيًّا على أحد، بل بدا امتدادًا طبيعيًا لنهجٍ اعتمد على المحسوبية وتصفية الحسابات، بدلًا من الحياد الإداري والالتزام بالقانون.

وإذا كان البعض يعتبر أن قرار وضع نهرا في عهدة الوزير هو تمهيد لإقالته، فإنّ الغالبية ترى أنّه لا يرتقي إلى حجم الانتهاكات التي ارتكبت، خصوصًا في سياق انتخابات من المفترض أن تعكس إرادة الناس وتكرّس الشفافية. والسؤال الأبرز اليوم: هل سيتحوّل هذا القرار إلى فرصة حقيقية لفتح ملفاته، أم أنّ الدولة ستُعيد اعتماد منطق التستّر والتسويات على حساب العدالة والمحاسبة؟

إنّ الإشارة إلى إرث رمزي نهرا لا تكتمل من دون التذكير بأنّه كان لسنوات رمزًا لثقافة “الدولة الموازية”، حيث تختلط الإدارة بالسياسة، ويتحوّل الموظف العام إلى أداة بيد الجهات النافذة، على حساب القانون والمصلحة العامة. ومن هنا، فإنّ إقصائه عن منصبه لا يجب أن يكون نهاية القصة، بل بدايتها، بدءًا من فتح تحقيقات في كل ما جرى خلال الانتخابات، وصولاً إلى مراجعة شاملة لطريقة تعيين المحافظين وإخضاعهم للمساءلة.

أبناء الشمال لا يطالبون فقط بتغيير اسم في منصب، بل بإعادة الاعتبار للمؤسسات، وبضمان أن تكون الانتخابات المقبلة نزيهة وشفافة وخالية من “الإشراف السياسي” الذي مثّله نهرا. فما حصل في الانتخابات البلدية الأخيرة ليس حادثًا عابرًا، بل فضيحة موثّقة لا يجوز القفز فوقها.

إنّ مرحلة ما بعد رمزي نهرا يجب أن تكون لحظة فاصلة بين زمن المحاصصة والتسيّب، وزمن المؤسسات والقانون. فهل تكون هذه الخطوة بداية إصلاح فعلي، أم مجرد عملية تجميلية في مسلسل طويل من اللاعدالة؟


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى