العرس الديمقراطي .. صورة زائفة في انتخابات بلدية مبتورة!

كتب محمد علوان لقلم سياسي،
لا يكاد يمر موسم انتخابي في لبنان دون أن ترفع شعارات رنانة وخطابات شعبوية، العرس الديمقراطي، ذلك اليوم الذي يفترض أن يكون حافلاً بالأمل والتغيير.
لكن هذه الشعارات لم تعد إلا هروباً من الواقع، إذ تحول العرس إلى مجرد تجميل لواقع سياسي أليم يسيطر عليه الفساد، ويغيب عنه التغيير الحقيقي.
الانتخابات البلدية الأخيرة في الشمال كشفت عن الكثير من السلبيات التي كانت مؤجلة، فبدلاً من أن تكون فرصة للمواطنين لاختيار الأفضل، تحولت إلى يوم آخر يكرّس الممارسات السياسية المألوفة مثل المحسوبية، الرشوة الانتخابية، شكاوى المواطنين وتوترات الأجواء التي كانت مؤشراً واضحاً على أن ما يحدث في صناديق الاقتراع لا علاقة له بتطلعات الناس، بل بصراعات السلطة والمال.
تقلصت نسب الاقتراع في عدد من المناطق الشمالية، ما يعكس يأساً متزايداً لدى المواطنين، الذين فقدوا الأمل في أن تحمل الانتخابات أي تغيير حقيقي.
من يقرر عدم المشاركة في هذا النظام الذي يستخف بصوته، إنما يعبر عن حالة من فقدان الثقة في العملية السياسية برمتها، وتكريس الشعور بالإحباط.
والأكثر إيلاماً هو مشهد شراء الأصوات، المواطنون الذين باعوا أصواتهم مقابل حفنة من المال أو وعود فارغة، أو من خلال تسهيلات شخصية من بعض المرشحين.
هكذا، تصبح الانتخابات مجرد صفقة يتم فيها التلاعب بمستقبل الأفراد والبلدات مقابل بعض الفتات، ويغيب عنهم الهدف الأسمى للعملية الديمقراطية مثل التغيير والإصلاح.
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل ظاهرة الانتخابات العائلية، عندما تفرض بعض العائلات أو أصحاب النفوذ هيمنتهم على الانتخابات عبر الضغط على المواطنين للتصويت لأفراد عائلاتهم أو لمصالحهم الخاصة، هذا النوع من التصويت لا يعكس إرادة الناس الحقيقية بل يتناقض مع مبدأ الحرية في اختيار ممثليهم.
ومن الأسوأ، الفوضى التي ترافق يوم الانتخابات، إطلاق النار العشوائي، الذي شهدته بعض المناطق احتفاءً بالفوز، هو خير مثال على انهيار القيم وغياب الضمير!
كان من المفترض أن يكون يوم الانتخابات فرصة للتعبير السلمي عن الرأي، لكنه تحول إلى ساحة نزاع تعكس مدى الخلل في الهيكل السياسي والأمني.
الحديث عن إصلاحات انتخابية وتغيير هو مجرد أضغاث أحلام طالما رددها السياسيون دون أن تجد طريقاً إلى الواقع.
في كل مرة تقام فيها الانتخابات، يتجدد الأمل في التغيير، لكن سرعان ما يزول عندما تصطدم الوعود بالواقع، ويكتشف المواطن أن السلطة لا تزال في يد نفس القوى التي تتحكم في كل شيء.
ربما يجب أن نعيد تعريف العرس الديمقراطي، فقد يكون العرس فعلاً، ولكن ليس من أجل الشعب، بل من أجل أولئك الذين يسيطرون على النظام.
وقد يكون الديمقراطي شكلاً، لكنّه يفتقر إلى جوهره الحقيقي.
الحل لا يكمن في التصويت لمرة واحدة، بل في إعادة هيكلة النظام السياسي برمته، بدءًا من انتخابات شفافة، وصولاً إلى حكومة مسؤولة أمام الشعب.
فالإرادة الشعبية لا تُقاس بمقدار التلاعب بالأصوات أو السعي وراء المصالح الشخصية، بل في القدرة على اختيار ممثلين يعكسون طموحات الناس وأحلامهم.
قد تكون الانتخابات جزءًا من الحل، ولكنها لن تكون كافية إذا لم تصاحب بإرادة قوية للتغيير من داخل النظام، وليس مجرد تقليد لشكل الانتخابات الذي سئمنا منه جميعاً.