مقالات خاصة

وزارة المالية والفيتو الشيعي: لماذا يقاتل الثنائي الشيعي عليها؟

كتبت “قمر رشيد” لقلم سياسي؛

منذ عام 2020، تحوّلت وزارة المالية إلى نقطة صراع أساسية في تشكيل الحكومات اللبنانية، حيث يرفض الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) التخلي عنها بأي ثمن، ويصرّ على أن تكون بيد شخصية شيعية محسوبة عليه. لكن لماذا؟ هل المسألة تتعلق بحقوق طائفة كما يدّعون، أم أن وراء هذا الإصرار أهداف سياسية ومالية خطيرة، مرتبطة بسلطة التوقيع الثالث في الدولة اللبنانية؟

ما هو التوقيع الثالث ولماذا هو مهم؟
في النظام اللبناني، هناك ثلاثة توقيعات أساسية على المراسيم والقرارات المالية المهمة:
1. رئيس الجمهورية (ماروني)
2. رئيس الحكومة (سُنّي)
3. وزير المالية (شيعي)

هذا يعني أن وزير المالية يمتلك سلطة تعطيل أو تمرير أي قرار مالي كبير في الدولة، بما في ذلك القروض، التوظيفات، التلزيمات، الصفقات الكبرى، وحتى الموازنات العامة.

قبل عام 2020، لم يكن هناك نص دستوري يمنح وزارة المالية للطائفة الشيعية حصراً، لكنها كانت بيد شخصيات محسوبة على حركة أمل بمعظم الحكومات. وبعد انفجار مرفأ بيروت وسقوط حكومة حسان دياب، تحوّل الثنائي الشيعي إلى اعتبار وزارة المالية “خطاً أحمر” غير قابل للتفاوض.

لماذا يتمسّك بها الثنائي الشيعي؟

  1. حماية نفوذهم المالي والسياسي:
    منذ سنوات، وزارة المالية كانت الأداة الأساسية التي استخدمها الثنائي الشيعي في التحكم بالقرارات المالية للدولة، وخاصة في تغطية صفقاتهم وتمويل شبكاتهم. بعض أبرز الملفات التي مرت عبر الوزارة:
    •صفقات الكهرباء والفيول المغشوش
    •تهريب الأموال والمساعدات إلى سوريا وإيران
    •إدارة التوظيفات في القطاع العام، خاصة في الجمارك ومرفأ بيروت ومطار بيروت

وجود وزير مالية من الثنائي يضمن لهم تمرير الصفقات التي يريدونها، وتعطيل أي قرار مالي قد يهدد نفوذهم.

  1. تعطيل أي محاولة لمحاسبتهم:
    بعد ثورة 17 تشرين 2019، تصاعدت الدعوات لمحاسبة المسؤولين عن الفساد والهدر المالي. لكن وزير المالية كان المفتاح في تعطيل أي محاولة جدية للإصلاح، عبر:
    •منع التدقيق الجنائي في حسابات الدولة، خاصة في مصرف لبنان.
    •عرقلة أي قرارات تتعلق بالإصلاحات المالية المطلوبة دولياً.
    •حماية موظفين محسوبين على الثنائي من المساءلة، خاصة في الجمارك والمالية والمرافئ.
  2. السيطرة على الموازنة والتحكم بمالية الدولة

وزير المالية هو المسؤول عن:
•إعداد الموازنة السنوية وتوزيع الأموال على الوزارات.
•توقيع السلفات المالية والمخصصات للقطاعات المختلفة.
•الإشراف على القروض والمساعدات الدولية.

وهذا يعني أن أي فريق يسيطر على وزارة المالية، يمكنه أن يوجّه الموارد العامة حيث يريد، ويمنع تمويل أي قطاع قد لا يكون تحت نفوذه.

  1. ضمان استمرار تمويل حزب الله:
    من خلال وزارة المالية، يمكن تمرير أموال إلى مؤسسات تابعة لحزب الله بطريقة غير مباشرة، سواء عبر التلزيمات أو من خلال المصارف. كما أن الوزارة كانت غطاءً لتبييض الأموال عبر القطاع المصرفي، قبل الانهيار المالي.

كيف غطّى الثنائي الشيعي كل صفقاتهم عبر وزارة المالية؟

  1. تهريب الأموال إلى سوريا وإيران:
    لبنان كان يشتري الفيول والمازوت المدعوم بالدولار، لكن جزءاً كبيراً منه كان يُهرّب إلى سوريا. وزارة المالية كانت توافق على هذه العمليات، وتغطّي الفروقات المالية التي نتجت عن دعم المحروقات، مما أدى إلى استنزاف الاحتياطي النقدي في مصرف لبنان.
  2. صفقات الفيول والكهرباء:
    ملفات الفيول المغشوش، والتعاقد مع شركات غير مؤهلة لإنتاج الكهرباء، كلها مرت عبر قرارات وزارية لم تكن ممكنة دون غطاء وزارة المالية.
  3. التوظيف العشوائي في القطاع العام:
    في السنوات الماضية، تمّ توظيف الآلاف في إدارات الدولة بطريقة غير قانونية، رغم قرار منع التوظيف، ومعظم هذه التوظيفات كانت تتم بموافقة وزير المالية، كجزء من المحاصصة السياسية.

رغم إصرار الثنائي على أن وزارة المالية هي “حق شيعي”، إلا أن الواقع مختلف. فقبل عام 2014، لم يكن هناك أي عرف أو نص يمنح الوزارة لطائفة معينة، وكان يتم تداولها بين مختلف القوى السياسية. لكن اليوم، حزب الله وحركة أمل يعتبرانها خط دفاع أساسي عن نفوذهم المالي والسياسي، ولن يتنازلوا عنها بسهولة.

ومع ذلك، فإن فقدانهم للوزارة قد يكون المفتاح الأول لكسر قبضتهم على الدولة، وفتح ملفات الفساد التي غطّوها لعقود.

واليوم، مع تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة، يقف لبنان أمام لحظة مفصلية. سلام، المعروف باستقلاليته ورفضه لمنطق المحاصصة، يواجه تحدياً كبيراً في تشكيل حكومة إصلاحية قادرة على انتشال البلد من أزمته. وأول اختبار حقيقي له سيكون في رفضه منح وزارة المالية للثنائي الشيعي، وكسر احتكارهم لها.

إذا نجح نواف سلام في هذا التحدي، فسيكون قد وضع أساساً جديداً لحكومة سيادية، قادرة على فرض الإصلاحات، وإنهاء الهيمنة المالية والسياسية التي دمّرت الاقتصاد اللبناني. أما إذا خضع لضغوط حزب الله وحركة أمل، فمن الواضح أن البلد سيبقى عالقاً في دوامة الفساد والمحاصصة والشلل الاقتصادي، حيث يستمر الثنائي في التحكم بقرارات الدولة وتمويل شبكاته غير الشرعية.

الخيار الآن بيد الرئيس المكلف: إما حكومة تغيّر المعادلة، أو استمرار الانهيار تحت الهيمنة نفسها.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى