أي مستقبل لحزب الله في لبنان؟

كتبت “قمر رشيد” لقلم سياسي:
منذ تأسيسه، كان حزب الله أكثر من مجرد حزب لبناني؛ كان امتدادًا استراتيجيًا لإيران، لاعبًا إقليميًا فاعلًا، وكيانًا مسلحًا فرض نفوذه في الداخل اللبناني وخارجه. ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة، وخاصة الحرب مع إسرائيل، وضعت الحزب أمام تحديات غير مسبوقة، ليس فقط عسكريًا، بل أيضًا على مستوى دوره السياسي والاجتماعي داخل بيئته الحاضنة. فهل انتهى حزب الله كما عرفناه لعقود، أم أنه قادر على إعادة التموضع والبقاء؟
ظهر حزب الله في الثمانينيات كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكنه سرعان ما تحول إلى قوة عسكرية وسياسية تتجاوز حدود لبنان. ارتبط عقائديًا وعسكريًا بإيران، واستفاد من الدعم المالي والتسليحي الإيراني ليصبح أداة رئيسية في تنفيذ أجندة طهران الإقليمية. وقد تعززت مكانته داخليًا من خلال دوره في “تحرير” الجنوب عام 2000، ثم صموده في حرب 2006، ما جعله في نظر جزء كبير من الشيعة اللبنانيين رمزًا للكرامة والقوة.
إلا أن الحزب لم يبقَ محصورًا في معادلة “المقاومة”، بل توسع ليصبح لاعبًا إقليميًا، مشاركًا في الحرب السورية، ومدعومًا من إيران في صراعاتها الممتدة من العراق إلى اليمن. هذه الأدوار جعلته عرضة لصراعات تفوق قدرته المحلية، وربطت مصيره بمصير المشاريع الإقليمية لطهران.
هل انتهى حزب الله الإقليمي؟
الحرب الأخيرة مع إسرائيل قلبت المعادلات التي اعتمد عليها حزب الله لعقود. تكبّد الحزب خسائر عسكرية فادحة، وفُرضت عليه قيود تحدّ من قدرته على استخدام سلاحه كما كان في السابق. تزامن ذلك مع سقوط النظام السوري، مما أدى إلى تعطيل أحد أهم ممرات الإمداد الاستراتيجي للحزب.
ورغم أن ارتباطه بإيران لم ينقطع، فإن وظيفته كقوة إقليمية تلقت ضربة قاسية. فبعدما كان رأس الحربة في مشروع “المقاومة”، بات اليوم أمام واقع جديد: تراجع قدرته العسكرية، وانكماش دوره الخارجي، وصعوبة تبرير استمراره كمليشيا مسلحة في ظل الظروف المستجدة.
أما في الداخل اللبناني، يواجه الحزب تحديًا من نوع آخر. فرغم أنه لا يزال القوة الشيعية الأبرز، إلا أن الضغوط الاقتصادية والسياسية المتزايدة جعلت بيئته الحاضنة تعاني، خصوصًا بعد الحرب الأخيرة التي دمرت البنية التحتية للمناطق الشيعية، وخلّفت آلاف النازحين، وأثقلت كاهل المجتمع الذي يعتمد جزئيًا على دعم الحزب المالي والخدماتي.
على المستوى السياسي، لا يزال النظام الطائفي في لبنان يوفر للحزب فرصة للبقاء، إذ تحتاج الطائفة الشيعية إلى قوة تمثلها داخل هذا النظام. ورغم تزايد التململ داخل البيئة الشيعية بسبب المغامرات العسكرية، فإن غياب بديل فعّال يسمح للحزب بإعادة ترتيب أوراقه واستمرار نفوذه السياسي.
أحد أهم عوامل نجاح حزب الله كان دعمه المالي والخدماتي لبيئته، لكن العقوبات الدولية وتجفيف التمويل الإيراني وأعباء الحرب الأخيرة وضعته أمام أزمة مالية حادة. إذا لم يجد بدائل، قد تتراجع شعبيته ويصبح مجرد حزب شيعي قوي دون هيمنة.
في النهاية، الواقع يقول إن حزب الله بعد 23 شباط ليس كما كان قبله. فالضغوط العسكرية الأخيرة وانحسار دوره الإقليمي وضعاه أمام واقع جديد. لم يعد الحزب بالقوة التي كان عليها، وأصبح مضطراً لإعادة التموضع في ظل بيئة داخلية مأزومة وتغيرات إقليمية قد لا تكون في صالحه.
السنوات المقبلة ستحدد مصيره، إما بإيجاد طريق جديد للبقاء، أو بالتحول إلى مجرد لاعب سياسي ضمن التركيبة اللبنانية، بعد أن كان قوة فوق الدولة.