محليمقالات خاصة

الموقوفون الإسلاميون في لبنان: سُجناء الهوية والطائفة

كتبت “قمر رشيد” لقلم سياسي:

في دولةٍ يُرفع فيها شعار العدالة على المنابر وتُلقى الخطب في قدسية القضاء واستقلاله، يقبع مئات من الشباب السُّنة خلف قضبان السجون، لا لشيء سوى لأنهم يُصنّفون بـ”الإسلاميين”. بلا محاكمات، بلا تحقيقات عادلة، بلا أدلة دامغة. مجرد شبهة، تكفي ليُدفن الإنسان حيًا في زنازين النسيان.

بعض هؤلاء الموقوفين أمضى أكثر من عشر سنوات دون أن يرى قاضياً، دون أن يُمنح حق الدفاع عن نفسه، ودون أن يُصدر حكمٌ سواء بالبراءة أو بالإدانة. ما بين الجدران الباردة، يمر العمر، وتُستباح الكرامة، ويُقتل الحلم. لا أحد يسأل، ولا أحد يتكلف عناء السؤال، لأنهم ببساطة… “سُنة”.

نعم، في لبنان، التهمة تكفي أن تكون سنيًا متدينًا أو من أبناء مناطق مهمشة مثل طرابلس أو عكار أو عرسال أو عبرا، لتصبح في نظر بعض الأجهزة الأمنية “مشروع خطر”، أو “قنبلة موقوتة” يجب اعتقالها قبل أن تنفجر. وهكذا، يتحول التوقيف الاحتياطي إلى سجن مؤبد بلا محاكمة.

أليس هذا انتهاكًا صارخًا لأبسط حقوق الإنسان؟ أليس هذا خرقًا فاضحًا لمبدأ “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”؟ أين القانون؟ أين الدستور؟ أين أولئك الذين يتغنون بالحريات والعدالة؟ أم أن العدالة تُفصّل في هذا البلد على مقاس الطائفة والمذهب والانتماء السياسي؟

لكن السؤال الأهم: أين نواب المنطقة؟ أين نواب الطائفة؟
أين الذين ملأوا المنابر بكلام العزة والكرامة؟ أين أولئك الذين وعدونا بالدفاع عن حقوق الناس؟ هل انتهت ولايتهم عند صناديق الاقتراع؟ أم أن الموقوفين ليسوا “مادة دسمة” للصوت التفضيلي؟
أليس من واجبهم السياسي، والأخلاقي، والإنساني أن يفتحوا هذا الملف من جديد؟
هل يُعقل أن يكتفي بعضهم بالمناصب، والزيارات، والتصريحات المعلّبة، بينما مَن انتخبوهم يعانون خلف الجدران؟ هل تُقاس الرجولة فقط بعدد المؤتمرات والصور؟ أين مواقف الشجاعة؟ أين كلمة الحق؟
أليس فيهم رجلٌ رشيد؟

إنّ قضية الموقوفين الإسلاميين في لبنان ليست قضية طائفة، بل هي قضية عدالة تُهان، وحقوق تُسحق، ودولة تكشف عن وجهها البشع حين تُمارس التمييز تحت غطاء الأمن. إن الظلم الذي يُمارس بحق هؤلاء الشباب ليس مجرد خطأ قانوني، بل هو مؤشر على انهيار قيم الدولة، التي يفترض بها أن تحمي الحقوق وتساوي بين المواطنين.

مطالبتنا اليوم ليست بالاستثناء، بل بتطبيق القانون، لا أكثر ولا أقل. إنّ ملف الموقوفين الإسلاميين في لبنان هو وصمة عار على جبين الدولة، وهو بمثابة جرس إنذار ينبّه إلى الانهيار الخطير في الثقة بين المواطن السني وبين مؤسسات بلده. لأن الظلم حين يطال فئة دون غيرها، يصبح قنبلة حقيقية، لكن ليس في يد المظلوم، بل في ضمير كل من رضي بالسكوت.

أطلقوا سراح الأبرياء. أو حاكِموهم بمحاكمة عادلة.
لكن لا تقتلوا العدالة باسم الأمن، ولا تقتلوا الشباب لأنهم من الأكثرية، ولا تجعلوا الانتماء تهمة، ولا الهوية حُكماً بالإعدام البطيء.

فالظلم حين يُلبس ثوب القانون، يصبح أبشع أشكال الطغيان، والعدالة الانتقائية، هي وجه آخر للاضطهاد.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى