مقالات خاصة

عدو الأمس .. حليف اليوم ! .. حين تتحول السياسة في لبنان إلى سوق للمبادئ المستعملة

كتب محمد علوان لموقع قلم سياسي:

ليست مجرد عبارة عابرة، بل واقع يُجسّده أحد نواب طرابلس، الذي أمضى سنوات في التنظير السياسي وانتقاد الهيمنة على لبنان في كل ظهور إعلامي.

كان الصوت الأعلى في مواجهة السلاح غير الشرعي، والوجه الذي طالما تزيّن بمصطلحات السيادة، العدالة، والحرية.. لكنه كما كثيرين، سقط في اختبار الثبات.

السياسة في لبنان، خصوصاً عند بعض من يدّعون تمثيل السنّة، لا تحكمها المبادئ، بل تتقلب مع الظروف والمصالح، ليتحول العدو إلى شريك، و الخطر الوجودي إلى حليف تكتيكي، وتبلع كل الشعارات في سبيل مقعد بلديّ أو نفوذ موضعي.

هكذا، ببساطة، يُنسف الخطاب السيادي تحت عنوان الواقعية، ومصلحة الناس التي تُستعمل ذريعة لكل انقلاب في المواقف.

ما يزيد الطين بلة، أن هذه التحولات لا ترافقها تبريرات مقنعة أو مراجعة صادقة. بل يصر صاحب التحول على التمسك بدور الحريص على مصلحة المدينة، وكأن الذاكرة الجماعية للناس لا تحتفظ بالتصريحات النارية، ولا تسجيلات المقابلات، ولا المقاطع المصورة التي كانت تتداول بفخر قبل أن تصبح إحراجاً سياسياً.

لبنان، بطبيعته، بلد التسويات، لكن التسويات لا تعني أن نبيع أنفسنا بالكامل، ولا أن نرتدي ثوباً جديداً كلما اشتدّ الحرّ السياسي. التسويات الحقيقية تصنعها الدول القوية، أما ما نعيشه هنا، فهو مجرد خضوع بعبارات مُلطّفة، ومواقف رمادية مموّهة.

ومن طرابلس تحديداً، المدينة التي دفعت ثمن تموضعها، والتي لطالما انتُهِكت سيادتها بأصوات مرتفعة، ووعود وهمية، يُعاد اليوم تدوير خطاب الانبطاح وكأنه وعي سياسي، بينما هو انكسار أمام ميزان الربح والخسارة.

ربما نغضّ النظر عن بعض التحولات إن أتت في إطار مشروع وطني جامع، لكن أن تأتي بشكل فردي، فجّ، وبدون مصارحة الناس، فهذا لا يُغتفر..!

فالسياسة، وإن كانت فن الممكن، تبقى أخلاقاً أولاً، وكرامة ثانياً، ووفاء للناس الذين منحوك ثقتهم، لا ساحة لمجرد البقاء في الصورة.

المشكلة ليست في أن البعض غيّر موقفه، بل في أنه ظن أن الناس نسيت، أو أنها لن تحاسب، وهذا ما يُراد ترسيخه في الذهن اللبناني .. أن المواقف لا ذاكرة لها، وأن الغاية تبرر الوسيلة.

لكن الرأي العام تغيّر، والناس أصبحت أذكى من أن تُخدع بلغة منمّقة وصورة مُتأنّقة. لذلك، إن أردنا مستقبلاً مختلفاً ، فعلينا أولاً أن نُسمي الأمور بأسمائها، وأن نفضح ازدواجية المعايير، ونكشف من استبدل المبدأ بالمصلحة.

والأهم من كل ذلك، أن يدرك أولئك الذين يتلوّنون في مواقفهم، أن عهد وصاية التذاكي على الناس انتهى وأندثر.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى